قضايا وآراء

هل سيعود مجلس الرئاسة اليمني إلى عدن؟ ومتى؟

1300x600

لطالما حشرت السعودية نفسها ومؤخرا مع الإمارات للتدخل الفج في اليمن منذ عقود مضت بدءا من موقفها من عصر الجمهورية والوحدة واحتمالات تحول اليمن إلى بلد ديمقراطي على حدودها.. ناهيك عن مسوغات نهضته وما تحتويه اليمن من خيرات وثروات معدنية وزراعية وبحار وسياحة وتاريخ عريق.

لذا فقد كانت سياسة الإقليم منذ عقود، أي منذ تأسيس هذا الكيان في الجزيرة العربية، وما من اتفاق يمني فاشل لاسيما في العقد الأخير إلا وفيه لولب سعودي.

ومن تلك الإتفاقات المبادرة الخليجية مرورا بما سمي "اتفاق الرياض" مع المجلس الانتقالي الذي شرعن للانقلاب المستنسخ في عدن بدلا من طي صفحة الانقلاب الأساسي في صنعاء.

هناك جملة تحديات للمجلس الجديد أبرزها تحدي المسألة الدستورية، وتحدي الشرعية الشعبية، شرعية الإنجاز.

أما فرص نجاح هذا التحول فبداهة تعتمد على جانبين: نوايا الفاعلين في المشهد اليمني سواء من أطراف الحرب أو من التحالف نفسه والعبرة بالنتائج.. وهذه التساؤلات سيجيب عنها المستقبل القريب وهي بضعة أسابيع فقط.

حيرة القوى اليمنية المرتهنة والعميلة ومن ورائها التحالف بجناحيه السعودية والإمارات، هي البحث عن مخرج سياسي في تسوية شاملة تخرج التحالف من مأزق ومستنقع الحرب في اليمن متوازيا مع حلول ومخرج قانوني في قيادة الدولة الصف الأول الرئيس ونائبه والحكومة والبرلمان ودور هذه المؤسسات الدستورية في سيناريو الحلول المفترضة.

بمعنى ليست هذه التحولات رغبة حقيقية من التحالف لإنهاء حرب اليمن وبالصيغة التي ترضي الرأي العام وترد لليمن الاعتبار والكرامة وتعويض سنوات من الدمار والتنكيل المزدوج بين العدوان الخارجي والعدوان المحلي.

وفق كل هذه المسوغات تساؤل كبير يفرض نفسه.. شرعية هادي إلى أين واستمراره غدا محصور فقط في خدمة أجندة إقليمية ولمصلحة للتحالف ولتجذِر انقلاب صنعاء وعدن.

وحتى نقف عند مسوغات احتمالات الفشل والذي قد يكون للأسف قريبا نسرد بضعة أسئلة تدور في ذهن المراقب والراصد للمشهد اليمني مفادها التالي :

هل سيعود المجلس الرئاسي لعدن؟ ومتى؟

وهل هي بداية لوضع نهاية للحرب عبر التفاوض مع الحوثيين الذين رفضوا الإعتراف بالمجلس؟ أم لحسم المعركة معهم؟

وهل سيظل خيار الحل العسكري الوحيد تماما كما ترى السعودية وتحالف العجز رغم أن الحوثي لم يلتزم بالهدنة ويقصف مأرب مجدداً بالصواريخ؟

ولأن الشيء بالشيء يذكر وقياسا على تجربة هرولة العرب نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني ومحاولة استجداء السلام والتفاوض من الحوثي يشبه استجداء العرب سلاما مع إسرائيل، هل ستصدر لوائح تفصيلية تحدد صلاحيات المجلس وتنظيم العمل به ودور كل عضو وحدود ممارسة الصلاحيات؟

 

حيرة القوى اليمنية المرتهنة والعميلة ومن ورائها التحالف بجناحيه السعودية والإمارات، هي البحث عن مخرج سياسي في تسوية شاملة تخرج التحالف من مأزق ومستنقع الحرب في اليمن متوازيا مع حلول ومخرج قانوني في قيادة الدولة الصف الأول الرئيس ونائبه والحكومة والبرلمان ودور هذه المؤسسات الدستورية في سيناريو الحلول المفترضة.

 



وهل ستلغى المسميات السياسية: المجلس الانتقالي، الجيش الممول خارجيا من الإمارات، ومسمى المقاومة الوطنية فيما يسمى بالساحل الغربي، وجيش طارق الجرار الذي يأتمر بتوجيهات خارجية؟

هل سيقضى على المناطقية الفجة والعنصرية الطائفية السلالية أم سيستمر استجداء السلام منها؟

وإجمالا وفي هذا السياق إذا كان هادي مشكوكا في شرعيته أصلا منذ ما قبل الحرب وطيلة سنوات الحرب سواء بحكم المدة الدستورية والتي يفترض أنها قد انتهت قبل سنوات وبقاء هادي وشرعيته فقط لشرعية الحرب على اليمن.

وبغيابه لأكثر من سبع سنوات وبلده في حالة حرب، وفي هذه الحال ماذا يسمى المجلس الحالي ورؤوس وقادة الميلشيات الذين أصبحوا أقوى من الدولة المركزية التي لم تعد إلا نظريا في أدبيات الأحزاب والدستور شبه المجمد؟

وإثر ثورة شعبية اندلعت ضده في 11 شباط (فبراير) 2011، قذفت الأقدار بهادي كرئيس توافقي أصر عليه الرئيس السابق (علي عبدالله صالح) فقد كان بإيعاز وإسناد دول الجوار وبطريقة مشابهة تمت تنحيته والتخلص من شرعيته التي غدت عبئا على التحالف، وإنهاء صفة الاغتراب التي ظلت تلازم الحكومات المتعاقبة منذ انقلاب الحوثيين على السلطة. كما أن إنهاء الصراع إما من خلال مفاوضات جدية أو عملية عسكرية تضغط باتجاه الحل السياسي يمثل هدفاً ثالثًا "بناء جيش بعيدا عن الولاءات".

 لكن أول تصريحات لرئيس المجلس الرئاسي اليمني، كانت "انتهاء الحرب". وبهذه الصيغة المعد لها سلفا يعد امتدادا لسلسلة التآمر ضد اليمن منذ اندلاع ثورة الشباب ثم تطورات عند ما أسقطت صنعاء بضوء أخضر عربي كما صرح صراحة محمد عبدالسلام الناطق الرسمي لجماعة الحوثي بأن دول الإقليم كانت تدرك نوايا الحركة الحوثية بل وسهلت لهم ذلك.

وعليه وبمجرد انتهاء هذه الحرب والغارات ودور التحالف بداهة معطيات واقع الحال تشير لمعطيات بأن حربا ستلد أخرى.

 ولكن هذه المرة لن تكون بمفردة "العدوان" التي بررت لكل من الحوثي والتحالف تحقيق أهدافهم .. وأعطت مسوغا للحوثي لمقارعة هذه العدوان.. وتجذر كلغم في مستقبل اليمن في كل مفاصل الدولة، من جيش وأمن وقضاء وتربية وحتى أوقاف، ونحو ذلك.

وكل ذلك لم يحدث لولا وجود تواطؤ دولي وإقليمي سواء على إبقاء الحوثي بأي مستوى مشاركة أو بفرض شراكة الدولة العميقة لـ "صالح" قبل سقوط صنعاء وبعدها وخلال بدايات الحرب.

مع ان الحوثي نفسه أصبح يؤسس لدولة عميقة خاصة به، تؤسس على أنقاض الدولة العميقة التي تكونت وتقولبت لنحو أربعة عقود مضت .

ورغم هذا فأمريكا ليست على كل شيء قدير ودولتي الإقليم من باب أولى لن تفرض لليمن حلولا جاهزة.. وإن تمت فالحوثي بداهة ليس اليمن ولا يعبر عن سيادة اليمن وسيطرة الهضبة وأزال (شمال اليمن) تحديدا. كما أنه ليس كل اليمن، وسلطة الأمر الواقع في صنعاء لا تعكس حلم اليمنيين بالدولة المدنية التي دأب من أجلها الأجيال لنحو مئة عام مضت.

بعد نسف الشرعية الركيكة لن يكون هناك مرجعيات ثلاث نحتكم لها وصدعت رؤوسنا لتكرارها وغدت مجرد قيم افتراضية ليس إلا.. بل سنبدأ من الصفر بفرض أمر واقع لا مفر منه وهنا تبدأ جدلية المأساة الأبدية ولعنة الحوثي وحليفه الرئيس السابق تلاحقنا لعقود قادمة.

وبداهة فالشرعية كشعار فضفاض لا تكفي لخلق صورة إيجابية عن محاسن الشرعية المفترضة فهي لا تؤمن خائفا ولا تطعم جائعا ولا تكسي عاريا بل إنها وعلى النحو الذي سارت طيلة الحرب قوِة من شوكة الطرف الآخر، والشرعية على هذا النحو ليس مرحباً بها بأي حال من الأحوال إلا من قبل الانتهازيين والوصوليين.

*كاتب يمني وسفير في وزارة الخارجية