كتاب عربي 21

العاشر من رمضان.. النصر المُعذب!

1300x600

وكالعادة، احتفل المصريون في العاشر من رمضان بالانتصار على العدو الإسرائيلي، تماما كما يحتفلون به مرة أخرى في العام؛ في يوم السادس من أكتوبر!

فالنصر وقع في العاشر من رمضان 1339، السادس من أكتوبر سنة 1973، وإن كنا لسنا على يقين بصحة التاريخي الهجري للنصر، فيقولون كل ثلاث وثلاثين سنة يتطابق التاريخين الهجري والميلادي، وعليه فبعد مرور هذه الفترة وفي سنة 2006 ميلادية، انتظرت مصر هذا التطابق، ليكون العيد عيدين، لكن هذا لم يحدث، فهل الخطأ في الحساب وقع في يوم النصر، أم بعد ذلك!

فمصر كانت وإلى وقت قريب تعتمد الرؤية السعودية في تحديد أوائل الشهور القمرية، لا سيما بداية ونهاية شهر رمضان، مثل كثير من الدول وبدون نقاش، استناداً على قاعدة فقهية تقول إن أي بلد يشترك مع مصر ولو في جزء من الليل، ورأى هلال شهر رمضان، فإنها ملزمة باعتماد رؤيتها، وتم اختزال هذه الدول في دولة واحدة هي المملكة العربية السعودية، إلى أن جاء الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتياً للديار، فاعتمد الحسابات الفلكية، ولم يأبه بمعارضيه!

وكنوع من التمرد، فإن بعض الجماعات الإسلامية كانت وخلافا مع ذلك تعتمد الموقف السعودي، فتحتفل بالعيد وتصليه في الساحات قبل عيد عموم المصريين، إلى أن غادر طنطاوي إلى مشيخة الأزهر، وأخذ المفتي الجديد علي جمعة بما أقره سابقه، وذلك في العام الأول له ثم عاد إلى اعتماد الرؤية السعودية، الأمر الذي لا يزال مستمراً إلى الآن بتصرف!

وهذا التسليم بالرؤية السعودية يحدث رغم وقوع الكثير من الأخطاء في تحديد بداية الشهر الفضيل، وبداية شهر شوال، وهو أمر يمكن أن يقف عليه أهل الريف حيث صفاء السماء، لكن هناك أخطاء تم الإعلان عنها رسميا، لم يكن أولها الاعتراف هذا العام بالخطأ في تحديد بداية شهر شعبان. فيذكر المصريون أنه في بداية الثمانينات حدث أن أعلن المفتي الشيخ عبد اللطيف حمزة أن الغد هو المتمم لشهر شعبان، بناء على الموقف السعودي، وبعد منتصف الليل حدثت جلبة عظيمة، كان سببها أن المملكة عدلت في قرارها، ولم يكن كل الناس قد وصلهم نبأ هذا العدول، فذهبوا إلى أعمالهم وهم يدخنون، بينما زملاؤهم يذكرونهم بأن "رمضان كريم"!

من مبارك للسيسي:

ولم تمنع هذه الأخطاء المتكررة من الأخذ بالرؤية السعودية، ومن بين هذه الأخطاء أن العاشر من رمضان لم يأت في يوم السادس من أكتوبر بعد هذه المدة الزمنية التي قيل بضرورة تطابق التاريخيين الميلادي والهجري فيها، وإن ظل المصريون يحتفلون بنصر أكتوبر أيضاً في العاشر من رمضان، وقد صار نصراً معذباً على أيدي الحكام، ومن مبارك إلى عبد الفتاح السيسي!

عندما نجحت ثورة يناير في عزل مبارك، قلت عشت حتى أرى انتصار أكتوبر يتم الاحتفال به، على ذات القواعد القديمة التي حكمته على مدى سبع سنوات سابقة من عصر مبارك!

 

مبارك اختزل هذا الانتصار في الضربة الجوية، وهذه الضربة في شخصه الكريم، وصار ما يخص السادات في هذا اليوم هو مجرد زيارة بروتوكولية لقبره

فمنذ وقوع النصر والاحتفال يجري على أن عظمة الانتصار تتلخص في تحطيم خط بارليف، وفي عبور المانع المائي، وهو انتصار في مجمله يعود إلى سلاح المهندسين في الجيش المصري، إلى أن جاء مبارك فاختزل هذا الانتصار في الضربة الجوية، وهذه الضربة في شخصه الكريم، وصار ما يخص السادات في هذا اليوم هو مجرد زيارة بروتوكولية لقبره يقوم بها مبارك، مع زيارة أخرى لقبر عبد الناصر، مع زيارة ثالثة لقبر الجندي المجهول، ليصبح لا تمييز للسادات في الأمر، فالنصر كله قام به مبارك!

واختفت قصة تحطيم خط بارليف من الاحتفالات، ومن المناهج الدراسية، فكل ما تم في هذا اليوم هو "الضربة الجوية"، وصاحبها الرئيس مبارك، ولا دور لطيار غيره في هذه الضربة، وعلى نحو يوحي كما لو كان مبارك هو من قاد بنفسه أسراب الطائرات التي حققت النصر بضربتها الموجعة للعدو، ولعل هناك من فوجئوا بأنه كان في غرفة العمليات لم يبرحها. وكل الاحتفالات تحدثت عن "الطلعة الجوية" ثم "الضربة الجوية"، التي قام بهما شخص واحد هو الطيار حسني مبارك!

وإذا أراد سلاح الطيران أن يستحوذ على النصر، بحكم أن قائده صار القائد الأعلى للقوات المسلحة، فهناك أدوار لطيارين آخرين كان لا بد من التذكير بها، لكن جرى تجاهلها تماماً، ومنها الدور الخاص بالشهيد طيار عاطف السادات الأخ الأصغر للرئيس، الذي لم يمنعه قربه من السادات (كان أقرب أشقائه إلى قلبه) من أن يكون على رأس الطلعة الجوية الأولى، والتي استهدفت مطاراً إسرائيليا، واستشهد وزميل له. وإذا كنا قد حفظنا اسم عاطف السادات (25 سنة) بحكم صلته بالرئيس الراحل، فلم نهتم باسم زميله، بعد ثلاثين عاما من اختطاف النصر واختزاله في شخص مبارك!

إدانة سعد الدين الشاذلي:

وقد كان نصر أكتوبر يتم دون اسم القائد العام المشير أحمد إسماعيل، أو رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي الذي نكل به مبارك وأودعه السجن والانفراد بحكم صادر من المحكمة العسكرية، بعد أن عاش حياته في الخارج طريداً في عهد السادات، ورفضت السلطات منحه جواز السفر. واللافت أن محكمة القضاء الإداري أيدت قرار السلطة وجاء في حيثيات الحكم وصفاً للفريق الشاذلي، أنه "ارتكب من الأفعال ما يمس أمن الدولة ومصالحها العليا".. و"عرض الوحدة الوطنية ومصالح البلاد للخطر"، وأنه وآخرين "غلب عليهم طبع الخيانة، وسيطر عليهم الفكر المسموم، وامتلأت قلوبهم بالحقد الأسود"!

وقد أصدر الحكم ثلاثة من القضاة، رئيس المحكمة جلال عبد الحميد، ورائد النفراوي، وأحمد موسى. وإن كنا لا نتذكر هذه الأسماء، فإن من الملاحظ أن أحدهم اسمه "أحمد موسى"، فيبدو أن المشكلة في الاسم، الذي يطبع صاحبه بصفات معينة!

 

من رد الاعتبار لاسم الشاذلي كان هو الرئيس محمد مرسي، الذي جاء الاحتفال في حكمه بنصر أكتوبر مختلفاً

وإذا كان المجلس العسكري قد استغل فرصة تنحي مبارك وأقام جنازة عسكرية للفريق الشاذلي، ولم ينتصروا له في حياته، ولم يكن بوسعهم هذا فقد أذل الحرص أعناق الرجال، فإن من رد الاعتبار لاسم الرجل كان هو الرئيس محمد مرسي، الذي جاء الاحتفال في حكمه بنصر أكتوبر مختلفاً، فدعا لقصر الرئاسة حرم الرئيس السادات، وحرم الفريق الشاذلي، وقام بتكريمها في مشهد أقرب للمصالحة الوطنية. فالحقيقة أن نظام مبارك كان قد نال من اعتبار السادات والشاذلي، وكان مشهداً عظيماً يحتاج إلى أقلام قريبة من الرئيس مرسي لتعبر عنه وتبينه للناس، لكن كان من هم حول الرئيس طاقم من الأطباء لا يوجد بينهم صاحب قلم واحد!

فتم إهدار هذه الصورة، بالتشهير الإعلامي لوجود أحد المتهمين بقتل السادات في الاحتفال، وهو عبود الزمر، مع أن حضوره كان جزءا من مشهد المصالحة وقد اعتذرت الجماعة الإسلامية عن قتله في مراجعاتها، لكن الصورة لم تصل للناس بحجمها الطبيعي، ومنحت جيهان السادات فرصة بعد ذلك وفي عهد السيسي لتقول إنه كان حضور نكاية، ومشهد تعذيب لها، ولم يكن هذا موقفها حتى مع قتلة زوجها قبل اعتذارهم. وأصبح الرئيس بالدعاية التي جرت أنه يستقبل إرهابيين وقتلة ويكرمهم، وكلام كهذا قالته حرم الفريق الشاذلي وابنته والشاذلي يتم تكريمه لمرة واحدة وأخيرة من قبل عبد الفتاح السيسي، ونسيت الأسرة الفاضلة أن الرئيس مرسي هو من جعل من الفريق الشاذلي جزءا من جملة في سياق نصر أكتوبر، بعد أن حذف مبارك صورة الرجل من غرفة العمليات، ليضع صورته هو بجانب السادات في مشهد كاشف عن خسة، ولم يستفز هذا التلفيق قادة الجيش في أي مرحلة على مدى ثلاثين سنة!

 

الاحتفال بالنصر لم يكن كما توقعت، فالآن يتم بتغريدة للسيسي، أو خطاب قصير ذراً للرماد في العيون، وكأنه يتعامل معه على أنه عبء ثقيل على قلبه فيغلب عليه سلوك "تأدية الواجب"!

ومما يؤسف له أن الاحتفال بالنصر لم يكن كما توقعت، فالآن يتم بتغريدة للسيسي، أو خطاب قصير ذراً للرماد في العيون، وكأنه يتعامل معه على أنه عبء ثقيل على قلبه فيغلب عليه سلوك "تأدية الواجب"!

العدو:

في زمن مبارك كانت الاحتفالات تتطرق إلى أن النصر تم على العدو، كما كان الحال في عهد السادات حتى بعد كامب ديفيد، ولا تذكر إسرائيل في هذه الاحتفالات إلا مسبوقة باللقب "العدو"، لكن السيسي وإعلامه عندما يتحدثون عنه فدائما كلام عن الانتصار دون ذكر على من انتصر الجيش المصري، فلا ذكر لإسرائيل، ولا استدعاء لكلمة العدو وفقا للمفردات العسكرية، فدائما الحروب تكون ضد العدو، وإن صار (العدو) أقرب إليهم الآن من حبل الوريد، فإن الوصف يُذكر على المعتمد ساعة الحرب!

فلا ذكر لإسرائيل الدولة أو الجيش عند احتفال السيسي، فيبدو كما لو كان انتصارا على النفس الأمّارة بالسوء، ولولا أن الحاكم العسكري يعتمد هذا النصر للتأكيد على أحقية الجيش في الحكم، بعد اختزاله في شخصه هو، لما كلف خاطره لكتابة منشور مليء بالأخطاء الإملائية كما حدث يوم العاشر من رمضان هذا العام!

إنه النصر المُعذب!

 

twitter.com/selimazouz1