أبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة، وكان يكنى بأبي الحكم، ولكن جهالته الجهلاء أكسبته كنية أبي جهل، أما مسيلمة فهو مسيلمة بن ثمامة بن حبيب الحنفي، الذي حسب أنه أولى بالنبوة والرسالة، وعرض على الرسول تقاسم النبوة فيفتي ـ فيفتي، وأرسل كتابا إلى النبي جاء فيه: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: ألا إني أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشاً قومٌ يظلمون!!
فرد عليه الرسول عليه الصلاة والسلام: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وهكذا استحق لقب الكذاب عن جدارة واستحقاق، وبعدها شرع مسيلمة في الترويج لنبوته إلى أن لقي مصرعه في اليمامة، وجاء في الأخبار أنه كان ذا بشرة فاقعة الاصفرار على نحو غير مألوف في بني البشر، ومن عجب أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه لون بشرة برتقالي غير مألوف، إلا في كائنات مهددة بالانقراض.
الجاهل عدو نفسه
يقول العرب إن الجاهل عدو نفسه لأنه يتولى فضح نفسه وهو يحسب أنه ينثر الدرر والحكم، وجاء في مقال لديفيد ماركويتز في صحيفة "واشنطن بوست" أن ترامب ظل يكذب بمعدل 23.8 مرة يوميا منذ مطلع العام الجاري، ولأنه جاهل حتى على المستوى الألفبائي (القراءة والكتابة) فإنه وعوضا عن السعي لدفن ما ينفضح من أكاذيبه، ينشرها على الملأ عبر الوسائط الإلكترونية، فتغريداته عبر تويتر سرعان ما تنتشر وبائيا وتتناقلها وسائل الإعلام والعوام، وحتى بعد أن ينكشف خطأ وخطل كل قول يصدر عنه تأخذه العزة بالكذب، فيصدر المزيد من التغريدات التي تشي بافتقاره للمادة الرمادية التي تكون عادة في الإنسان في التجويف ما بين الأذنين.
ورغم أن الصحف تنتعش بتغطية الفضائح والمآسي وغريب الأحداث والأقوال، إلا أن صحفيين أمريكيين مرموقين يرون أن الواجب الوطني يملي عليهم تجاهل معظم ما يصدر عن ترامب من أقوال خلال ما يسمى بـ "الإيجازات الصحفية"، لأن ذلك يجعل المواطن يسيء الظن بمؤسسات الحكم ووسائط نقل المعلومات، بل الديمقراطية برمتها، وقد توقفت بعض القنوات التلفزيونية عن نقل تلك الإيجازات من منطلق أنها ضارة بالمعنويات العامة، ولكن طالما أن قناة فوكس ومنصة تويتر طوع بنان ترامب فستظل أكاذيبه الفاضحة لجهالته تملأ الأثير.
يحتفي خصوم ترامب كثيرا بما أورده جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في إدارة ترامب عن طيش الرجل وجهله ونزقه، بدرجة أن قال إنه، أي ترامب، لا يمكن أن يؤتمن على حقيبة الأزرار النووية التي تصاحب كل رئيس أمريكي
هل يصدر إلا عن جاهل جهول كترامب نصيحة لحكومة أجنبية (الصين) أن تقيم معسكرات اعتقال للمسلمين (الإيغور) على غرار المعسكرات النازية؟ هل من فضيحة أكبر من أن يكون الرئيس الأمريكي لا يدري ما إذا كانت بريطانيا أقوى حلفاء بلاده قوة نووية؟ ويحسب أن فنلندا ولاية روسية؟ ولا يعرف شيئا عن الوقائع الكبرى في تاريخ بلاده، رغم أن ذلك التاريخ كله "حديث"؟ هل يقول رئيس دولة عاقل ما قاله ترامب، عندما بدأت أعمال التخريب من قبل المحتجين على مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد على "رجل" شرطي: عندما يبدأ التخريب سيبدأ إطلاق النار؟ مقتل شخص واحد قلب الدنيا كلها وأشعل نيران الغضب في جميع المدن الأمريكية، ولكن ترامب يرى أن احتواء أو إجهاض ذلك الغضب يكون بقتل المزيد من الناس.
الهجوم على الحقيقة
خصصت صحيفة "واشنطن بوست" فريقا كاملا لمهمة أسمتها رصد "الهجوم على الحقيقة" من قبل ترامب وتقصي أكاذيبه، وسجل الفريق خلال حزيران (يونيو) الذي ما زال جاريا 19127 كذبة بلقاء لترامب، ثم أصدر كتابا يحوي كل قول كاذب له مؤيدا بالتاريخ ومكان الصدور:
”The President’s Falsehoods, Misleading Claims and Flat-Out Lies”
ويحتفي خصوم ترامب كثيرا بما أورده جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في إدارة ترامب عن طيش الرجل وجهله ونزقه، بدرجة أن قال إنه، أي ترامب، لا يمكن أن يؤتمن على حقيبة الأزرار النووية التي تصاحب كل رئيس أمريكي في حله وترحاله، ليصدر القرار السليم حول استخدام السلاح النووي ضد عدو محتمل، ولو كان بولتون وهو الصقر اليميني الشرس الذي ظل يدعو إلى قصف كل دولة تخالف بلاده الرؤى السياسية والاقتصادية يرى في ترامب خطرا على الأمن العالمي، فلا شك في أن ترامب في حد ذاته قنبلة نووية موقوتة.
مثل جميع غلاة اليمينيين في الولايات المتحدة فإن بولتون ميكافيللي انتهازي، ولا يخامرني شك في أنه، وقد فقد وظيفته العالية بالطرد وليس بالاستقالة احتجاجا ورفضا لتجاوزات ترامب التي كان شاهدا عليها، رضي من الغنيمة "بالكتاب"، أي انه يريد لكتابه رواجا عاليا ـ وقد در عليه أكثر من ثلاثة ملايين دولار حتى الآن، فقد قال في معرض الترويج لكتابه أن لديه أسانيد كانت ستؤدي إلى نجاح حملة محاسبة ترامب وإقصائه من منصبه، ولكنه لم يقدمها لمن اضطلعوا بتلك المهمة خلال الفترة من 24 أيلول (سبتمبر) و3 كانون اول (ديسمبر) من العام الماضي، ثم قال: من الضروري العمل على عدم إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، ولكنه استدرك بأنه لن يصوت لمنافس ترامب في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل؛ ولكنه لم يجب على السؤال: وكيف تتم إزاحة رئيس من منصبه دون التصويت لصالح منافسة؟
والإجابة غير المباشرة على هذا السؤال هي أن المحافظين الأمريكيين الجدد والقدامى ينهلون جميعا من معين لا مجال فيه للأخلاق..