منذ اللحظة الأولى التي استفاقت فيها الحكومة
الإسرائيلية على زلزال السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حتى
جيّشت أجهزتها لترسخ لدى الرأي الداخلي والدولي أن
حماس حركة إرهابية لا تختلف عن
تنظيم داعش. وبسرعة عجيبة تماهت معها مواقف حلفائها، بدءا من أمريكا وصولا إلى كندا
ودول الاتحاد الأوروبي. وإذا كان ذلك منتظرا بحكم المصالح والعُقد المشتركة التي
تربط هذه الأطراف وتجعلها في جبهة واحدة، إلا أن آخرين من أبناء هذه الأمة صدقوا التهمة
وانخرطوا بدورهم في تبريرها وترويجها دون وعي بخطورة ذلك.
توجيه تهمة
الإرهاب إلى حركات التحرير الوطني في جميع
دول العالم قصة معروفة اعتمدتها جميع الدول الاستعمارية في محاولة منها تشويه
حركات
المقاومة وسحب الشرعية منها. لجأت إلى ذلك فرنسا على سبيل المثال، خاصة في
محاولاتها خنق الثورة الجزائرية حتى أنها قتلت في يوم واحد 45 ألف جزائري. حصل ذلك
بتاريخ 8 أيار/ مايو 1945، وعندما رفع المجاهدون السلاح في وجهها اتهمتهم بالإرهاب.
الذين ينكرون على حركات التحرر اللجوء إلى المقاومة المسلحة، ويعتبرون ذلك عنفا
غير شرعي لم يطلعوا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتبر المقاومة حقا من
حقوق الشعوب "من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد
للبشر ألا يضطروا إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد".
لم يطلعوا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتبر المقاومة حقا من حقوق الشعوب "من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد"
قد يزعم البعض أن الإعلان لم ينص على شرعية السلاح،
وهو ما يعني الاكتفاء فقط بالمقاومة السلمية. هؤلاء لا يميزون بين المعارضة
السياسية في ظل دولة مستقرة، وبين حركة تحرير تواجه دولة مستعمرة غاشمة كما هو
الشأن بالنسبة لإسرائيل التي تعتبر آخر نظام استعماري استيطاني في العالم. لهذا
ربطت المقاومة
الفلسطينية منذ انطلاقها بين البعد السياسي والعمل المسلح.
يجب الإقرار بأن منظمة التحرير فقدت الكثير من تأثيرها
عندما ظنت بأن الإسرائيليين سيلتزمون باتفاقية أوسلو، وسيقبلون بحل الدولتين،
فكانت النتيجة اغتيال عرفات، وموت عملية السلام، وسرقة الجزء الأكبر من الوطن
الفلسطيني.
لا أحد يعلم ما الذي حدث يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر
داخل المستوطنات التي تسلل إليها عناصر عز الدين القسام، خاصة فيما يتعلق بعدد
القتلى المدنيين. التحقيق الموضوعي وحده يمكن أن يحدد المسؤوليات، إذ لا بد من
معرفة من المسؤول عن قتل غير الحاملين للجنسية الإسرائيلية أو مزدوجي الجنسية ومن
المسؤول عن قتل المستوطنين غير المسلحين وكذلك غيرهم من حاملي السلاح. وهذه تفاصيل
ستؤخذ بعين الاعتبار أثناء التقييم، لكن بأي من الأحوال لا يجوز المقارنة بين
المقموع الذي حُرم من وطنه ومن جميع حقوقه، ووُضع في سجن كبير اسمه غزة، وبين كيان
اكتسب صفة الدولة ولقي كل الدعم لمزيد الهيمنة والتوسع. ففي هذه الحالة لا أحد يحق
له أن يمنع هذا المضطهد من حقه في الدفاع عن نفسه وشرفه وأرضه.
إسرائيل هي اليوم إرهاب الدولة دون تحفّظ ولا حياء، يقتلون الجميع بحجة أن المسلحين يتخذون من المدنيين دروعا بشرية. وعندما يُسألون لو كانت حماس موجودة داخل تل أبيب وبين المدنيين الإسرائيليين هل تتعاملون معهم بنفس الطريقة؟ يرفضون الإجابة
لقد أدركت قيادة حماس منذ البداية أن وجود مدنيين في
صفوف الأسرى سيشكل عبئا عليها، إضافة إلى الجوانب الأخلاقية والقانونية، لذلك أبدت
استعدادها لتسليمهم إلى المؤسسات المختصة. لكن الذي حدث هو أن الطرف الإسرائيلي
بدا راغبا في ذلك ولا يزال حريصا على التضحية بكل الأسرى بمختلف أصنافهم حتى يحمّل
حماس مسؤولية قتلهم، فيؤلب عليها الرأي العام الدولي ويؤكد صحة اتهامه لها بكونها
حركة إرهابية. فالقصف الجنوني لمدينة غزة جزء من أهدافه قتل هؤلاء الأسرى، وهو ما
حصل في عديد الحالات، وهو ما أدركته عائلاتهم التي طالبت باستقالة نتنياهو وإحالته
إلى التحقيق ومحاكمته. وبلغ ببعض أعضاء حكومة نتنياهو الجنون إلى حد التفكير في
قصف غزة بالنووي للتخلص من الجميع بمن فيهم مواطنوهم العسكريون والمدنيون، وذلك
العنوان الأكبر لإرهابهم.
إسرائيل هي اليوم إرهاب الدولة دون تحفّظ ولا حياء،
يقتلون الجميع بحجة أن المسلحين يتخذون من المدنيين دروعا بشرية. وعندما يُسألون
لو كانت حماس موجودة داخل تل أبيب وبين المدنيين الإسرائيليين هل تتعاملون معهم
بنفس الطريقة؟ يرفضون الإجابة.
الحرب ليست اختيارا في الغالب، وإنما هي عند العقلاء
حالة اضطرار عندما تغلق الآذان وترتفع درجات الاضطهاد والإهانة. عندها تصبح
الكلمات مثل الرصاص تقتل صاحبها أو تخرج من عقالها، وبدل أن تساعد الضحية تفعل
العكس تزيد من جراحه. المقاومة الفلسطينية المشروعة ومن ورائها الشعب الفلسطيني
بكل أفراده وطوائفه في أشد الحاجة إلى الدعم بمختلف أشكاله، خاصة في هذه اللحظات
التي بدأ الضمير العالمي يستيقظ. القضية أكبر من حماس وأوسع من غزة، لهذا نزلت
الجماهير في كل مكان من مختلف الأجناس والديانات والألوان إلى الشوارع رافعة شعارا
موحدا: "الحرية لفلسطين".