رأى تقدير استراتيجي أصدره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أن السلطة الفلسطينية بسياساتها الراهنة تمثل عقبة كُبرى أمام تطوّر الهبّات في الضفة الغربية، ليس فقط بسبب سياساتها الأمنية، بل بسبب مجمل بنيتها وما نتج عنها من سياسات اقتصادية واجتماعية، تسهم في تحييد الجماهير عن القيام بواجبها النضالي.
وأوضح التقدير الاستراتيجي الذي أعده الباحث الفلسطيني ساري عرابي، أن قيادة السلطة الراهنة لا تبدو في وارد الدفع نحو مواجهة جديّة مع الاحتلال، ولو كانت محسوبة للغاية، ويمكنها أن توفّر لها أدوات ضغط ومناورة سياسية، تُحسّن من موقعها السياسي في سياق وطني مقبول.
أما فيما يتعلق بالفصائل الفلسطينية، فيشير التقدير إلى ضعف في الجاهزية التنظيمية، التي انعكست على مستوى الحضور التنظيمي في الهبّات المتجدّدة في الضفة الغربية بما فيها القدس، وذلك بالرغم من بعض المحاولات التي أسهمت في إذكاء الحالة، أو التي جرى ضربها وتفكيكها سريعا.
وفيما يخص المجتمع الفلسطيني، يشير التقدير إلى أنه لا يمكن إنكار أثر سياسات "الهندسة الاجتماعية" التي مورست على الفلسطينيين خلال السنوات الماضية، وما نجم عن عمليات التجريف والتفكيك وتفريغ الساحة من منابر التعبئة والتأطير، كما أنه لا ينبغي إنكار ضعف مشاريع تعزيز صمود أهل الميدان، بما يعوّض المقاومة عن عمليات استنزاف كوادرها. ويضيف في السياق نفسه، أنّ عمليات الرباط في الأقصى، وخصوصا في أوقات الاقتحام الصهيوني، وهي غالبا أوقات الضحى، تحتاج تفريغا ورعاية لضمان رباط دائم، وتحصيل الجاهزية الدائمة اللازمة لأي شكل من أشكال النضال المنظم الثابت.
وقدم التقدير قراءة علمية في مجريات الحالة الكفاحية في الضفة الغربية وخصوصا القدس، باعتبارها حلقة من سلسلة متجدّدة من الهبّات، منذ "هبّة القدس" في تشرين الأول/ أكتوبر 2015.
وأشار إلى أنه نظرا لتزامن شهر رمضان لهذا العام مع الأعياد اليهودية، بدأ الاحتلال الإسرائيلي مبكرا استعداده لاحتمالات التصعيد، وذلك انطلاقا من حرصه على تكريس الوقائع الاستعمارية في القدس عموما، وعلى نحو أخصّ في البلدة القديمة وفي المسجد الأقصى، من خلال تطبيع الاقتحامات اليومية وتطبيع الاقتحامات في أثناء المناسبات الإسلامية.
وضمن سياسة الاحتلال في التحايل على إنجازات الفلسطينيين، والعودة لاستئناف السياسات الاستعمارية بعد امتصاص الصدمة أو استيعاب الهبّة الفلسطينية، لم يكن الاحتلال ليتراجع عمّا أنجزه من قبل، وهو ما كان يعني عودته في رمضان هذه السنة للدفع نحو الاقتحامات، بعد أن نجح المرابطون المعتكفون في صدّ اقتحام أيار/ مايو 2021 الذي وافق 28 رمضان 1442هـ، في سياق سلسلة أحداث، تطوّرت فيما عُرِف فلسطينيّا بـ"معركة سيف القدس".
ويعالج التقدير السيناريوهات الثلاثة التي كانت متوقعة قبل الوصول لوقت الحدث، والتي تراوحت بين التصعيد الواسع، والتصعيد المحدود المتدحرج الذي لا يتوقف عند أحداث المسجد الأقصى، غير أنّ التقدير لم يرجح أيا من هذين السيناريوهين لاعتبارات متصلة بالعوامل المؤثرة عليهما، كموقف السلطة الفلسطينية المناوئ لفكرة المواجهة وضعف البنى التنظيمية لفصائل المقاومة، بالإضافة إلى ثقل حسابات المقاومة في غزة من جهة الظرف الإقليمي والدولي.
أما السيناريو الذي كان مرجحا، فهو التصعيد العابر الذي ينحسر بانحسار الحدث، وذلك لافتقاد الحدث للشروط الموضوعية للتصاعد؛ ونظرا للاستعداد الجيد متعدد المستويات للاحتلال الذي سبق أحداث المسجد الأقصى.
والذي ظهر، حتى انتهاء الفترة الحرجة (15 نيسان/ أبريل إلى 22 نيسان/ أبريل)، أن الأحداث لم تبلغ درجة الهبّات السابقة، لا موضعيا في القدس ولا على مستوى الضفة أو على مستويات أعم في فلسطين، كما أنّها كانت دون الحالة التي شكّلتها سلسلة العمليات التي تكثّفت في شهر آذار/ مارس، ومطلع نيسان/ أبريل 2022.
وقد ناقش التقدير السيناريوهات الثلاثة من خلال دراسة عناصر التثوير التي كان من شأنها أن تدفع نحو التصعيد، بالإضافة لوسائل الاحتلال وأدواته قي احتواء التصعيد قبل حصوله، وعالج التقدير مشكلات هذه السيناريوهات الثلاثة، مقترِحا سيناريو رابعا، يلحظ حالة كفاحية موجودة بالفعل، تتكيّف مع مجمل الظروف المركّبة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في الضفة. وتعاني هذه الحالة الكفاحية من ضعف واضح ناجم عن افتقارها للجاهزية التنظيمية، مما يجعل تصاعدها مرهونا بعوامل يصعب رصدها، كظروف التثوير المتعلقة ببعض ملفات القدس والمسجد الأقصى، أو العمليات ذاتية الدافع، أو النجاحات المحدودة لبعض الظواهر التنظيمية، أو المفاجآت التي من شأنها أن تدفع الحالة الكفاحية نحو مرحلة جديدة.
وأشار التقدير إلى أنه لا يمكن في كل الأحوال إغفال احتمالات تدحرج مواجهة قد تطرأ مع المقاومة في قطاع غزة، أو مع الجبهة الشمالية، وبما يمكن أن يتحوّل إلى رافعة لساحة الضفة وتحديدا القدس، إلا أنّ التركيز يبرز ابتداء من هذه الساحة الضفة والقدس، بوصفها الساحة الأكثر قدرة وقابلية لاستيعاب مقاومة شعبية متعددة الأدوات وتنظيمها وتطويرها، قادرة على الاستمرار النسبي، دون استنزاف ضخم للبيئة الاجتماعية، بخلاف الحال في قطاع غزة الذي انحصرت مقاومته نسبيا بالمقاومة المسلحة شبه النظامية المرتبطة بسلطة محلّية داخل القطاع، مما يحوّل مواجهتها مع الاحتلال إلى حروب لا تحتمل البيئة الاجتماعية والجغرافيا السياسية لقطاع غزة استمرارها لفترات طويلة، أو تجدّدها في فترات قريبة.
اقرأ أيضا: مئات آلاف الفلسطينيين يصلون الجمعة الأخيرة بالأقصى (شاهد)
حشود غفيرة تصلي الجمعة الأخيرة في المسجد الأقصى (شاهد)
"المؤتمر العربي" يدعو لإسقاط التطبيع والاعتراف بالاحتلال
كنيس يهودي بشيكاغو يعلن نفسه "معاديا للصهيونية"