ثمة رأي أخذ يتردد، على لسان الكثيرين من المتعاطفين
مع الحرب التي تخوضها المقاومة والشعب في قطاع
غزة، يُقلل من أهمية تعاظم
التظاهرات العربية والإسلامية والعالمية، التي تشجب القصف الجوي المتجّه لقتل أكبر
عدد من المدنيين الغزيين، وتدمير أحياء بأسرها ومساواة أبنيتها مع الأرض، وذلك
فيما راحت أرقام الشهداء تتزايد باتجاه العشرة آلاف، وأرقام الأطفال الشهداء تزداد
باتجاه الأربعة آلاف، وراحت المساكن والمباني المدّمرة تتسّع لتشمل نصف بيوت غزة.
هذا متوقعٌ حصوله خلال الأيام الثلاثة القادمة، إذا لم
يتوقف القصف الجوي الذي تحدّى ويتحدّى القوانين الدولية الإنسانية تحديّا كاملا
ومن أول يوم، بما يؤكد أن القرار
الأمريكي- الصهيوني (بايدن- نتنياهو) مصمّم على الذهاب بهذه الاستراتيجية، غير
مبال بشيء، حتى النهاية، وما هو بمستعد بأن يذعن لإدانة أو احتجاج غالبية دول
العالم، كما ظهر في قرار الجمعية العامة بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 (120
دولة مع وقف هذه الاستراتيجية فورا، وامتناع 45 دولة يجب أن تضاف موضوعيا، إلى
المائة والعشرين دولة، ولم يبق مع بايدن ونتنياهو غير 12 دولة أخرى).
هذا يعني عدم كفاية كل ما صدر عربيا وإسلاميا وعالميا، دولا وشعوبا، لوقف همجية الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة، خصوصا الأطفال والنساء والجرحى، وكل فئات الشعب، وقد قوبِل بضربِهِ عرض الحائط مِن قِبَل الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية. ومن ثم سيستمر التقتيل والتدمير، مطلقي العنان، الأمر الذي يلقي على عاتق كل الذين عارضوا ويعارضون استباحة المدنيين، وطالبوا ويطالبون بوقفها، مسؤولية الانتقال إلى مستوى أعلى في ردع هذا الجنون
ثم أضف مئات الآلاف الذين يخرجون إلى الشوارع يوميا،
وبما يقترب من أن يُعدّوا بالملايين، في كل بلدان العالم. وجميعهم يطالبون بوقف
جريمة الإبادة، وإعلان التعاطف مع
فلسطين وقضيتها، ومع المقاومة، بشكل مباشر أو
غير مباشر.
ولكن، بالطبع لم يستطع كل هذا أن يردع بايدن ونتنياهو،
ومن لف لفهما، مشاركة، أو تأييدا، أو صمتا متواطئا، بوقف الجريمة بحق الأهالي
(مليونان ونصف المليون). وهي أم
الجرائم يمارسها الطيار الصهيوني، وبالطائرة
الأمريكية، والقذائف الأمريكية.
هذا يعني عدم كفاية كل ما صدر عربيا وإسلاميا وعالميا،
دولا وشعوبا، لوقف همجية الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة، خصوصا الأطفال والنساء
والجرحى، وكل فئات الشعب، وقد قوبِل بضربِهِ عرض الحائط مِن قِبَل الإدارة
الأمريكية والحكومة الصهيونية. ومن ثم سيستمر التقتيل والتدمير، مطلقي العنان،
الأمر الذي يلقي على عاتق كل الذين عارضوا ويعارضون استباحة المدنيين، وطالبوا
ويطالبون بوقفها، مسؤولية الانتقال إلى مستوى أعلى في ردع هذا الجنون. فمن جهة،
فإن دورا خاصا يجب أن يُلقى على الدول الإسلامية من خلال مؤتمر التعاون الإسلامي،
وذلك بداية بسبب تصريحات ترددت على لسان قادة أمريكا وأوروبا ولحق بهم نتنياهو،
بأن هذه الحرب هي حرب بين "الحضارة والبرابرة"، والمقصود بالحضارة
الحضارةُ الغربية، والبرابرة: العرب والمسلمون أولا، ومن يمكن أن يضافوا لهم من
شعوب الشرق أو الجنوب.
ومن ثم، لو حصرنا أنفسنا من حيث الأولوية، سنجدها في
ضرورة ممارسة ضغوط أعلى فأعلى لوقف هذا الإجرام الهمجي (البربري بامتياز) فورا.
ومما يشجع على إمكان هذا التصعيد مواقف إيران وتركيا وماليزيا، إذ يمكنها أن
تتحوّل إلى نواة تنضم لها دول أخرى، فيرفع سقف المطالبة بسحب السفراء، ونقض
المعاهدات، أو استخدام سلاحيّ المقاطعة والنفط، وصولا إلى أن ينبري البعض ليهدد
باستخدام القوة المسلحة لضرب المطارات، التي ينطلق منها قصف الطائرات.
لعل المتابعة الدقيقة لما صدر من مواقف من رؤساء دول
أو حكومات أو وزراء خارجية، لا سيما تركيا وإيران اللتين أعلنتا أن صبرهما نفد على
تحمّل قتل المدنيين والأطفال، مما يسمح بإطلاق حوار إيراني- تركي؛ ثم مَن ينضم
إليه من دول إسلامية وعربية لتوجيه إنذار حاسم (لا حاجة لذكر تفاصيل) يطالب بوقف
الهمجية الأمريكية- الصهيونية فورا بحق مدنيي قطاع غزة. ويمكن أن يعزز هذا بغطاء
مؤتمر التعاون الإسلامي.
خلاصة:
- تبقى نقطة تتمثل في اتخاذ خط سياسي وفكري صحيح، من
الموقف من التظاهرات الشعبية، العربية والإسلامية والعالمية. وذلك ابتداء
بتقويمها، وتقدير أهميتها وفاعليتها.
- ثمة موقف يتخذه الكثيرون يدعو من جهة إلى ضرورة
التظاهر وحشد الملايين، ضد القصف الصهيوني الأمريكي الذي أثخن بالمدنيين والأبنية
في قطاع غزة، ويعتبر من جهة أخرى أن هذه التظاهرات لا تؤثر، ولا تغيّر، ولا تردع،
ومن ثم لا مجال للتعويل عليها أو إعطائها أهمية أكثر مما تستحق.
ليس كل نضال أو جهد شعبي يجب أن يحسم الصراع بذاته، بل له أهمية متعدّدة الأبعاد دون أن يحسم الصراع وحده. فعلى سبيل المثال، يسهم في عزل العدو، أو في إفقاده كل شرعية، كما يعزز موقف المقاومة وصمود الشعب
- طبعا نزل الملايين بالمجموع لردع الإبادة التي تتعرض
لها غزة، ولكنهم لم يردعوا ولم تتوقف الإباد. ولكن هذه النتيجة المطلوبة فورا، لا
يجوز أن تؤدي إلى ذلك الموقف من التظاهرات والرأي العام العالمي.
- بداية، ليس كل نضال أو جهد شعبي يجب أن يحسم الصراع
بذاته، بل له أهمية متعدّدة الأبعاد دون أن يحسم الصراع وحده. فعلى سبيل المثال،
يسهم في عزل العدو، أو في إفقاده كل شرعية، كما يعزز موقف المقاومة وصمود الشعب،
وصولا إلى تهيئة شروط الحسم العسكري مثلا، أو الحسم السياسي في معادلات أخرى.
إن كل من لا يقدّر ما يجري من تظاهرات تقديرا عاليا،
حتى لو لم يصل حجمها إلى المستوى الذي نريد، يقع في خطأ، خصوصا إذا راح يتهكم أو
يستهزئ بها.
أما على المستوى الصهيوني في الخصوص، وعلى المستوى
الأمريكي- الأوروبي، فإن التظاهرات التي تندّد بهمجية الصهاينة وحلفائهم في قتل
المدنيين في قطاع غزة، ستؤدي إلى أن تسوء سمعتهم، وتفضَح حكوماتهم، وأن يُنزع
القناع الذي بذلوا الأموال والجهود طوال عقود وسنين، ليبيضوا به صفحتهم ووجودهم
وحضارتهم. وبكلمة، فإن هذه التظاهرات والرأي العام، سيمهدان
لسقوطهم وسوء المآل.