أحد
أهم وأخطر الملفات التي فشل فيها النظام
المصري منذ 2013 هو ملف المياه وأزمة
سد النهضة،
حيث كان يترقب المصريون من النظام العسكري الجديد أن يتمكن من إنهاء الأزمة التي كانت
في بداياتها، لكن النظام الجديد انشغل بقضايا محلية تتعلق بفرض نظام أمني من حديد، والقضاء
على الأصوات المعارضة، والتخلص من الشركاء وملاحقتهم.
تورط
نظام السيسي في اتفاقيات ومفاوضات سمحت بإكمال بناء السد، ما أدى إلى تفاقم الأزمة
المائية في مصر.
بدأت
إثيوبيا هذا الأسبوع بالفعل عمليات الملء الخامس للخزان، محتجزة بذلك 23 مليار متر
مكعب إضافية من مياه
النيل، لتضاف إلى 41 مليار متر مكعب تم احتجازها في المراحل الأربع
السابقة، ما أثار احتجاجات رسمية من مصر والسودان. هذه التطورات تضع مصر أمام تحديات
كبيرة في إدارة مواردها المائية وتأمين احتياجاتها المستقبلية من المياه.
منذ
30 حزيران/ يونيو 2013، لم ينخرط النظام المصري الجديد في أي شيء يتعلق بأزمة سد النهضة
إلا بعد عام كامل، ومرت منذ ذلك الوقت بعدة محطات، حتى تم الإعلان فشلها بشكل نهائي نهاية
العام الماضي:
حزيران/
يونيو 2014: اتفقت مصر وإثيوبيا على استئناف المفاوضات مرة أخرى.
أيلول/
سبتمبر 2014: عقد الاجتماع الأول للجنة الثلاثية (مصر وإثيوبيا والسودان) للتباحث حول
صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات.
تشرين
الأول/ أكتوبر 2014: اتفقت الأطراف الثلاثة على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي
والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد.
آذار/
مارس 2015: وقع السيسي ونظيره السوداني السابق عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق
هايلي ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة".
تموز/
يوليو 2015: عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم الجولة السابعة لاجتماعات اللجنة الفنية
التي أصدرت بيانا يتضمن قواعد وأطر عمل المكتبين الاستشاريين الدوليين.
أيلول/
سبتمبر 2015: انسحب المكتبان الاستشاريان لـ"عدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات
بحيادية".
كانون
الأول/ ديسمبر 2015: وقع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة الخرطوم التي
تضمنت التأكيد على اتفاق إعلان المبادئ، وتضمن ذلك تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات
الفنية الخاصة بالمشروع.
شباط/
فبراير 2016: إثيوبيا تؤكد أنها لن تتوقف عن بناء سد النهضة.
أيار/
مايو 2017: الانتهاء من التقرير المبدئي حول سد النهضة، واندلاع خلاف بين الدول الثلاث
على التقرير.
تشرين
الثاني/ نوفمبر 2017: وزير الري المصري يعلن عدم التوصل لاتفاق بعد رفض إثيوبيا والسودان
للتقرير المبدئي.
تشرين
الثاني/ نوفمبر 2017: الحكومة المصرية تعلن أنها ستتخذ ما يلزم لحفظ "حقوق مصر
المائية".
شباط/
فبراير 2020: استضافت واشنطن، جولة مفاوضات جديدة حول سد النهضة الإثيوبي، تجمع وزراء
الخارجية والري في دول مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة ممثلين من وزارة الخزانة الأمريكية
والبنك الدولي، بوصفهم مراقبين.
نيسان/
أبريل 2021: فشل مفاوضات "الفرصة الأخيرة" بين مصر والسودان وإثيوبيا في
عاصمة الكونغو كينشاسا.
آب/
أغسطس 2022: أديس أبابا تعلن الملء الرابع.
حزيران/
يونيو 2023 اتفق السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على البدء بمفاوضات
"عاجلة" للاتفاق على ملء سد النهضة وقواعد تشغيله.
كانون
الأول/ ديسمبر 2023: مصر تعلن فشل المفاوضات مجددا.
تموز/
يوليو 2024: إثيوبيا تعلن بدء الملء الخامس.
"مصر
تهب إثيوبيا النيل"
كشف
خبير المياه والسدود الدولي، الدكتور محمد حافظ، أن مصر "منحت إثيوبيا نهر النيل
على طبق من ذهب منذ دخولها في صراع كبير على السلطة عام 2013، وانحراف القوات المسلحة
عن دورها في الدفاع عن أمن مصر القومي في البحر والنهر والبر، ومذ ذلك الوقت كانت تسعى
لعدم الدخول في أي صدام مع إثيوبيا بسبب الاضطرابات السياسية الداخلية ولكن الأخيرة
استعملتها لصالحها تماما".
وأوضح
في تصريحات لـ"عربي21" أنه "بضعف مصر اقتصاديا ودبلوماسيا وسياسيا واعتمادها
على الآخرين، وهم حلفاء النظام الجديد في دول الخليج، جعلها غير قادرة على مقاومة أطماع
الآخرين في مياه النيل، وهي ما أعتبره أخطر أطماع تهدد أكثر من 110 ملايين مصري، لأن
نقص المياه هو معناه خراب كبير سوف يحل على الزراعة والصناعة ومياه الشرب".
وأكد
حافظ، أن "النظام الجديد منح إثيوبيا كل شيء لحجز مياه النيل وحرمان مصر من حقها
التاريخي في المياه، من اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم عام 2015، وعدم الانتباه لمخططات
أديس أبابا، والسير في مفاوضات غير مجدية وعقيمة منذ ذلك الحين، دون أخذ الحيطة والاعتبار
بسلسلة الفشل الذريعة، بما فيها فشل كل جهود الوساطة، بما فيها الوساطة الأمريكية والأفريقية...
الخ".
واعتبر
أن "يوم اكتمال الملء الخامس ستكون إثيوبيا قد خزنت خلال عامي 2023 و2024 قرابة
70.0 مليار متر مكعب، وهذا يعني أن الدولة المصرية سوف تحتاج لاستيراد كمية من الغذاء
سنويا تعادل إنتاج (7.0 مليون فدان)".
وأشار
خبير المياه إلى أن "مصر تستورد حوالي 50 مليار متر مكعب مياه افتراضية على هيئة
سلع مثل القمح والذرة وباقي المنتجات الزراعية، والمشكلة هي في أن إثيوبيا تسعى لخصم
حصة كبيرة من حصة مصر في مياه النيل".
وسبق
لوزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم أن أعلن أن موارد بلاده المائية تقدر
بنحو 59.60 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ احتياجاتها نحو 114 مليار متر مكعب سنويا،
وفي حال استمرت إثيوبيا بخططها المتعلقة بالسدود على مجرى النيل، ستجد مصر نفسها في
وضع خطير للغاية.
وتأتي
مصر على رأس قائمة الدول القاحلة والتي تواجه ندرة حادة في المياه، فهي الأقل في معدل
هطول الأمطار بين دول العالم، وتعاني من عجز مائي يزيد على الـ50% من احتياجاتها المائية؛
ما يفرض عليها إعادة استخدام المياه المحدودة المتاحة لعدة مرات، واستيراد مياه افتراضية
في صورة واردات غذائية بقيمة تقترب من 15 مليار دولار سنويا.
مآلات
الضعف والخلافات المصرية السودانية
على
الجانب السوداني، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي الدكتور ياسر محجوب الحسين، إن
"الخلافات الداخلية في مصر والصراع على السلطة منذ عام 2013، من جهة، والخلافات
الخارجية مع السودان، من جهة أخرى، منح إثيوبيا فرصة تاريخية لبناء سد النهضة".
وأضاف
لـ"عربي21": "للأسف لا يبدو أن هناك أفقا للحل من غير فرض الإرادة الإثيوبية
على البلدين حيث تتعزز حقيقة أن السد أضحى أمراً واقعاً مع مرور الوقت، وفي ظل ضعف
البلدين الشديد مصر والسودان؛ فالأول يعصف به وضع اقتصادي متدهور والثاني تعصف به حرب
مدمرة إقليمية دولية بأدوات داخلية. ولذا سيمضى الملء الخامس دون ضجة أو أي تحرك لا
من جانب مصر ولا بالضرورة من جانب السودان".
بالعودة
إلى الخلافات بين القاهرة والخرطوم، يوضح المحجوب: "خلال أزمة سد النهضة منذ
2013، اتخذت الحكومة السودانية مواقف داعمة لإثيوبيا في مشروع سد النهضة، ومع أن الخرطوم
حينها نظرت لبعض الفوائد التي ستعود عليها من قيام السد، فإنها كانت قاصرة بالبعد
الاستراتيجي، فاعتزلت التنسيق مع مصر بسبب اضطراب علاقاتها مع القاهرة. وربما تنبهت
الخرطوم متأخراً لهذا الخطأ، وعمدت إلى قيادة وساطة أسفرت عن اتفاق بين الدول الثلاث، لكنه لم يصمد بسبب التعنت الإثيوبي، فإثيوبيا كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في إنجاز مشروع
السد الأمر الذي مكنها من التعويل على أن المشروع أصبح أمراً واقعاً رضي من رضي وأبى
من أبى".
وختم
حديثه بالقول: "في تقديري أن الخلافات السياسية بين النظامين السوداني والمصري
على مر العقود الماضية طغت على ما هو استراتيجي ومستقبلي فيما يخص علاقات البلدين وشعبيهما. وبعيدا عن التفاعلات والأسباب الداخلية والتاريخية التي أدت إلى مآل الانفصال،
نستطيع القول إن انفصال جنوب السودان كان نتيجة حتمية لخلل هيكلي في الأمن القومي المصري، والنظرة القاصرة لدى كلا النظامين في البلدين لأهمية علاقاتهما الاستراتيجية".