تصعيد خطير شرق المتوسط تقوده اليونان في مواجهة تركيا تختبئ خلفه عدد من دول الإقليم على رأسها الكيان الإسرائيلي القلق من نفوذ تركيا المتصاعد؛ ودول في غرب أوروبا وعلى رأسها الجمهورية الفرنسية التي خرجت خاسرة من ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء بعد الإطاحة بالرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا على يد قادة عسكريين مقربين من موسكو.
انتكاسة السياسات الفرنسية
انقلاب مالي أحدث شللا في السياسة الفرنسة الإفريقية وعطل العملية التي أطلقتها باريس تحت مسمى (برخان) للسيطرة على منطقة الساحل والصحراء الغنية بالثروات المعدنية بحجة مواجهة الإرهاب وتنظيم القاعدة وبدعم من أربعة جيوش إفريقية (موريتانيا وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو) بالإضافة لمالي؛ وبتمويل من أبو ظبي والرياض أعلن عنه في نواكشوط عاصمة موريتانيا عام 2018.
الانتكاسة ذاتها قبل أسابيع في ليبيا انتهت بتعاظم النفوذ الروسي والتركي على حساب النفوذ الفرنسي والغربي المتآكل في القارة الإفريقية بعد هزيمة الجنرال حفتر وتراجع قواته من الغرب الليبي ليتقهقر معه النفوذ والتأثير الفرنسي.
تحلل وتفكك النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية يدفعها لهروب نزق ومتهور نحو شرق المتوسط على أمل الانتقام وتعويض خسائرها الثقيلة؛ فالتحركات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية الفرنسية لم تقتصر على اليونان إذ امتدت نحو لبنان بحجة انفجار بيروت الكبير والأزمة الاقتصادية؛ ونحو العراق بحجة تدعيم السيادة العراقية والاستقلال.
الهروب الفرنسي الكبير من إفريقيا نحو شرق المتوسط وغرب آسيا (قبرص واليونان ولبنان) والعراق لا يتوقع له النجاح؛ فرغم الزخم الدبلوماسي والعسكري المرافق لهذا النشاط الذي يقوده الرئيس الفرنسي الجريح مانويل ماكرون والمعزز بتضامن أوروبي خجول مع باريس؛ إلا أنه يصطدم بعواصم الإقليم في أنقرة وطهران بل وموسكو وبكين؛ والأهم أن دوافعه لا تقتصر على إدارة نفوذ إقليمي متآكل بل على إدارة أزمة داخلية قوامها تراجع شعبية الرئيس ومكانته لحساب منافسيه من الخضر واليسار الفرنسي المدعوم بالسترات الصفراء.
عودة فرنسية إلى المشرق العربي
فالهروب الفرنسي للرئيس ماكرون نحو الشرق لا يقتصر على محاولة تعويض الفشل في القارة الإفريقية أمام روسيا وتركيا بل وعلى محاولة الهروب من الأزمة الداخلية التي أدت لصعود خصومه من الخضر واليسار .
فماكرون استعان بالخطاب الشعبوي اليميني والديني مطلقا تصريحات جدلية استفز فيه العالم الإسلامي بعد أن رفض ومن على منابر بيروت إدانة نشر صحيفة شارل إيبدو كاريكاتيرا مسيئا ومستفزا لمشاعر المسلمين في أنحاء واسعة من العالم وفرنسا التي يمثل فيها المسلمون 13% من مواطنيها.
لم يظهر ماكرون مبالاة بفوبيا الإسلام ومعاداة شريحة كبيرة من مواطني بلاده ولم يشغل نفسه بصياغة عقد اجتماعي فرنسي جديد يحترم حقوق الأقلية المسلمة في فرنسا ويجرم معاداتهم كمعاداة السامية؛ بل هرب من ملفات تثقل كاهل الفرنسيين في زمن كورونا بتوجيه النصائح والتهديد والوعيد للبنانيين بحرمانهم من المساعدات والدعم في المحافل الدولية في حال لم يصوغوا ميثاقا وعقدا جديدا.
الهروب الفرنسي للرئيس ماكرون نحو الشرق لا يقتصر على محاولة تعويض الفشل في القارة الإفريقية أمام روسيا وتركيا بل وعلى محاولة الهروب من الأزمة الداخلية التي أدت لصعود خصومه من الخضر واليسار .
تحركات ماكرون شرق المتوسط تذكر بزيارة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان الذي واجه تراجع شعبيته في فرنسا بعد عام من فوزه بحملة علاقات عامة في المشرق قادها برفقة زوجته (أن سوڤاج) أو (الست بتاعتهُ) بحسب الشيخ إمام في معزوفته الشهيرة التي وثق فيها زيارة الرئيس البرجوازي وزوجته سليلة الأمراء والأرستقراطية الفرنسية إلى القاهرة عام 1975.
ورغم أن ماكرون لم يكرر خطأ جيسكار إذ ترك زوجته بريجيت سليلة رجال المال والأعمال في الإليزيه إلا أن جارة القمر فيروز ذكرته بزوجته الغائبة بتوجيه التحية للغائب الحاضر؛ فآخر ما يريده في رحلته للبحث عن الذات أن تنشغل الصحافة الفرنسية بزوجته وإطلالاتها في المحافل الدولية وتداعيات ذلك على شعبيته الداخلية.
ختاما: عودة باريس إلى المشرق العربي وشرق المتوسط باهتة وضعيفة الأثر لن تمكنها من استعادة مكانتها التي خسرتها في إفريقيا ولن تراكم إلا مزيدا من الخسائر والخصومة المستحكمة لباريس؛ ليس مع أنقرة فقط بل وموسكو وبكين وطهران وشعوب المنطقة؛ التي ترى في باريس قوة انتداب تحاول أن تكرر التاريخ ولكن بصورة بائسة وفجة؛ فحسابات ماكرون الحقيقية داخلية أساسا؛ حسابات أفقدته رصانته واتزانه السياسي ولغته الدبلوماسية في بيروت وبغداد؛ ليتحول إلى رئيس شعبوي أقرب لليمين غير المرغوب فيه في العديد من عواصم الإقليم المؤثرة، فماكرون شخص إشكالي لا في الإقليم بل وفي فرنسا أيضا.
المجتمع الدولي للبنان: وجبة حلول أو المجهول
عن استقالة المبعوث الأمريكي لإيران
في المُصَاب نَحْنُ جَسَدٌ واحِد