قضايا وآراء

متى تنجو مصر من قبضة الجنرال؟

يقول الكاتب: "تبقى الحقيقة أن الجنرال الحاكم راحل لا محالة كما رحل فرانكو، وموسوليني، وهتلر، وتشاوسيسكو والعشرات غيرهم. لكن، يبدو أن القدر يبدع في تصفية الحسابات مع أمثال السيسي"- جيتي
ليس صادقا أو صريحا مع نفسه قبل غيرها مَنْ لا يعترف بأن الجنرال المصري الحاكم اليوم استطاع أسر البلاد التي يفترض أن ينتمي إليها، ومن ثم صار يتحكم فيها بأسوأ ما يستطيع إنسان أن يفعل، حتى لو كان محتلا أو عدوا لنفسه قبل البشرية. ومن هنا، بات المصريون أسرى لديه ولدى القوة المفرطة التي يحكم بها، وكأن لا معقب على حكمه. أمِن مكر الغرب، فاستطاع التحكم في الأهواء الشخصية لمؤيديه بإغداق المال والنفوذ والمصالح عليهم.

ومع الزمن، أقر كثير من معارضيه بأن وقوفهم أمامه إما مهلكة للنفس ومجريات الحياة، كما في حالة السجناء والمصابين والمشردين والمفارقين لوطنهم برغمهم، أو أن المعارضة المدعاة لدى البعض أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه، فعبرها وعبر المتاجرة بها ينالون ما لم يكونوا يحلمون به، وما أوصلتهم إليه التقاطعات الدولية، وحب بعض الدول التلويح للنظام بأن هناك بديلا -ولو مزيفا- له.

والنتيجة، أن البلاد وأهلها دخلوا في نفق مذهل لأكثر من عشر سنوات مريرة، ضربوا خلالها الودع، وحاولوا الحلم بالفكاك من حكمه بالتعلق بمفاهيم لا تزيد عن كونها أخلاقية مثالية أكثر من حالمة، أدخلوا ترهاتهم نفق السياسة البراغماتي، وذهبوا لسبع سنوات سيدنا يوسف، وعشرية الجزائر حفظها الله وأغاث مصر؛ باختصار أغرقوا أنفسهم في الأوهام والمخدرات الفكرية، ساعدهم المال المتدفق على البعض، وشعور آخرين بأن النفق ما هو إلا طريق للعودة للحكم.

لم يفكر الجميع -بمن فيهم الوطنيون المخلصون- في أن مرارة الانتظار سوف تأخذهم نداهتها وأوهامها لأوقات مفتوحة غير ممهورة بتوقيع النهاية، استدرجتهم أكثر قدرة أجهزة المخابرات على ابتزازهم بنشر قصص أقرب للتفاهات حول ضعف الجنرال وتفاهته، وقرب قتل أتباعه أو غيرهم له، حتى إنهم ذات مرة، في البدايات، قالوا إنه مات وبديله راقص يحكم. 

لم يفكر الجميع -بمن فيهم الوطنيون المخلصون- في أن مرارة الانتظار سوف تأخذهم نداهتها وأوهامها لأوقات مفتوحة غير ممهورة بتوقيع النهاية، استدرجتهم أكثر قدرة أجهزة المخابرات على ابتزازهم بنشر قصص أقرب للتفاهات حول ضعف الجنرال وتفاهته، وقرب قتل أتباعه أو غيرهم له، حتى إنهم ذات مرة، في البدايات، قالوا إنه مات وبديله راقص يحكم. ولا داعي للتعجب من منطقية القصة الطفولية، فما جاء قبلها وبعدها يسمح بما هو أكثر، وما زال حتى اليوم يتخيل البعض أن الغرب قارب الاستغناء عن خدمات السيسي، الذي ملَّت اسمه كثرة الأوهام والترهات حول قرب رحيله عن الحكم أو الحياة.

تبقى الحقيقة أن الجنرال الحاكم راحل لا محالة كما رحل فرانكو، وموسوليني، وهتلر، وتشاوسيسكو والعشرات غيرهم. لكن، يبدو أن القدر يبدع في تصفية الحسابات مع أمثال السيسي، فلن يجيء رحيله -بنوعيه- موافقا للمنطق أو العقل، أو إذا شئنا الدقة، سيجيء بعضه هكذا، لكن اللمسة الحاسمة المنهية لمسيرته غير الآدمية لن تكون متوقعة.

أليس أفضل من مرارة الانتظار المضني لأكثر من 10 سنوات، أن تتكاتف المجهودات وتنقى الصفوف؟ يستبعد تجار الدماء والحروب، يعتذر المخطئون وما أكثرهم، يتوقف الجميع عن محاولة إرضاء الغرب والتقاطعات الدولية التي تستخدمهم، يجتمع المخلصون على عصف فكري، يذهب بركام وأنقاض فترة مظلمة ربما ندر أن تشهد مصر مثيلا لها.

جزء من هذه المنظومة أن الجميع، فشل في التعامل معه وفي معرفة فعاليات أبجدياتها في السيطرة على الرئيس الراحل محمد مرسي، بل جماعته والإسلاميين الذين ناصروهما، فضلا عن مناصرة قوى يفترض أنها وطنية للجنرال، أملا في أن "يرثوا" الحكم مكان مرسي، والنتيجة أن الواقع انهار بالجميع، فلا الإخوان كانوا مؤهلين للحكم؛ ساروا بخطى واثقة على نهج نظام حسني مبارك، أقصوا المخالفين بل المختلفين معهم وغير المتماهين فيهم، ظنوا أن الله خصهم بنعمة وبركة الحكم فلن يزيلها عنهم أحد، تمادوا في الأوهام أكثر، ورحم الله القائل منهم قبل الانقلاب بـ72 ساعة فحسب؛ إن زمن الانقلابات قد ولى، والنتيجة أن هزيمتهم -بحسب تعبير الراحل القيادي نائب المرشد السابق الدكتور إبراهيم منير-، جاءت مدوية أكثر مرارة من 1954م، كما أن الخيبة تجاوزتهم للوطن بأكمله، فقد أنهكه حكم العسكريين لأكثر من 70 عاما، مع تجريف تربته وشعبه من الإبداع والمهارة، إلا القليل من رحمة الله.

لكن ما سبق، يقود لسؤال أكثر من واجب: أليس أفضل من مرارة الانتظار المضني لأكثر من 10 سنوات، أن تتكاتف المجهودات وتنقى الصفوف؟ يستبعد تجار الدماء والحروب، يعتذر المخطئون وما أكثرهم، يتوقف الجميع عن محاولة إرضاء الغرب والتقاطعات الدولية التي تستخدمهم، يجتمع المخلصون على عصف فكري، يذهب بركام وأنقاض فترة مظلمة ربما ندر أن تشهد مصر مثيلا لها، فيرحموا المشردين والمقهورين، فضلا عن المسجونين والمصابين.

إننا بلا تنقية للصفوف وتعال فوق الخلافات وانعدام الضمير والمنطقية في أفعالنا؛ نورث الأجيال المقبلة بلدا يكاد يكون معدما أكثر من مديون ومعدوم القدرات ومنهك الموارد، فهل هذا مما يرضي ذا ضمير؟ ثم نسأل أنفسنا من بعد: كيف حكم الجنرال؟ ولماذا يستمر؟