تقارير

أين اختفت عالمة الآثار الفلسطينية يسرا؟!

يسرا (يسار) مع دوروثي جارود (يمين) في جبل الكرمل عام 1934، من أرشيف دوروثي جارود، متحف بيت ريفرز..

لا يعرف حتى اليوم اسم عائلتها أو اسمها الثاني فهي تعرف فقط باسمها الأول يسرا بينما الإرث الذي تركته يعد واحدا من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن الماضي.

المعلومات المعروفة عنها شحيحة رغم أنها عملت مع عالمة الآثار البريطانية دوروثي جارود في عمليات التنقيب في جبل الكرمل بين عامي 1929 و1935.

ويعود لها الفضل في اكتشاف "طابون1"، وهي جمجمة إنسان بدائي عمرها 120 ألف سنة تم العثور عليها في مغارة الطابون بالكرمل.

ويعتقد أن يسرا كانت إما من قرية إجزم أو قرية جبع، وكلتاهما من قرى مدينة حيفا. 

وكانت عالمة الآثار البريطانية جارود قد بدأت عام 1929 عملية التنقيب في المنطقة المحيطة بجبل الكرمل، وتبعا للعادة المتبعة في ما يتعلق بعمليات التنقيب، قامت جارود بتعيين عمال من القرى المحيطة بالمنطقة لتنفيذ الجزء الأكبر من العمل، وهؤلاء العمال لم يتم تدريبهم على أساليب علم الآثار لكنهم كانوا غالبا منقبين ماهرين.

وعينت جارود عددا كبيرا من النساء للعمل في عمليات التنقيب هذه، وكان عددهن يتفوق على عدد الرجال في الموقع، وعندما زارت عالمة الآثار الإنجليزية ماري كيتسون كلارك الموقع في الموسم الأول من التنقيب، فإنها لاحظت أخلاق العمل السائدة هناك حيث قام الرجال بالمهام الأقل شأنا، بينما قامت النساء بأعمال التنقيب والتسجيل، وكانت يسرا واحدة من بينهن.

 

                     نساء فلسطينيّات عاملات في فريق جارود

بقيت يسرا تعمل مع جارود طوال عمليات التنقيب في جبل الكرمل، وكانت تعمل في مواقع مهمة من عصور ما قبل التاريخ والتي سميت بأسماء محلية مثل: طابون والواد والسخول وشقبة وكبارة، في وادي النطوف. وأصبحت يسرا أكثر العاملات خبرة في فريق جارود، وتم تعيينها مراقبة للعمال. 

يبدو أن يسرا تميزت في العمل مع جارود إذ بقيت إلى جانبها لست سنوات بدءا من عام 1929، وتقول ملاحظات أرشيف التنقيب إن يسرا كانت أكثر النساء خبرة في طاقم دوروثي. وعملت يسرا في أوقات معينة إلى جانب جاكويتا هواكس، إحدى تلميذات جارود، والتي أصبحت عالمة آثار وكاتبة مرموقة لاحقا.

كانت إحدى مهام يسرا هي فحص التربة المستخرجة أثناء التنقيب للبحث عن القطع الأثرية فيها قبل إرسالها للتنخيل. وفي عام 1932، وأثناء العمل في مغارة الطابون، وجدت يسرا سنا تبين أنها جزء من جمجمة إنسان مجزأة ولكنها تقريبا كاملة الأجزاء. وعندما تم العثور على أجزائها كاملةً والقيام بتجميعها تبين أن الجمجمة، التي أُطلق عليها "طابون1"، تعود لإنسان بدائي هي أنثى إنسان نياندرتال وقد عاشت قبل 120 ألف سنة تقريبا، ووصفت هذا الاكتشاف بأنه من أهم الحفريات البشرية التي تم العثور عليها على الإطلاق. 

وفيما بعد تشاركت يسرا مع باحثة الآثار جاكويتا هاوكس طموحها للدراسة في جامعة نيونهام كامبريدج حيث درست جارود، لكن هذا الحلم لم يتحقق، ولم يعرف ماذا حدث ليسرا بعد انتهاء عمليات التنقيب في جبل الكرمل، حيث هجر سكان قريتي إجزم وجبع بعد أن دمرتها العصابات الصهيونية عام 1948.

ولم يعرف ماذا حل بها وبأهلها أثناء النكبة، ويبدو أن محاولات تقصي أثرها لم تأت بنتيجة وهي بحاجة إلى بحث عبر وسائل التاريخ الشفوي في الداخل والشتات. وكل ما يتوفر عنها من معلومات قليل جدا لا يكاد يذكر وهو مستمد من يوميات ماري كيتسون كلارك ومجموعات جاكويتا هواكس، إضافة إلى أوراق جارود التي أعادت جين تشالندر وباميلا سميث اكتشافها عام 1997، واللتان أرختا لنساء رائدات في علم الآثار عملن في مرحلة مبكرة في حقل علم الآثار، في وقت كان فيه العمل في هذا المجال الجديد مقصورا على الرجال.

 

                         موقع التنقيب في جبل الكرمل

وفي جميع ما نشر عنها فإنه تم طرح قصتها كمثال لامرأة لم يتم الاعتراف بمساهمتها الكبيرة في علوم الآثار في سنواته الأولى، وقد تم نسيانها إلى حد كبير منذ ذلك الوقت.

ونشرت صورة يسرا إلى جانب دوروثي جارود أثناء هذه الفترة، وهي تحمل طفلا على يديها بعمر السنة تقريبا، وقد تكون الصورة التي التقطت عام 1934 في بيتها حيث تجلس جارود على مقعد خشبي، في حين تجلس يسرا بزيها التقليدي على دكة خشبية إلى جانبها، وهي الصورة الوحيدة لها،  وليس واضحا ما إذا كان هذا الطفل الصغير هو ابنها، وتبدو امرأة ناضجة في أواسط عقد العشرينيات إلى بداية عقد الثلاثينيات من عمرها.

المصادر

ـ سليم أبو جيل، بحثا عن يسرا... الكرملية التي اكتشفت أنثى النياندرتال، نشرت ضمن ملف "الساحل الفلسطيني"، بالتعاون بين جمعية الثقافة العربية وفسحة – ثقافية فلسطينية ورمان الثقافية في إطار "مهرجان المدينة للثقافة والفنون" 2020.
ـ حمدان طه، يسرا الكرملية.. رائدة العمل الأثري النسوي في فلسطين، صحيفة الأيام الفلسطينية، 12/5/2018.
ـ اكتشاف المزيد من النساء في علم الآثار، مدونة غيرلز كان، 25/1/2017.
ـ سو تابلي، رواية قصة ثلاث نساء، مدونة آراء النساء في الأخبار، 19/12/2014.