مظاهر
فرح
الفلسطينيين بخروج أسراهم وأسيراتهم هي فصل جديد من فصول التحدي لسلطات
الاحتلال التي قررت منع تلك المظاهر، سواء بالنسبة للأسرى أو عائلاتهم أو عموم
الفلسطينيين، وهي المظاهر التي لم تقتصر على الفلسطينيين بل شاركتهم فيها كل
الشعوب العربية والإسلامية، ومن بينها الشعب
المصري الذي تذكر في تلك اللحظات أيضا
أسراه وأسيراته في
السجون المصرية والذين اعتقل وحوكم الكثيرون منهم بسبب دعمهم
للقضية الفلسطينية.
هكذا
نجد أنفسنا ممزقين بين دموع الفرح بتحرير الأسرى في فلسطين، ودموع الحزن على من
يقضون زهرة شبابهم، أو يلقون حتفهم في السجون المصرية، هي فرصة أن نتذكرهم في هذه
اللحظات، ربما هذا بعض الوفاء لهم في ظل العجز عن تحريرهم، وربما هو جزء من طبيعة
المصريين الذين يذكرون أحزانهم في لحظات سعادتهم، يتذكرون الغائب، والسجين،
والمريض، يتذكرون موتاهم، ويزورون مقابرهم في الأعياد التي هي بالأساس مناسبات
للبهجة.. يشعرون براحة نفسية حين يفعلون ذلك، فهم قد أكدوا لأنفسهم قبل أمواتهم
ومفقوديهم ومعتقليهم أنهم لم ينسوهم، وأنهم باقون على عهدهم وعلى حبهم تجاههم.
تركزت
صفقة تبادل الأسرى بين الكيان والمقاومة على النساء والأطفال، وقد جاءت -قدرا-
متواكبة مع اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة.. وهنا نلفت الانتباه إلى أن
السجون المصرية تضم 120 سيدة وفتاة من سجينات الرأي (بخلاف 5 مختفيات لا يعرف عنهن
شيئا)، بعضهن أمهات لأطفال وبعضهن جدات، وبعضهن مريضات وبحاجة لعمليات جراحية،
وبعضهن أنهين فترات العقوبة أو الحبس الاحتياطي ولكن السلطات رفضت خروجهن، وقامت
بتدويرهن على قضايا وهمية جديدة من داخل محبسهن، مثل الحقوقية هدى عبد المنعم.
النظام المصري الذي يفاخر بدوره في صفقة تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يحرص في الوقت نفسه على حبس المزيد من المصريين، وبناء المزيد من السجون لاستيعاب هذه الأعداد الجديدة
لدينا
في السجون أيضا العشرات من الأطفال (من هم دون الثامنة عشر، أو من كانوا تحت هذا
السن وقت اعتقالهم)، ورغم انتهاء محكوميات بعضهم أو انتهاء فترات الحبس الاحتياطي
تم تدويرهم أيضا على قضايا وهمية جديدة من داخل زنازينهم.
لدينا
في السجون المصرية المئات من الشيوخ الذين تجاوزوا الستين أو السبعين أو حتى
الثمانين من أعمارهم، وبشكل عام لدينا حوالي 60 ألف سجين ومعتقل رأي في مصر، كل
جريمتهم هي التمسك بالمسار الديمقراطي، ورفض الانقلاب، والكثيرون منهم لم توجه
إليهم اتهامات محددة، ولم يُحالوا إلى المحاكم رغم قضائهم سنوات في السجون، حيث يتم
تدويرهم على قضايا جديدة بمجرد انتهاء فترة الحبس الاحتياطي ومدتها عامان، ليلحقها
عامان آخران، وهكذا يتكرر الأمر رغم انتفاء مبررات الحبس الاحتياطي.
النظام
المصري الذي يفاخر بدوره في صفقة تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين،
يحرص في الوقت نفسه على حبس المزيد من المصريين، وبناء المزيد من السجون لاستيعاب
هذه الأعداد الجديدة، وحين اضطر لتشكيل لجنة للعفو الرئاسي لتحسين صورته دوليا
فإنه حرص على اعتقال اثنين أو ثلاثة جدد مقابل كل سجين يفرج عنه. بدا الأمر تنافسا
بين أجهزة النظام الأمنية، تلك التي تريد التنفيس قليلا عبر الإفراجات المحدودة، وتلك
التي ترفض هذا التنفيس تماما، وبالمحصلة ظلت أعداد السجناء كما هي.
الروح
الانتقامية التي يتعامل بها النظام المصري مع معارضيه وعلى رأسهم هؤلاء المعتقلون
السياسيون، والتي تسببت في موت الكثيرين داخل السجون نتيجة الإهمال الطبي، هي روح
قاتلة للانتماء، ودافعة على الثأر، وهو ما يدفع الوطن ثمنه غاليا، وما يحرم الوطن
من استقرار حقيقي يفتح الباب لتنمية حقيقية وازدهار اقتصادي.
كما كشفت الحرب على غزة نفاق المجتمع الغربي ومعاييره المزدوجة فيما يخص حقوق الإنسان، فإن موقفه من النظام المصري كان مفضوحا أيضا، فهو يطلق تصريحات بين الحين والآخر عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ولكنه في الوقت نفسه يقدم الدعم الهائل للنظام ماديا وسياسيا
وجود
هذه الأعداد الضخمة من
المعتقلين السياسيين، وتعرضها للانتهاكات، هو مؤشر على ضعف
النظام لا قوته، وعلى خوفه من خروج هؤلاء المعتقلين لممارسة العمل السياسي مجددا.
وهذه رسالة للعالم كله أن الاستقرار الذي تشهده مصر هو استقرار زائف، ولذلك تحجم
الاستثمارات والسياحة الأجنبية عن القدوم إلى مصر، في ظل وجود خيارات أكثر أمنا
واستقرارا وربحية لها.
وكما
كشفت الحرب على غزة نفاق المجتمع الغربي ومعاييره المزدوجة فيما يخص حقوق الإنسان،
فإن موقفه من النظام المصري كان مفضوحا أيضا، فهو يطلق تصريحات بين الحين والآخر
عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ولكنه في الوقت نفسه يقدم الدعم الهائل للنظام
ماديا وسياسيا، وأحدث هذا الدعم هو الدعم الأوروبي بقيمة عشرة مليارات دولار،
واستعداد صندوق النقد الدولي لرفع قيمة القرض المقدم إلى مصر.
لم
يعد المصريون يراهنون على أي شعارات غربية داعمة للحرية والديمقراطية، وأصبحوا
أكثر اقتناعا بأن "ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك"، وإذا كانت
الأوضاع الحالية لا تسمح لهم بحراك سياسي حقيقي فإنهم واثقون أن دوام الحال من
المحال، وأن القوي لا يظل قويا، وأن الضعيف لا يظل ضعيفا، وأن التغيير سنة كونية، وأن
الشعب المصري قد يصبر قليلا، لكن لصبره حدود، وحتما سيتحرك يوما لانتزاع حريته
وحرية سجنائه.
twitter.com/kotbelaraby