ملفات وتقارير

كيف سرق الاحتلال التمور العربية لزراعتها في المستوطنات وكيف يُسوقها عالميا؟

يتميز "المجهول" بمذاق حلو وحبته مُجعَّدة كبيرة خالية من الهواء ولونها يشبه الشوكولاتة- جيتي
يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تسويق منتجاته من التمور، خاصة نوع تمور "المجهول أو المجدول"، في الدول العربية وعالميا من خلال إخفاء أو تمويه مكان إنتاجها، بهدف الانتشار الأوسع ومنع مقاطعتها، سواء على خلفية رفض المنتجات الإسرائيلية أو حتى رفض منتجات المستوطنات غير الشرعية بموجب القانون الدولي.

ويدعي الاحتلال أنه المصدر الرئيسي لتمر المجهول، الذي يزداد الطلب عليه خلال شهر رمضان المبارك وهو الأكثر شعبية عالميا، وفقا لأرقام نُشرت عام 2016 عما يُسمَّى "مكتب التمور" التابع لمجلس إنتاج وتسويق النباتات الإسرائيلية.

وقال المكتب إن "إسرائيل" تُنتج نحو 75 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي من تمور المجهول، وإنه حقق عوائد قياسية لدولة الاحتلال بفضل الكمية الوفيرة التي تُنتجها كل نخلة من هذا النوع.


ويتميز "المجهول" بمذاق حلو، وحبَّته سوداء مجعدة خالية من الهواء، ولونها يشبه الشوكولاتة، ولا تحتوي على الكثير من الألياف.

كيف وصل "إسرائيل"؟
عملت الحركة الصهيونية على تعزيز مزاعم أن فلسطين كانت تقريبًا خالية من التمور، باعتبار أنها أرض بلا شعب بحسب تصريح بلفور، وبدأت في عام 1924 بزرع النخيل في مستوطنات طبريا ونهلال ودجانيا وعين حرود، من أصنافٍ مصرية جلبها رئيس بعثة الاستيطان التابعة للهستدروت الصهيونية يوسيف فيتس.

ومنذ ذلك الوقت جرى العمل على جلب أنواع مختلفة من التمور العربية إلى فلسطين المحتلة، وأكثرها كان عن طريق التهريب والسرقة، نظرا لأن الدول في تلك الفترة حافظت على التمور باعتبارها منتجا وطنيا ومركبا هاما في الاقتصاد المحلي.


وطوال هذه السنوات جرى في البداية تهريب بـ 4 فسائل نخل نادرة من جنوب العراق، ثم تم تهريب 700 فسيلة نخل من النوع ذاته بمساعدة يهودي محلي عبر الحدود العراقية الإيرانية، ونقلها بواسطة أربع شاحنات، إلا أن إحدى هذه الشاحنات احترقت في الطريق ولم تصل، بحسب ما ذكر موقع "جيلي حاسكين" الإسرائيلي.

ويتواجد إنتاج هذه الفسائل في الوقت الحالي على طول غور الأردن حتى البحر الميت، بينما بعد ذلك بسنوات وتحديدا في عام 1934، جرى تهريب 50 فسيلة نخل “بري” تنتج ما يُعرف باسم “التمر الأصفر”.

وبعد ذلك جرى جلب 7000 فسيلة تمر من نوع حياني باستخدام الجمال من منطقة العريش في مصر، وبعد أحداث حرب النكبة بعام، وصلت 800 شتلة نخل عبر جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين، ومنها كانت فسائل تمر المجهول من المغرب وكاليفورنيا الأمريكية. 

وبأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، دافيد بن غريون، جرى شراء سفينة إيطالية، وتم بعدها تهريب 75 ألف فسيلة تمر من إيران.

وهو ما اعترف به الاحتلال بشكل علني عبر صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" على منصة "فيسبوك" وهي التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية.

وجاء في المنشور التأكيد على استقدام 9 أنواع من التمور إلى "إسرائيل"  وهي تمر العمري والحياني من مصر، وتمر الزهدي والحلاوي والخضراوي والديري والبرحي من العراق، والمجهول من المغرب، ودقلة النور من تونس.



أرقام عن المجهول
جاء في تقرير لصحيفة "ذا ماركر" وهي الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس" أنه من بين الاستهلاك العالمي لحوالي 40 ألف طن من تمور المجهول، يحصد المزارعون الإسرائيليون حوالي 30 ألف طن.
وأضافت أن ذلك يعني أن "إسرائيل" تسيطر على حوالي 75 بالمئة من السوق العالمية للتمور من نوع المجهول، وبحسب مصادر إسرائيلية أخرى فإن النسبة تصل إلى 65 بالمئة.

ويبلغ حجم السوق العالمية لكافة أنواع التمور مجتمعة نحو 8 ملايين طن، ويزرع في "إسرائيل" 40 ألف طن، 80 منها من صنف المجهول والذي نشأ في المغرب.

وأقر التقرير أيضا أن زراعة التمور في "إسرائيل" تتضمن أيضا أصنافا أخرى بكميات صغيرة نسبيا، مثل "نور ديكل" الذي أصله تونسي، والحلاوي الذي جاء من العراق، والعمري من مصر، والحضراوي الذي يتميز بلونه البني الشوكولاتي، والزاهيدي الأصفر.


تبييض التمور
الغسيل أو التبييض هو مصطلح يشير إلى محاولات إضفاء شرعية قانونية على أفعال أو ممارسة غير قانونية أو تتنافى مع الحقيقة، بهدف تشريعها أو تحسين صورة من يرتكبها، ويرتبط هذا المصطلح بممارسات الاحتلال المختلفة مثل الغسيل الفني والرياضي والوردي، أو حتى محاولات إضفاء الشرعية من خلال الدعاية المضللة.

ويتم تبييض التمور من خلال قيام جهات إسرائيلية وحتى فلسطينية وعربية وإقليمية، بإعادة تسويق منتجات الاحتلال من التمور، تحت أسماء عربية أو فلسطينية، أو "باركود" لشركات يسمح لها بالبيع في الدول العربية وداخل فلسطين. 


تتمثل المواجهة في تهريب تمور من المستوطنات إلى أسواق الضفة الغربية، وتغليفها وبيعها بأسماء عربية تخدع المستهلك الفلسطيني والعربي على أنها من إنتاج مزارع وشركات فلسطينية.

ويتم ذلك عبر سلسلة حلقات بدءا من شركات إسرائيلية مرورًا بتجار وشركات فلسطينية، مستغلة ضعف رقابة السلطة الفلسطينية ووزارتي الزراعة والاقتصاد والضابطة الجمركية، رغم وجود قانون يجرّم التعامل مع المستوطنات بأشكاله كافة. 

كيف يتم التبييض؟
كشف مدير الضغط والمناصرة في اتحاد لجان العمل الزراعي، مؤيد بشارات، أن عملية التبييض تبدأ بـ "تحالف الاحتلال مع قليلي الضمير سواء داخليا في فلسطين أو خارجها وشركات أخرى".

وأضاف بشارات أن الاحتلال ينتج كمية من التمور تكون مغلفة في "بلاستيك" بدون غطاء أو شعار توضيحي لاسم الشركة أو مكان إنتاجها، وتكون عملية التبييض بوضع اسم عربي على هذا الغطاء مع شفرة "باركود" تسمح بدخوله إلى الدول العربية والإسلامية، ومثال ذلك "تمر المجهول التونسي"، رغم أن تونس لا تنتج أصلا هذا الصنف، بحسب ما كشف في حديثه لـ "بودكاست تقارب".

وشرح أن الاحتلال لا يستخدم هذا المغلف أكثر من مرة لكل سنة إنتاج، ويتم تغيير هذه الأغلفة وأسماء شركتها بشكل دوري، بهدف تجنب حملات المقاطعة، ويعمل بذات الوقت على إفشال كل حركات التصدير التي تتم عن طريقه أو بعلمه بحكم سيطرته على المعابر. 

من يستفيد من تبييض التمور؟
أشار بشارات إلى أن بعض ضعاف النفوس، وبدون تعميم، يعملون على بناء استثماراتهم في قطاع النخيل على ممارسة تبييض التمور، مضيفًا أن هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون تحقيق الربح منذ تأسيس أعمالهم إلا من خلال ممارسة التبييض.

وبيّن أن ذلك يعود إلى غلاء أسعار مدخلات الإنتاج والأسمدة والمبيدات، وأن "سوسة النخيل تحتاج إلى علاج مكثف"، هذا إضافة إلى بيوت التعبئة والثلاجات ورافعات شوكية لقطف التمور، والعمالة الكبيرة من أجل موسم القطف.

وذكر أن كل هذه العوامل عندما يتم إعداد جدوى اقتصادية لها، لا يمكن بيع الكيلوغرام من التمر في السوق المحلي بـ 15 أو 20 شيكلا (من 4 إلى 5 دولارات)، إذا كانت كل عملية الإنتاج فلسطينية.



وشدد على أن 99 بالمئة من هذه التمور هي منتجة في 38 مستوطنة إسرائيلية محتلة منذ عام 1967، وأن هذه المستوطنات تتضمن أربعة ملايين شجرة نخيل، تستهلك كميات محددة من المياه وتشغل عددا معينا من العمال، مؤكدا أنه يجب كشف كافة تفاصيل هذا الجانب.

متى بدأت القصة؟
عام 2014، كشف تحقيق لتلفزيون "وطن" وشبكة "أريج" عن إغراق السوق الفلسطيني، بمنتجات تمور مستوطنات رديئة، تحت أسماء شركات وهمية لا وجود لها على الأرض أو في بيانات وزارة الاقتصاد.

وكشف التحقيق حينها أن هذه التمور تغطى "بشكل قانوني"، وتمنح وزارة الزراعة الفلسطينية المزارعين تقديرات وهمية أكبر من الكمية الحقيقية للمنتج، وأنه "من الممكن أن تمنحني الوزارة تقدير 20 طن تمر، ويكون إنتاجي الحقيقي 15 طنا، ثم يأتي تاجر لشراء 15 طنا لكن بترخيص 20 طنا، حسب تقديرات وزارة الزراعة. ثم يدخل خمسة أطنان إلى السوق الفلسطيني بشهادة فلسطينية تحتسب ضم سجل المنتج لدى الوزارة". 



أمّا في عام 2019، كشف تحقيق مشترك لائتلاف "أمان" وتلفزيون وطن، عن تواطؤ متنفذين في السلطة الفلسطينية في إصدار شهادات المنشأ، وضعف الإجراءات الميدانية للتصدي لهذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.

ما عقوبة التبييض؟ 
أكدت جمعية حماية المستهلك الفلسطيني أن تبييض التمور والمنتجات الزراعية للمستوطنات جريمة اقتصادية كبرى ترقى إلى تهمة الخيانة العظمى، وتخضع لقانون حظر ومكافحة بضائع وخدمات المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين العرب المحتلة عام 1967.

وأشارت إلى أن هذه جريمة اقتصادية كبرى لأنها ترتكز على تزوير الحقيقة والتلاعب والغش وخداع المستهلك، من خلال انتهاك حقه في المعرفة والاختيار، إضافة لممارسة التضليل على المستهلك.


وأضافت أن جريمة التبييض تساهم في مد المستوطنات بشريان الحياة وفيها تشريع لجريمة الاحتلال في اغتصاب أرضنا الفلسطينية المحتلة. 

ويعاقب القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، ولا تزيد على خمس سنوات، مع غرامة مالية، أو إحدى هاتين العقوبتين، لكل من تداول منتجات المستوطنات، وكل من شارك أو أسهم في تداولها أو ورد سلعة أو خدمة للمستوطنات، بحسب نص رقم 4 لسنة 2010 والمتعلق بحظر ومكافحة منتجات المستوطنات. 

جهود المقاطعة 
أقامت حركة سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، المعروفة اختصارا باسم "BDS" شراكة مع تطبيق "بويكات - Boycat" الذي يعمل على تزويد المستخدمين بأسماء المنتجات التي يجب مقاطعتها ومنها التمور الإسرائيلية مع تقديم البدائل.

ويعمل التطبيق أيضا على مسح رموز المنتجات المختلفة من أجل الكشف عن مصدر إنتاجها الحقيقي وهل هي مدرجة على قوائم المقاطعة أم لا.

ونظم المغرب منذ عام 2015 حملات شعبية تقودها حركة المقاطعة، لتشجيع مقاطعة التمور الإسرائيلية في الأسواق المغربية عبر صفقات سرية قادها بعض التجار.

وقالت الحركة في تصريحات صحفية عام 2016، إن حملتها حققت نجاحات على الأرض بعد انضمام عدة منظمات مجتمع مدني مغربية للحشد لها، وأن الطلب على التمور إسرائيلية المنشأ قد تراجع في الأسواق.

وفي بريطانيا تطلق منظمة "أصدقاء الأقصى" منذ سنوات حملات تحت عنوان "تفقد الملصق - Check The Label"، والتي تحث أفراد الجالية المسلمة والمواطنين على تفقد الرموز التجارية الخاصة بمنتجات التمور، التي توضّح مصدرها، ومقاطعة الإسرائيلية منها.


وفي الولايات المتحدة، تقود منظمة "مسلمون أمريكيون من أجل فلسطين" حملات سنوية لإدراج الشركات الاستيطانية الإسرائيلية في قوائم للمقاطعة.


وتقود حركة المقاطعة في كندا حملات مماثلة للتعريف بجرائم المستوطنات والدعوة لمقاطعة التمور التي يرتفع الطلب عليها في أوساط الجالية المسلمة في شهر رمضان المبارك.