عشر سنوات مرت على ثورة 25 يناير، وللأسف حتى الآن لم تقم جهة علمية، أو جهة تاريخية بكتابة تاريخ ثورة يناير، هناك محاولات فردية لكتابات تعبر عن رؤية الكاتب، ككتاب وائل غنيم، وكتاب عبدالرحمن يوسف، وكتب أخرى لأفراد شاركوا في ثورة يناير، أو شاهدوها، سواء لمصريين، أم عرب، أم أجانب، لكن عددا ممن كتبوا عن يناير انقلبوا على أعقابهم في موقفهم منها، فأصبحت كتاباتهم موضع ريبة وشك، فقد تحولوا من الثورة إلى الثورة المضادة!
ولا أعلم مركزا علميا قام بتناول تاريخ ثورة يناير، إلا ـ فيما أعلم ـ المركز العربي للأبحاث بالدوحة، في كتاب قام بتحريره وكتابته د. عزمي بشارة، بناء على شهادات لعدد ممن شاركوا في ثورة يناير.
وللأسف نحن نكرر أخطاء الإخوان في تعاملهم مع تاريخهم، فقد ظل الإخوان سنوات بعد وفاة عبد الناصر، لا يكتبون تاريخهم، بحجة السجون والمحنة، ثم بعد ذلك قام أفراد بكتابة ما تيسر لهم من الأحداث، مما جعل تاريخ الإخوان معروضا من خصومهم وأعدائهم فقط، وقليل من المنصفين من تناول، وظلت روايات من سجنوهم وعذبوهم هي الموجودة، وعلى رأسهم: كتب محكمة الشعب، التي كانت تؤخذ أقوال الناس بعد التعذيب، وهي رواية النظام العسكري وقتها، ثم بعد ذلك كتب بكل بجاحة أحد من كان يقوم بتعذيبهم، وكان يلقب بـ: ملك التعذيب، وهو اللواء فؤاد علام، فكتب: (أنا والإخوان).
والآن يقوم النظام الانقلابي في مصر بنفس الأمر، فهو يكتب التاريخ الذي يدرس لأبناء مصر في المدارس، ويترك وسائل إعلامه تشيطن في ثورة يناير، وفي تجربة الحكم المدني الوحيدة في مصر، ويتم الإعداد لمسلسل (الاختيار2) للحديث عن مجزرة رابعة، بالطبع لغسل يد العسكر من الدماء، وتلطيخ تاريخ البرآء والشهداء باقتراف المجزرة، ولا عجب، فقد سموا الميدان باسم: هشام بركات، النائب العام الذي أمر قضائيا بفض رابعة!!
والآن، استفاق كثيرون ممن شاركوا في ثورة يناير، ومنهم من كتب، ومنهم من قام ببث حي على الفيس بوك، ومنهم ومنهم، وبدأت وجهات النظر تختلف حول الحادث الواحد، ولا ضير في ذلك، فهكذا الأحداث الجسام في تاريخ الأمم، تختلف فيها الرؤى والتفاصيل، وهو مظهر صحي، أن يذكر كل شخص ما لديه، ففي النهاية سيكون لدينا كتابات، وكلما كانت هناك أوراق وكتابة فعندئذ يسهل التعقيب، ويسهل التنقيب، التعقيب على ما قيل، والتنقيب عن صحته، وعن آراء وشهادات أخرى، ترفض أو تدعم، في النهاية ستسفتيد ثورتنا برصد التجربة، وعندئذ يسهل معرفة: من أين أوتيت الثورة؟ وكيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وما المخرج؟
لكن علينا أن ننتبه لعدة أمور مهمة:
ـ أولها، أن ثورة يناير لا تبدأ بيوم 25 يناير 2011م فقط، بل تبدأ بسنوات من قبل، سبقها حراك مجتمعي وسياسي، ليس من الإنصاف أن نعتبر بدايتها من يوم النزول للميدان فقط، فكل هذه أجواء وأحداث مهدت الأرض، ومهدت المجال العام للحراك.
وثورة يناير لا تنتهي بيوم الحادي عشر من فبراير 2011م، ولا بانتخاب الرئيس الراحل الدكتور محمد مرسي، ثورة يناير يمتد خطها حتى يومنا هذا، فلا يمكن فصل ما سبق الثورة، بسياقها، وما لحق بها، وهو ما انتبه إليه مؤرخ مصري معاصر وهو عبد الرحمن الرافعي، فكان يكتب عن الثوارت المصرية، فيكتب جزءا عن مقدماتها، وأجزاء عن أحداثها، وجزءا عما دار من أحداث عقبت الثورة.
علينا أن نتجنب أخطاء معظم الكتب التي تهتم بالأحداث الجسام، فللأسف التاريخ هو تاريخ القادة والمشاهير، بينما يتم الغفلة عن المجتمع والبسطاء وعامة الناس، الذين لولاهم ما كان لهذه الثورة من قيام.
ـ ثانيا، أول ما يجب البدء به، أن يكتب كل من شارك في الثورة ولو بقليل، يكتب ما شاهده هو فقط إن كان فردا، وإن كان فصيلا، فيقوم الفصيل نفسه بكتابة ما قام به، وبخاصة فيمن كانت لهم أدوار تجميعية، أو يكلفون مجموعات تحتهم بمهام، ويتم جمع ما لدى الفصيل الواحد من تاريخ، بلا مجاملة، ولا جلد للذات، بل بكل أمانة تاريخية، لصالحه هو أولا، قبل أن يكون لصالح الثورة والتاريخ.
وعلينا أن ندرك أمرا مهما في كتابات الأفراد، أن نترك لهم الحرية فيما يكتبون، مهما رأينا الخطأ في رؤيته، فهو يصور الموقف بما يرى، وقد تكون رؤيته قاصرة، لأنه يرى من زاويته هو، التي رأى بها، وعلى مثل الشمس فاشهد كما يعلمنا الإسلام، وأن ندرك أن شهادات الأفراد ومذكراتهم، ليست التاريخ، بل هي أداة من أدوات التاريخ، يكملها أدوات أخرى، يعتمد عليها المؤرخ المدقق الحصيف.
ـ ثالثا، بعد ذلك، علينا بعد جمع هذه المواد، أن يتم فرزها بطريقة تاريخية محايدة، فإذا كان من سيكتب شهادات الناس نعتبره أشبه بوكيل النيابة، الذي يجمع كل أقوال الشهود، الصادق منها والكاذب، ثم يأتي بعد ذلك القاضي (المؤرخ)، الذي يدقق ويحقق في الروايات المتعارضة، ما يصح منها وما لا يصح، ما يعبر عن المجموع، وما يعبر عن الأفراد، وستظل رواية المجموع ورواية الأفراد لها أهميتها، فستسد فراغات وثغرات في القصة، ربما نراها تفاصيل تافهة، لكنها في النهاية مهمة.
وأخيرا: علينا أن نتجنب أخطاء معظم الكتب التي تهتم بالأحداث الجسام، فللأسف التاريخ هو تاريخ القادة والمشاهير، بينما يتم الغفلة عن المجتمع والبسطاء وعامة الناس، الذين لولاهم ما كان لهذه الثورة من قيام.
وهو ما نلاحظه بجلاء في يوم موقعة الجمل مثلا، نعم دور شيخنا القرضاوي مهم، وقد تم رصده، لأنه عالم كبير، لكن لا بد أن يذكر بجانبه الدور المهم الذي كان للفلاحين وأبناء الأرياف الذين جاءوا للميدان، فعندما دخلت الجمال والخيل والدواب، لا يمكن لأهل المدن أن يعرفوا فن التعامل مع هذه الدواب، وهذه دواب تتواجد في الريف، ومن استطاع التعامل معها هم أبناء القرى من الفلاحين والأرياف، الذين عرفوا كيف يعرقلوا أقدام الجمال، فطريقة تحرك الجمال والخيل يعرفها الفلاحون، ويعرف كيف يتم الإيقاع به، وشل حركته تماما.. وهو ما كان، رغم سقوط شهداء.
ليس مقصودي هنا أن ننتبه للقصص الصغيرة فقط، بل المقصود هنا: أن هذه الثورة كانت ثورة ميدان، وثورة قرى ومدن وأحياء، وكانت ثورة شعب، وعلينا ألا نغفل عن دور الشعب، ونتجه فقط إلى دور النخبة، من كيانات كبيرة، وكيانات سياسية، وهي أدوار لا شك مهمة، لأنهم كانوا في المقدمة، لكن الثورة كانت لها أعمدة وأبنية، فإن كان ميدان التحرير والقادة هم الأعمدة، فقد كانت المدن والجماهير هي الأبنية التي سدت الثغرات، ووقفت بكل شجاعة تهتف: الشعب يريد إسقاط النظام.
Essamt74@hotmail.com
دار الإفتاء المصرية وزواج التجربة
هل غابت النكتة السياسية في عهد السيسي؟!