قضايا وآراء

مصر.. أوراق لم تستخدم في مواجهة ترامب

"الكيان الصهيوني بادر بخرق المعاهدة باحتلاله محور فيلادلفيا"- رئاسة وزراء الاحتلال
حتى الآن يبدو الرئيس الأمريكي مصرّا على تحقيق خطته بتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، ورغم الرفض المتكرر والمتصاعد من الدولتين إلا أنه كرر تأكيداته بأن مشروعه سيتم، وأن الدولتين ستقبلانه في نهاية المطاف، مدعيا أن هناك قبولا وترحيبا وسرورا بمشروعه؛ لا نعرف ممن! ولكن يبدو أن ترامب يتلقى رسائل في الغرف المغلقة أو ربما رؤى ليلية حول هذا القبول، ورغم أن ترامب أكد خلال لقائه مع رئيس الوزراء الياباني أنه ليس مستعجلا لتنفيذ مشروعه الذي وصفه بأنه صفقة عقارية، إلا أن هذا التصريح لا يعني تراجعه عنه.

رد الفعل في مصر هو الرفض على المستويين الرسمي والشعبي، وللمرة الأولى منذ زمن بعيد ينعقد هذا الإجماع الشعبي الذي شمل النظام، ومعارضيه، بل وحتى ألد خصومه، وهم رافضو الانقلاب وفي القلب منهم جماعة الإخوان التي عبرت أكثر من مرة عن رفضها لتهجير الفلسطينيين إلى مصر لكونه مسا بالأمن القومي المصري من ناحية، وتصفية للقضية الفلسطينية من ناحية ثانية، لكن النظام حاول الاعتماد على شكل كرتوني للتعبير عن الموقف الشعبي الرافض من خلال مظاهرات (سابقة التجهيز) أمام معبر رفح، في حين رفض السماح بمظاهرات شعبية حقيقية في القاهرة، بل رفض السماح للحركة المدنية التي تضم عدة أحزاب بمظاهرة صغيرة أمام السفارة الأمريكية، كما رفض كل النداءات بالإفراج عن معتقلي المظاهرات الرافضة للعدوان الإسرائيلية على غزة والتي جرت في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
المواجهة آتية لا ريب فيها إذا أصر ترامب بالفعل على تنفيذ خطته، مهما حاولت مصر تجنبها، ساعتها ستكون حربا مفروضة (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)، وهو ما يدعو لتهيئة الجبهة الداخلية لهذه المواجهة

قلق النخب المحيطة بالنظام يزداد يوما بعد يوم، مع تيقنهم من إصرار ترامب على تنفيذ خطته، والتي رأى أحدهم وهو الدكتور حسام بدراوي، آخر أمين عام للحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك، ومستشار الحوار الوطني الحالي، أن حدوث تلك الكارثة يعني سقوط النظام المصري وعودة الإخوان للحكم!!

على المستوى الدبلوماسي صدرت بيانات وتصريحات من وزارة الخارجية برفض أي طرح أو تصور لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق التهجير، وبدأت الوزارة اتصالات عاجلة مع 11 دولة عربية بينها السعودية والأردن والإمارات لتجهيز موقف عربي موحد ضد خطة ترامب، وقبل زيارة السيسي وملك الأردن إلى واشنطن خلال الأيام القليلة المقبلة، والمتوقع أن يفاتحهما ترامب خلالها بشكل مباشر لقبول خطة التهجير، مستخدما العصا والجزرة.

وعلى المستوى العسكري أظهرت مقاطع فيديو اصطفافا لعدد كبير من الدبابات والمدرعات المصرية، وتدريبات للخروج من أنفاق قتالية قرب الحدود الشرقية لمصر بجوار معبر رفح، وهو ما أثار ذعر وسائل الإعلام الإسرائيلية، واعتبرت تسريب تلك المشاهد رسالة مصرية غير مباشرة لإسرائيل. ورغم نفي مؤسسة الدفاع الإسرائيلية لحدوث تغييرات في انتشار الجيش المصري في سيناء، إلا أن الإعلام الإسرائيلي لا يزال ينشر المقاطع المصورة، ويدعو جيش الاحتلال للاستعداد للمواجهة.

المواجهة آتية لا ريب فيها إذا أصر ترامب بالفعل على تنفيذ خطته، مهما حاولت مصر تجنبها، ساعتها ستكون حربا مفروضة (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)، وهو ما يدعو لتهيئة الجبهة الداخلية لهذه المواجهة، أسوة بما تم قبل حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 والتي انتهت بعبور الجيش المصري لقناة السويس وتحرير أجزاء من سيناء، في ظل دعم شعبي واسع سبق المعركة بسنوات وتصاعد خلالها وبعدها.

تهيئة الجبهة الداخلية أهم الأوراق في هذه المواجهة المحتملة، وهذه التهيئة لا تكون بدعوات ممجوجة للاصطفاف خلف السيسي، وكأنها دعوة للحب من طرف واحد، والتزام فقط بالتوجيهات على طريقة المعسكرات الحربية. التهيئة تكون بإنهاء كل مظاهر الاحتقان، ولعل الرسالة الأهم هي السماح للمصريين بالتظاهر الحر الطبيعي للتعبير عن رفضهم لمشروع ترامب، وتأكيد تضامنهم مع أهل غزة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، ولتكن الدفعة الأولى هي معتقلو مظاهرات دعم غزة الذين لا يزالون قابعين في حبس احتياطي منذ 15 شهرا، ويعقب ذلك دعوة المهجرين في الخارج للعودة بعد إسقاط الاتهامات الوهمية ضدهم، وتشكيل مجلس إنقاذ وطني بمشاركة القوى الرئيسية في البلاد، يكون هو المسئول عن إدارة هذه المرحلة، مع تعبئة قوات الدفاع الشعبي والعسكري، واستدعاء الاحتياط.

من الأوراق المهمة أيضا التلويح بإلغاء أو حتى تجميد معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني الذي بادر بخرق هذه المعاهدة باحتلاله لمعبر فيلادلفيا، وإصراره على البقاء فيه حتى الآن وتلويحه بالاحتفاظ به مستقبلا
ومن الأوراق المهمة أيضا التلويح بإلغاء أو حتى تجميد معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني الذي بادر بخرق هذه المعاهدة باحتلاله لمحور فيلادلفيا، وإصراره على البقاء فيه حتى الآن وتلويحه بالاحتفاظ به مستقبلا. هذه الاتفاقية ليست قرآنا منزلا، لكنها تقوم على جملة من الالتزامات المتبادلة، وإذا خرقها طرف فإن ذلك يمنح الطرف الآخر التصرف المناسب. نحن هنا نتحدث عن تلويح وليس إلغاء عاجل، فالنظام المصري أعجز في ظروفه الحالية من ذلك، لكنه ربما إذا بدأ فعلا في تهيئة الجبهة الداخلية بالطريقة الصحيحة فإن ذلك سيمنحه دعما شعبيا حقيقيا يمكنه ليس فقط من التلويح بل بتجميد المعاهدة، وسحب السفير فورا وحتى يلغي ترامب خطته، وتبدأ عمليات الإعمار لغزة، وتوفير كل مقومات الحياة لأهلها.

الدعوة لقمة عربية وإسلامية طارئة تستضيفها القاهرة هي أحد الأوراق المهمة أيضا، فهذه قمة من بند واحد وهو إعلان الرفض الكامل لخطة ترامب وأي خطة لتهجير الشعب الفلسطيني، وتأكيد حق هذا الشعب في العيش في وطن حر مستقل كامل السيادة على كامل أرضه. وفي اعتقادي أن الظروف مهيأة الآن لعقد هذه القمة بشكل عاجل، والخروج منها بموقف عربي إسلامي قوي، يقنع ترامب بضرورة احترام إرادة ملياري مسلم بينهم 500 مليون عربي و15 مليون فلسطيني في الداخل والخارج.

الأمر جد لا هزل فيه، والاستعداد واجب بلا تأخير، والمواجهة لا تخص السلطة فقط بل على الجميع الاستعداد، فالوطن فوق النزاعات، والوطن ملك لكل أبنائه، وحمايته واجب الجميع.

x.com/kotbelaraby