طالما، وبما أن الولايات المتحدة تقيم علاقاتها الخارجية من منظور أنها "كفيل" بقية دول العالم، وتعتبر الدول خارج المنظومة الأوروبية "قاصرة" يتوجب عليها الخضوع لوصاية واشنطن التامة، فمن حق شعوب العالم أن تتلمس التأثير على مجريات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كما فعل الروس في انتخابات عام 2016 عندما دعموا حملة الرئيس الحالي دونالد ترامب، لضمان عدم فوز منافسته هيلاري كلينتون، ولو كان العرب والمسلمون الأمريكان على قلب رجل واحد كما اليهود الأمريكان، لصار لهم وزن وشأن في تحديد من يفوز في مثل تلك الانتخابات، ومن يحكم مختلف الولايات.
ولا أحسب أن هناك بلدا في العالم المعاصر يتمنى لترامب الفوز في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فالرجل سيئ في نفسه ومسيء لغيره، ويشكل خطرا على السلم والأمن في جميع القارات: انظر كيف يسعى جاهدا لتوتير العلاقات مع الصين بذرائع سخيفة، بينما حقيقة الأمر هي أنه يغار من نجاح الصين اقتصاديا وتكنولوجيا ولن يغفر لها الريادة في طرح خدمات الجيل الخامس للاتصالات الذكية.
ثم انظر كيف حمل إيران على استئناف برنامجها النووي، عندما مزق اتفاقا أبرمته دول عديدة من بينها الولايات المتحدة مع إيران لوضع مفاعلاتها النووية تحت الإشراف الدولي، مما جعل إيران تتحلل من كل التزام ببنود تلك الاتفاقية، وتواصل تخصيب اليورانيوم وزيادة أعداد الطرد المركزي في مفاعلاتها، وصارت بذلك مصدر قلق جيرانها، ولم تكن إيران أصلا مصدر خطر على الولايات المتحدة بأكثر من صيحات "مردباد/ تسقط أمريكا".
شعبية ترامب في مواجهة خصمه في انتخابات الرئاسة المقبلة، جو بادين، في انحسار متسارع بعد أن انفض عنه بعض غلاة مناصري سياساته من اليمينيين، ليس استنكارا لسياساته الخارجية الخرقاء، وليس لأنه اتخذ قرارات تدمر البيئة الطبيعية في بلاده، وليس لأنه يناصر الأغنياء ويناهض الفقراء والأقليات العرقية، ولكن لأن تعامله مع جائحة كورونا أثبت أنه ناقص عقل وضمير.
وبالتالي فمن مصلحة بني البشر أن يفوز بايدن على ترامب، ولو من باب "حنانيك بعض الشر أهون من بعض"، ومن حق جموع الشعوب أن تستبشر بقرب صدور كتاب ميري ترامب ابنة أخت الرئيس الأمريكي "أكثر من اللازم ومع هذا لا يكفي" وهو عنوان شديد الإيحاء مؤداه أن ترامب (الرئيس) نال أكثر مما يستحق، ولكنه أشعبي المزاج ولا يشبع، وكما جهنم التي كلما ألقي فيها العصاة صاحت "هل من مزيد؟".
فشهادة شاهد من أهلها، التي هي هنا الدكتورة ميري، وهي طبيبة نفسانية عالية التأهيل، بعدم أهلية ترامب لأي منصب قيادي لكونه مصابا باضطرابات جعلته مجردا من مقتضيات التواؤم والتناغم مع الناس ومبادلتهم الأحاسيس الطبيعية كما يليق بإنسان سوي، هذه الإفادة ستكون شهادة وفاة دونالد ترامب إثر علل أمهلته طويلا.
شعبية ترامب في مواجهة خصمه في انتخابات الرئاسة المقبلة، جو بادين، في انحسار متسارع بعد أن انفض عنه بعض غلاة مناصري سياساته من اليمينيين، ليس استنكارا لسياساته الخارجية الخرقاء، وليس لأنه اتخذ قرارات تدمر البيئة الطبيعية في بلاده، وليس لأنه يناصر الأغنياء ويناهض الفقراء والأقليات العرقية، ولكن لأن تعامله مع جائحة كورونا أثبت أنه ناقص عقل وضمير.
يكشف كتاب ميري أن دونالد ترامب نشأ في كنف أب شديد القسوة لاهم له سوى المال، وكان يدوس على كل القيم في سبيل بناء إمبراطوريته العقارية، وأن ذلك الأب أنِسَ في دونالد وريثا لتلك الخصال فغذى فيه روح الأنانية والنرجسية والانتهازية والاحتيال والكذب الصراح، بوصفها الوصفة لتحقيق الثراء الفاحش، وفي هذا تقول ميري في كتابها المرتقب "وهكذا صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم".
وهكذا تكشف ميري كيف أن دونالد شرع في مرحلة مبكرة من العمر في السير في الطريق الذي رسمه له أبوه، وتلمس خطاه إلى الجامعة بأن جعل طالبا نابها يجلس نيابة عنه لامتحان الكفاءة (سات)، ثم كيف طور الرجل مهاراته في الغش والاحتيال والتهرب من الضرائب "ولو عرف الأمريكان ضخامة المبالغ التي أخفاها عن سلطات الضرائب لوقفوا في طوابير مليونية للزج به في السجن".
وتبرر ميري نشرها لهذا الكتاب في هذا التوقيت (أي قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية) بأن الأمر مسألة حياة أو موت للشعب الأمريكي: يحيا برحيل ترامب من البيت الأبيض ويفنى ببقائه فيه لأربع سنوات أخرى.
وكما لجأ دونالد ترامب إلى القضاء لمنع نشر مستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون لكتاب يفضح فيه كيف تعمد الحكومة الأمريكية الحالية لنسف المؤسسية في العمل وتكريس كل القنوات والوسائل لإرضاء نرجسية ترامب، فقد حرك كتائب من المحامين لمنع نشر كتاب ميري، ولكن القضاء انتصر لها في 14 تموز (يوليو) الجاري.
وفي تقديري فإن كتاب ميري ترامب عن عمها الأخرق المخاتل و"الذي جعل من الغش والخديعة منهجا في الحياة"، هو أهم إضافة لترسانة الأسلحة الدعائية المناهضة لتجديد ولاية ترامب، وأضعف الإيمان أن ندعو الله أن يجعل جهدها في الخلاص من ترامب الرئيس موفقا لما فيه مصلحة الإنسان المعاصر أينما كان وأقام.