قضايا وآراء

العشرية السوداء.. ابن العم (21)

حظي الجنرال بدعم صهيوني غير مسبوق- صفحته على فيسبوك
على الهامش وقبل كل شيء..

كشفت ردود فعل النظام المصري على العملية الفدائية التي قام بها المجند المقاتل المصري محمد صلاح على الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة يوم السبت الماضي (3 حزيران/ يونيو 2023)، وقتل خلالها ثلاثة جنود من جيش العدوان الإسرائيلي، عن أن العلاقة بين النظام في مصر والكيان الصهيوني ليست علاقة جوار بين نظامين كانت بينهما حروب وعداوة على مدار قرابة ثلاثة أرباع القرن، بل إنها أصبحت علاقة مودة ورحمة. فقد قدم وزير الدفاع المصري الذي خان رئيسه المنتخب الشهيد محمد مرسي واجب العزاء في الجنود الصهاينة الثلاثة الذين قتلوا، وتوعد بل بدأت السلطات بالتحقيق في الحادثة، بل إن الكيان نفسه سيشارك في التحقيق. وسوف لن يطلق لقب الشهيد على البطل المصري وسيتم دفنه سرا، هكذا وعد النظام الحاكم في مصر نظيره الصهيوني بعد زيارة سرية لرئيس المخابرات المصرية كما أعلن الناشط الصهيوني إيدي كوهين في سلسلة تغريدات له بعد العملية.

في إحدى الندوات الفكرية تحدث المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري عن التحول القادم في المنطقة وعن التحلل الفكري الذي سيحدث في عالمنا العربي، وعن شيء جديد أسماه "اليهودي الوظيفي"، على غرار الدولة الوظيفية التي تنشأ لغرض ما في نفس مجموعة من الدول الكبرى، فقال رحمه الله: "من الأن فصاعدًا سنجد يهودًا في ثياب مسلمين، اليهودي الوظيفي، مسلم يصلي معنا العشاء في المسجد لكنه يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الجنرال اليهودي، وعليه يجب تحليل تلك الظاهرة حتى لا يتحول كثير منا إلى يهود دون أن يدروا".

وفي مقابلة تلفزيونية مع السيدة ماجدة هارون، رئيس الطائفة اليهودية في مصر، اعترفت بأن اليهود في مصر تخفّوا وغيّروا أسماءهم وقالت بالنص: "كثيرون منَا استخرجوا بطاقات شخصية بأسماء مسلمين، حتى يقدروا أن يعيشوا بأمان في مصر".

هل نحن بصدد تكرار ما فعله الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين في سوريا يوما؟ وبالمناسبة، فإيلي كوهين ولد في حي اليهود بالإسكندرية بمصر...!!

هل نحن أمام علاقات عادية بين دولتين جارتين فعلا؟ أم علاقات دافئة كما صرح نتنياهو ذات مرة؟ أم أننا على وشك إعلان التوأمة بين النظامين؟ إذ نشرت شبكة رصد خبرا مفاده أن الجيش يهيئ الجنود والضباط في مصر لمرحلة جديدة عنوانها إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين مصر وإسرائيل دون طرف ثالث، كتلك التي جرت في عام 2017 بين مصر واليونان وإسرائيل.

التحول الذي جرى خلال العشرية السوداء التي بدأت بانقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 يدفع في اتجاه التفكير بشكل أعمق مما هو عليه الآن، لأن التطور في العلاقة بين الصهاينة، وهم العدو التاريخي للبلاد وللأمة العربية والمسلمة، يثير الشكوك والريبة بل قد يرتقي الأمر إلى درجة تتجاوز الشكوك وتستدعي التوقف للتحقق في الأمر قبل فوات الأوان.

عقد كامل من الزمان جرى خلاله تجريف الذاكرة المصرية عبر المسلسلات والأفلام والبرامج وتغيير المناهج من كل مظاهر العدوان الصهيوني علينا وعلى العرب والفلسطينيين، حتى وصلنا إلى مرحلة أن إسرائيل دولة صديقة وقفت معنا في الفترات الحرجة التي مرت بها، ولا يوجد أي سبب على الإطلاق لإشعال الصراع معها، ومن يفعل ذلك أو يشجع عليه يضر مصالح مصر أشد الضرر كما غردت الباحثة داليا زيادة يوم الاثنين (5 حزيران/ يونيو) دفاعا عن الصهاينة.

تعود العلاقة مع الكيان إلى عقود مضت وربما تندهش إذا قلت لك عزيزي القارئ إن جمال عبد الناصر ذات نفسه والذي عرف عنه أنه سيقاتل إسرائيل ومن وراء إسرائيل قد قال لعرفات حسب ما جاء في مذكرات المناضل الفلسطيني صلاح خلف أبو إياد في أول لقاء جمع بينهما في القاهرة: "ثم استطرد عبد الناصر يقول بلهجة ساخرة وهو يلتفت نحو ياسر عرفات: كم تظن أنه يلزمكم من السنين كي تدمروا الدولة الصهيونية وتبنوا دولة موحدة ديمقراطية على كامل فلسطين المحررة؟ وأخذ علينا ممارستنا السياسية غير الواقعية وقال إن دويلة في الضفة الغربية وقطاع غزة هي خير من لا شيء" (كتاب فلسطيني بلا هوية، ص 133).

لقد رأى الفلسطينيون وسمعوا الزعيم الكبير يسخر من فكرة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر والتي كانت شعار المرحلة على كافة الأصعدة، بل إن عبد الناصر كان يسعى وبشدة للتوصل إلى حل سلمي مع الإسرائيليين وكان يرغب في إتمام مبادرة روجرز، وإن تم تفسير ذلك بحجة تخفيف الضغط السياسي من أجل الاستعداد للمعركة الكبرى التي لم تتحقق في عصره بل بعد رحيله.

في 21 أيلول/ سبتمبر 2021، أي بعد عشر سنوات من ثورة يناير 2011 ومن خلال قناة "كان" الإسرائيلية، كُشف النقاب عن تصريحات لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو قال فيها إن لقاءاته السرية مع السيسي بدأت منذ عام 2011 وأنه التقى السيسي سرا ست مرات، لكن مصادر أخرى ترفع العدد إلى أكثر من ذلك، وربما الزيادة تعود إلى اللقاءات العلنية التي تمت لاحقا، وكان أول لقاء علني بينهما في شرم الشيخ 2017. وفي عام 2021 التقى الجنرال السيسي برئيس وزراء الكيان الصهيوني نفتالي بينيت في شرم الشيخ أيضا.

حين تم تسريب خبر لقاءات السيسي المتكررة مع نتنياهو سرا كان رد الجنرال السيسي أن أعلن عن صحة هذه اللقاءات والنقاشات في تصريح بالصوت والصورة؛ لم يُخفِ فيه الأمر ولم يعتذر عنه بل تحدث حديث المفاخر والمتباهي بفعل ذلك، وقال إنه تم التواصل مع الكيان الصهيوني من أجل التنسيق حتى لا تحدث أي عمليات داخل إسرائيل (لاحظ داخل إسرائيل وليس داخل مصر). ولم يقف الجنرال عند سرد الواقعة بل أردف قائلا: الحقيقة أنهم كانوا متفهمين"، أي الصهاينة.

في عام 2019 وفي لقائه مع برنامج ستون دقيقة على قناة سي بي اس الأمريكية،  وهو أشهر البرامج الحوارية في العالم ويعتمد على مقابلة الضيف وجها لوجه، وعادة ما يكون الضيف من مشاهير السياسة والمجتمع في العالم أو شخصية مثيرة للانتباه والجدل، أكد السيسي أن هناك تنسيقا أمنيا على أعلى مستوى مع إسرائيل، وكانت قنبلة كبيرة إذ جرى العرف ألا يتم الإعلان عن ذلك مراعاة للشارع المصري والعربي الذي يرى إسرائيل عدوا تجب مقاومته لا التنسيق معه.

وكما جاء في تقرير لوكالة رويترز للأخبار: "وردا على سؤال بشأن ما إذا كان تعاونه هو الأوثق والأعمق مع إسرائيل، أجاب السيسي: صحيح. وقال السيسي إن القوات الجوية تحتاج في بعض الأحيان للعبور إلى الجانب الإسرائيلي، وإن ذلك هو السبب في وجود تنسيق واسع مع الإسرائيليين".

البداية الحقيقية هي قيام الجنرال شخصيا بالتواصل مع الصهاينة مباشرة وباعترافه كما سبق بيانه، وذلك منذ كان نائبا لمدير المخابرات الحربية المصرية في 2008 أو 2009 على حد تصريحه. وبالتالي نحن نتحدث عن ضابط كبير بالجيش المصري جيء به وزيرا للدفاع ثم أصبح رئيسا بحكم الأمر الواقع بعد انقلاب يوليو 2013، وهذا يعتبر كنزا استراتيجيا جديدا للإسرائيليين على غرار المخلوع مبارك، والذي وصفه الوزير الصهيوني بنيامين أليعازر بـ"الكنز الاستراتيجي" بالنسبة لإسرائيل.

العلاقة السياسية والأمنية قديمة بين الجنرال والصهاينة، وهي ليست وليدة مرحلة التحضير للانقلاب بل باعترافه هو بدأت في عصر مبارك؛ المخزون الاستراتيجي للصهاينة، هل هذه إشارة إلى أن الجنرال أصبح البديل الاستراتيجي للصهاينة؟

يقول الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان كما جاء نقلا عن صحيفة معاريف الإسرائيلية، ّإن العلاقات بين إسرائيل والسيسي هي "كنز استراتيجي"، وأنه (أي السيسي) وفر على إسرائيل عمليات عسكرية كثيرة بعد قيامه بهدم الأنفاق ومنع تهريب السلاح، وتعهده بالصوت والصورة بعدم السماح بأن تشكل الأرض المصرية مصدر تهديد للجيران أو منطقة خلفية لهجمات ضد إسرائيل، في لقاء تلفزيوني مرة ومرة أخرى من فوق منبر الأمم المتحدة؛ حين دعا فيه إلى الحفاظ على أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي (أخطأ من شدة الفرح).

وقع العدوان الإسرائيلي على غزة في تموز/ يوليو 2014 أي بعد شهر من تولي السيسي السلطة، وكأنه اختبار أو تأكيد على دور السيسي في دعم الكيان الصهيوني في عدوانه على الفلسطينيين. وبعد شهر من العدوان، أي بعد شهرين من تولي السيسي السلطة، قدمت القناة العاشرة الإسرائيلية تقريرا جاء فيه أن المحادثات الهاتفية بين السيسي ونتنياهو كثيرة ولأوقات طويلة.

ولا يحتاج الأمر إلى بيان أكثر فموقف السيسي من الحرب على غزة في 2014 وما تلاها هو موقف المؤيد الصامت. ويكفي أن نعلم أن السيسي لم يصرح مرة واحدة بتصريح إيجابي يدعم فيه أهلنا في غزة، بل إن رئيس مخابراته عباس كامل وبعد الصمود الأسطوري للمقاومة وضربها العمق الإسرائيلي عام 2021، اضطر لزيارة غزة ولقاء يحيى السنوار، رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتعهد بالمساهمة في إعادة الإعمار (الأمر الذي لم يحدث) مقابل توقف المقاومة عن ضرب العمق الصهيوني.

وأعود مرة أخرى إلى مقولة الدكتور المسيري والتي نراها واقعا عمليا على الأرض منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، فالواقع يقول بأن الجنرال هو وكيل إسرائيل في مصر، وذلك ليس فقط من خلال دعم عدوانها على غزة ولا دعم تحركاتها في سيناء والتي رصدتها الصحف الأمريكية والإسرائيلية من خلال مئات الغارات على سيناء بحجة مقاومة الجماعات الإرهابية، وهي غارات وُصفت بأنها دليل على تطور علاقة إسرائيل بالعالم العربي، كما تم على يدي الجنرال إضعاف قوة مصر في كافة المجالات. وعوضا عن بناء دولة حديثة قام الجنرال بتخريب يبدو متعمدا لاقتصادها وثرواتها وعلى رأسها الثروة المائية (نهر النيل)، كما قام بتقزيم دورها السياسي في المنطقة العربية وأفريقيا وعلى مستوى المنظمات الدولية، بل إنه انحاز وصوّت لوصول إسرائيل إلى مقعد في إحدى منظمات الأمم المتحدة وهو ما لم تكن تحلم به دولة الكيان يوما ما.

بعد الانقلاب مباشرة وفي كانون الأول/ ديسمبر 2013 زار وفد من الكونجرس الأمريكي برئاسة النائبة ميشيل باكمان مصر، والتقى الوفد بالسيسي، وزير الدفاع آنذاك، وأعلنت باكمان في المؤتمر الصحفي أنها ضد الإخوان وأنها التقت بالسيسي الذي تعهد بتنقية الجيش من كافة أتباع الإخوان المسلمين، وقالت إنه يقوم بدور كبير في القضاء على الإخوان المسلمين، الجماعة التي وحسب وصفها "تمثل خطرا كبيرا حول العالم، ونحن نقف ضد هذا الشيطان الكبير. ونحن نتذكر من قتل رجالنا الشجعان في 11 سبتمبر 2003".

في ذات نفس المؤتمر قدم النائب ستيف كينج التهنئة للشعب المصري بحدوث الانقلاب، وقال إن أمريكا لا تؤيد الإخوان المسلمين ووعد بوقوف الشعب الأمريكي إلى جانب المصري في تحركه لنيل حريته!!

بعد ذلك وفي عام 2014 كانت النائبة ميشيل باكمان عضوا في مجموعة لدعم السيسي داخل الكونجرس، بعد الإعلان عن تجميد جزء من المعونات العسكرية الأمريكية منذ حدوث الانقلاب، وتشكلت المجموعة المسماة "تجمع من أجل مصر" من الديمقراطية لوريتا سانشيز والجمهوريين لوي جوميرت وستيف ستوكمان.
 
لن أحدثكم عن الزيارات الدورية أو شبه الدورية لليهود الأمريكيين ولقاءتهم الودية مع الجنرال السيسي، والتي أصبحت نوعا من الفلكلور الذي يقوم به اليهود وينتظره ويحتفي به السيسي سنويا.

وفي عام 2016 التقى السيسي وفدا يهوديا أمريكيا بعد لقاء سامح شكري وفدا يهوديا أمريكيا في واشنطن، وفي عام 2018 صرح المتحدث باسم الرئاسة، تعليقا على زيارة وفد المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي لمصر ولقاء السيسي بهم، بأن زيارة الوفد يأتي في إطار حرص مصر على نشر ثقافة السلام. 

حظي الجنرال بدعم صهيوني غير مسبوق، وكما ذكرتُ في مقال سابق، فقد تم التواصل مع إسرائيل للضغط على أمريكا من أجل قبول الجنرال رئيسا وتخفيف حدة رفضها للانقلاب، بل وعدم وصف ما جرى بالانقلاب حتى لا يتم عقاب الجنرال. وفي أيار/ مايو 2014 تدخل رئيس وزراء الكيان الأسبق إيهود باراك، الذي زار أمريكا وطلب منها أن تدعم ترشح السيسي رئيسا لمصر.

ولغة الجنرال وحديثه الركيك مع المصريين ولغة التخاطب كما لو كان من جنسية أخرى (أنتو يا مصريين، وأوعوا يا مصريين) كلها أمور قد توحي بأن علاقة الجنرال بالشعب المصري ليست كما هي علاقة أولاد البلد الحقيقيين مع شعوبهم، على غرار حتى ما كان في علاقة عبد الناصر والسادات وحتى ومبارك، وجميعهم لم يكونوا يستخدمون ضمير المخاطب بل ضمير الجمع (نحن، وليس أنتم أو انتو).

لو كانت لديك القدرة على الربط بين حديث الكيان الصهيوني عن خطر الإخوان المسلمين وحماس، وبين حديث السيسي المتكرر عن تحالفه مع الكيان الصهيوني في الحرب ضد حماس، فربما تقول على الفور إن هذا الجنرال وهذا الكيان يقتبسان من معين واحد..