ملفات وتقارير

هل تصمت القاهرة على حرق الاحتلال 20 جنديا مصريا عام 67

جنود إسرائيليون مع مجموعة من أسرى الجيش المصري خلال حرب 1967- أرشيفية
تكشفت جريمة إسرائيلية بشعة وقعت قبل 55 عاما بحق جنود صاعقة مصريين في أرض فلسطين، لتضاف إلى سلسلة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها العصابات الصهيونية وجيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المصريين والعرب والفلسطينيين، منذ مطلع القرن الماضي.

ووسط صمت مصري مطبق، أعلن الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان، الجمعة، عبر تويتر، عن اكتشاف مقبرة جماعية مدفون بها 20 جنديا مصريا من قوات الصاعقة من الكتيبة "33" التي كانت تشمل نحو 100 جندي.

وأكد أن القوات الإسرائيلية دفنت الجنود أحياء بعد حرقهم وسرقة متعلقاتهم بمنطقة اللطرون بالضفة الغربية خلال حرب 1967، حيث كانوا يتواجدون ضمن اتفاقية "دفاع مشترك" لمساندة جيش الأردن بالضفة التي كانت تابعة لحمايته، وقبل أن تحتلها إسرائيل بنفس العام.

وفي التفاصيل التي ذكرها مراسل موقع "واي نت" العبري، فإن مصر نشرت كتيبتين من الصاعقة بالضفة الغربية للسيطرة على اللد والمطارات العسكرية القريبة، فوقعت اشتباكات مع جنود الجيش الإسرائيلي وأعضاء كيبوتس نحشون الاستيطاني.

وأطلق الجيش الإسرائيلي قذائف هاون وأضرم النيران في الأحراض واستشهد 20 جنديا مصريا حرقا، ونقل المراسل عن القائد العسكري الإسرائيلي المشارك في تلك العملية، زين بلوخ (90 عاما) أن الإسرائيليين حفروا حفرة بجرافة ودفنوا جثث الجنود المصريين وغطوها بالتراب.

ووفق ما نقلته "هآرتس" عن مصدر مطلع فإن "رجال الوحدة المصرية ما زالوا مدفونين في المكان، ولم يقدم في يوم أي طلب لإخراج الجثامين وإعادتها إلى مصر"، معلقة بقولها إنه "حان وقت ذلك".

 

 


وتثير حالة الصمت الرسمية المصرية، التساؤلات، بعد تغريدة الصحفي الإسرائيلي والتي نقلتها صحف إسرائيلية ودولية ومصرية، وترجمتها "عربي21"، ففي الوقت الذي لم يُصدر فيه جيش الاحتلال تعقيبا فوريا؛ رفضت السفارة المصرية بتل أبيب، التعليق لـ"عربي21" بالوقت الحالي.

وطالب مصريون بكشف الحقيقة وتدخل السلطات المصرية لإزاحة الستار عن الجريمة التي يأتي الكشف عنها قبل أيام من زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية، ولقاء قادة المنطقة وبينهم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، في ظل حديث حول دور بايدن بتسليم مصر جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية باتفاق مع إسرائيل.

"جرائم مهينة"

وفي تعليقه أكد مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عبد الله الأشعل، أن "ثأر الجنود المصريين مسؤولية القوات المسلحة والشعب المصري"، داعيا لـ"الكشف عن بقية المآسي والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل"، مطالبا المصريين بوقف التطبيع مع الكيان المحتل.

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "أول خطوة بعلاقة مصر وإسرائيل كانت الزواج عبر اتفاقية السلام 1978 بعهد أنور السادات، حتى أصبح بينهما أبناء وأحفاد، بل إن التقارب وصل مرحلة تغيير جيش مصر عقيدته ولم تعد إسرائيل عدوا مع أنهم يعتبرون مصر العدو الأول".

ولفت الدبلوماسي المصري، إلى أنهم "يكشفون كل فترة عن جرائم مهينة لمصر، ويضمنون أن رد الفعل لا شيء، لأنه ما دام البيت الأبيض حامي الكرسي فإنه يأخذ حقه، وحقه هنا الخضوع التام لإسرائيل".

ويرى أنه "لذلك لا يُتوقع أن يخرج من لديه حمية وطنية ويغير هذه العقيدة، طالما أن القيادات يختارها الأسياد، وطالما لهم حسابات سرية، وتحت مراقبة الموساد ومحميين به، بعد أن تدخلت إسرائيل وأفسدت كل شيء في مصر بداية من عهد السادات ثم حسني مبارك كنزها الاستراتيجي".

ولفت الأشعل، إلى مطالبته عام 2010، عبر مقال بصحيفة "الأهرام" الحكومية، رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان، بالرد على تقرير رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية عاموس يدلين، بصحيفة "هآرتس"، وقوله حرفيا: "تمكنا من عام 1970 وحتى 2010 من اقتحام جميع مفاصل الدولة المصرية"، مؤكدا أنه لم يتلق ردا من أحد.

 ولهذا لا يتوقع السفير المصري السابق، أن ترد "السلطات المصرية في هذا العصر على إسرائيل، أو تدخل بمناكفة معها، مع أن إسرائيل دخلت مرحلة الكشف بقصد عن كل ما يهين جيش مصر وشعبها".

وانتقد اجتماع "قادة مصريين استشهد آباؤهم وأجدادهم بسيناء مع قاتليهم الإسرائيليين بمدينة شرم الشيخ، لأجل (ناتو عربي) ضد إيران"، مضيفا: "أتفهم وجود مواقف سياسية ولكن ما لا أتفهمه وجود تحالف عسكري بين جيش مصر وإسرائيل بل وتنسيق أمني، وما خفي أعظم".

وخلص الأشعل للقول إن "المقطوع به أن مصر دخلت دوامة شديدة داخليا وخارجيا، وإسرائيل هي السبب، بل تبحث عن إخفاء مصر من الخريطة وتدمير مجتمعها بكل الطرق، ولا تزال تعطي خطاب التوصية لدى البيت الأبيض لتعيين حكامها والحكام العرب بلا استثناء".

"خطوات عملية"

ودعا السياسي المصري إلى "تشكيل منتدى لمحاكمة الجناة بعد جمع الأدلة بدءا بفيلم (روح شاكيد) وغيره من الوثائق الإسرائيلية، بالإضافة إلى تشكيل فريق قانوني مصري لتقديم شكاوى إلى الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ورفع قضايا أمام المحاكم الوطنية والدولية".

كما طالب بتشكيل "لجنة تحقيق بنقابة المحامين المصرية لجمع الأدلة والتواصل مع السلطات المصرية لحصر الضحايا والاستماع إلى أسرهم"، داعيا "الحكومة المصرية لمساعدة اللجان المقترحة وتسهيل مهمتها".

"جريمة حرب"

وحول تصنيف القانون الدولي لمثل هذه الجرائم، قال الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير، إن "قتل الأسرى جريمة حرب طبقا للمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1998".

وعن المحكمة المختصة بهذا الآن، أكد الأكاديمي المصري، لـ"عربي21"، أن "تلك الجريمة تختص بها المحاكم المصرية طبقا للفقرة الأخيرة من الديباجة، والمادة الأولى من نظام روما، وهو مبدأ التكامل ومبدأ الاختصاص العالمي، أو يرفع الأمر للمحكمة الجنائية الدولية".

وعن العقوبات المقررة قانونا في هذه الحالة، واحتمالات استرداد الجثامين وطلب تعويضات من الكيان المحتل، أكد أبوالخير، أنه بالطبع "يجب استرداد تلك الجثامين، فوفقا للقانون الدولي لمصر الحق في استردادها، ومحاكمة القتلة، وطلب التعويض أيضا".

وعن توقعاته للطريقة المحتملة لتعامل مصر ونظامها إزاء تلك الجريمة، قال إن النظام "لن ولم يفعل شيئا، ولن يجرؤ على فتح هذا الموضوع مع الكيان المحتل".

وفي تعليقه، قال رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل: "حتى الآن هناك مشكلة في فهمنا لطبيعة المؤسسة العسكرية، فعموما المؤسسات العسكرية بكل مكان ترى نفسها بمكان متفرد في بنية النظام القانوني والسياسي لأي مجتمع".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ولم نشهد أي نظام عسكري في العالم بالعصر الحديث خرج عن هذه الفكرة، والأنظمة التي لا يحكمها العسكر هي الحل الوحيد للسيطرة على عقلية الضباط".

ضابط الجيش المصري السابق، أكد أننا "في مصر المشكلة أكثر تعقيدا؛ فضباط مصر ليسوا فقط يمتلكون إحساسا بالتفوق، ولكنهم يملكون السلطة بشكل مطلق، والمشكلة الأسوأ أنهم لا يبالون بالشعب ولا يعتبرونه شريكا لا في سلطة ولا في حقوق".

ولفت إلى أن "هذا قديم للغاية؛ ففي الهزيمة الكارثية عام 1967، مات الجنود جوعا وعطشا وقنصا ولم تكن هناك أزمة، والمقابر الجماعية لم يتوقف اكتشافها منذ الهزيمة ومع ذلك لم يتحرك أحد على مر كل الحكام العسكريين".

وقال إن "الجنود لا ثمن لهم إطلاقا، والصهاينة يدركون ذلك تماما ويتعاملون مع العسكر والشعب بنفس هذا المنطق؛ وكما ذكرت على مر العصور لم يتحرك الجيش المصري أبدا في مثل هذه الأمور".

في نهاية حديثه، توقع عادل، أنه "لن يفعل شيئا، وأكرر أن الأزمة ليست في السيسي أو غيره؛ الأزمة بنيوية في علاقة الجيش بالشعب وعلاقة الجيش بالصهاينة".