لم تفلح كل الجهود السياسية والأمنية والفكرية في إحداث قطيعة تامة بين الفعل السياسي والفكر الديني في تونس.. ثمانية أعوام أو تزيد من عمر الثورة التي أطاحت بنظام الاستبداد في تونس، وما تزال معركة الفصل بين الدين والسياسة واحدة من أهم المعارك السياسية والإعلامية والفكرية في تونس.
ولئن كانت حركة "النهضة" قد مثلت ولعدة عقود من الزمن، التعبيرة السياسية الأبرز لما يُعرف بـ "الإسلام السياسي"، إلا أنه ومنذ الثورة وعودة قيادات حركة "النهضة" من المنافي والحصول على ترخيص الحزب السياسي، أعلن قادة "النهضة" أنهم لم يعدوا من الإسلام السياسي، وأنهم قرروا الفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي.
ومع ذلك، ظل خيط وإن كان ضعيفا، يربط بين حركة "النهضة" والفكر الديني، وحين ضاقت ببعض قواعدهم دروب الفكر الديني في الحزب السياسي، ابتدعوا تجمعات سياسية أخرى، تم تشكيلها على عجل، وتحولت بسرعة إلى ظواهر اجتماعية وسياسية غامضة غموض تشكيلها.
الكاتب والإعلامي التونسي الحسين بن عمر، يعيد في هذا التقرير الخاص لـ "عربي21"، مناقشة العلاقة بين الديني والسياسي في الفكر العربي، من مدخل "حزب الرحمة" التونسي، وإذاعته ومؤسسه وأطروحاته، واستطلاع رأي عدد من المختصين في مجال علم الاجتماع والخطاب اللغوي.
غموض لافت
ثبتت الانتخابات التشريعية الأخيرة في تونس، حركة "النهضة" الإسلامية مكوّنا رئيسا في المشهد السياسي الحاكم في تونس، رغم تقهقر حجم كتلتها الناخبة إلى حدود الثلث بين 2011 و2019، ورغم ذلك يرى مراقبون أن حركة "النهضة" نجحت في تصريف جزء غير يسير من رصيدها الانتخابي، الغاضب على سياسة توافقها مع المنظومة القديمة منذ انتخابات تشرين أول (أكتوبر) 2014، نحو كيانات جديدة مثلت مفاجأة الانتخابات الأخيرة والمتمثلة في "ائتلاف الكرامة" و"حزب الرّحمة".
ولئن أبانت التصريحات الأولى لـ "ائتلاف الكرامة"، فيما يتعلق باستعداده غير المشروط لدعم حكومة سياسية ترأسها "النهضة"، عن التقارب الكبير الذي يجمعه بالحركة الإسلامية الحاكمة، فإن الغموض لازال يلف طبيعة العلاقة التي تجمع "النهضة" بـ "حزب الرحمة"، الذي يتزعمه سعيد الجزيري، المشرف على إذاعة القرآن الكريم، والذي نجح في حصد أربعة مقاعد برلمانية رغم حصر ترشحه على الدوائر الانتخابية التي تشملها تغطية الإذاعة المذكورة.
حصول حزب سياسي وليد على أربعة مقاعد برلمانية رغم تواضع موارده الماليّة والبشريّة، دافع مهم للبحث في ظاهرة سياسيّة جديدة، ظاهرة حزب يكاد يقتصر نشاطه على ما يقدّمه رئيسه من خطب دعويّة بإذاعة "القرآن الكريم"، يسوّق خطابا يقف على يسار حركة "النهضة"، وينجح في الإفلات من كمّاشة الاستقطاب القائم على الهويّة، ونجح في إرساء خطاب متمايز على خطاب "ائتلاف الكرامة"، الذي يصنفه البعض على أنّه رديف "النهضة" السياسي.
حبّرت عديد التقارير الإعلاميّة في موضوع إذاعة "القرآن الكريم"، غيّر المرخّص لها من قبل هيئة الاتصال السمعي البصري، ونسبت العديد منها الصفة الإسلامية لحزب "الرحمة"، يرأسه المشرف الأول على الإذاعة سعيد الجزيري، واتهمته بتوظيف الدين لمآرب انتخابيّة، بيد أنّ استحضار الرّأي القرامشي القائل بأنه بين النور والظلمة تظهر المسوخ، يشجع على إجراء هذا التقرير المعمّق حول ظاهرة حزب سياسي وليد، نجح في حصد أربعة مقاعد برلمانية، عجزت عنها أحزاب يسارية اجتماعيّة وأحزاب قوميّة تاريخيّة.
تزوير انتخابي
أكّد الدّاعية سعيد الجزيري، رئيس حزب "الرّحمة" (تأسس سنة 2012)، في حديث خاص لـ "عربي21" على الظّلم الكبير الذي لحق حزبه جرّاء إسقاط قائمته الانتخابية الفائزة بدائرة بن عروس من قبل الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، والتي ترأسها بنفسه، بحجّة توظيف حضوره الإعلامي بالإذاعة لفائدة الحملة الانتخابيّة.
المثير للدهشة أن الجزيري أكّد لمعدّ التقرير ما كان صرّح به في دروسه الصباحيّة بالإذاعة المذكورة، على حدوث تزوير كبير في الانتخابات التشريعية المقامة يوم 6 تشرين أول (أكتوبر) الجاري، حرمه الحصول على المرتبة الأولى في دائرة بن عروس، مستدلاّ بعمليّة سبر للآراء خاصّة قام بها حزبه بواسطة سائق سيارة أجرة فردي، قام باستطلاع آراء ركّابه طيلة 15 يوما قبل تاريخ الانتخابات !
نفي الصفة الإسلامية عن الحزب
كان لافتا للانتباه تبرؤ الداعية سعيد الجزيري ورئيس حزب الرحمة من الصفة الإسلاميّة للحزب أو حتى القول بأن الحزب ذو مرجعيّة إسلاميّة، مكتفيا بالتنصيص على "المرجعيّة التونسيّة" للحزب وعلى هدف حزبه المنادي بـ"التصنيع" !
وبسؤاله عن مغزى استعماله لصفة الشيخ في التعريف بقائمته الانتخابيّة، وتوظيفه للخطاب الديني في دروسه الإذاعيّة لصالح الإشهار السياسي، وهو السبب الذي كان وراء إسقاط قائمته الانتخابية بدائرة بن عروس، اكتفى بالقول إنه عرّف نفسه بما عرفه عنه الناس من كونه شيخا ليس إلاّ.
تحليل خطاب الظواهر النصّية للحزب
يؤكد صالح الإعجيلي، دكتور في اللسانيات العربيّة، في تصريح لـ "عربي21"، أن تحليل خطاب مضمون الظواهر النصّية المستقاة من نص مشروع "حزب الرحمة"، المنشور على الموقع الرّسمي للحزب، يشير بلا مواربة إلى حقل دلاليّ دينيّ وأنّ الحزب يستبطن خلفية دينيّة عامة، حتى وإن لم يفصح عن ذلك في فصول المشروع المذكور، مشيرا إلى أن تسمية الحزب بحزب "الرحمة" ماهي إلاّ إحالة على نص آيات القرآن الكريم: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" و" فبما رحمة من الله لنت لهم" و"وجعلنا بينكم مودّة ورحمة"، هذا فضلا عن وضع البسملة فوق اسم الحزب.
من جهة أخرى، اعتبر الإعجيلي أنّ تأكيد ورقة المشروع المذكورة على أنّ الحزب "حزب سياسي تونسي" هو استبطان لهاجس اتّهامه بالحزب الديني أو الولاء لتنظيم عالميّ؛ كذلك لا معنى لوصف حزب بـ"سياسي" لأنّ الحزب سياسيّ بالضرورة وهو كذلك تونسيّ لا غير، يعلّق الإعجيلي.
يعتبر الإعجيلي أن مفردات خطاب مشروع الحزب حاولت أن تكون "حداثيّة" إلا أنها سرعان ما تعود للطابع الديني في لحظات الغفوة، وخير دليل على ذلك ما ورد في الفصول 7،10 و11 حيث تواترت كلمة "مقدّس" (العمل والسكن والصحة والتعلم، مقدسات أربع يعمل حزب الرحمة على توفيرها لكل مواطن من شمال البلاد إلى جنوبها / حزب الرحمة يعتبر الحرية مكسب شعبي مقدس / إلا أنه عليه احترام المقدسات والأديان / فالحاكم مسؤول بين يدي شعبه وربه). وإضافة إلى مفردات القداسة، فإنّ الخطاب بدا متّسما بالطّوبويّة، سمة الأحزاب الأيديولوجية والثورية في بداياتها، ويظهرُ ذلك في القول إنّ الحزب "يعمل على وضع نهاية أبديّة لظلم الحاكم والنظام الدكتاتوري الغاشم".
رؤية اتصالية وراء تغييب الصفة الإسلاميّة
من جهته يرى الدكتور ياسين كرامتي، أستاذ محاضر في علم الاجتماع بجامعة الزيتونة وباحث في الأنثروبولوجيا، في تصريح لـ "عربي21"، أنه يفترض أن يكون البرنامج الحزبي المنشور على الموقع الإلكتروني الرسمي لحزب الرّحمة، والذي يتضمّن 29 نقطة تعبر عن مبادئ الحزب وبرامجه، قد حظي بمناقشة داخليّة وبالرضى عن عملية نشره وتداوله، وبالتالي يجيز للباحثين والنقاد مناقشة طروحاته واعتماده لفهم خلفيات الحزب وتمثلاته للفعل السياسي.
ويشير إلى أنّه رغم عنونة المشروع الحزبي بالبسملة وتضمين آية قرآنية تستحضر قيم العدل في النقطة 14 ومعاني حديث شريف في النقطة 25، فإنه ملفت للانتباه تغييب مفردات مثل إسلام، شريعة، لغة عربيّة، هويّة، دين، أمّة إسلاميّة، أمّة عربيّة، حاكميّة، تطبيع، فلسطين، عقيدة.
وقال: "يبدو للوهلة الأولى أن مؤسسي الحزب قد استفادوا من التجارب السابقة في علاقة أصحاب المرجعيّة الإسلاميّة بالتجارب السياسيّة، وأن الأمر لا يتعلّق بالتقيّة بقدر ما يتعلّق بقراءة اتّصاليّة يحاول من خلالها محررو البرنامج تجنّب الدخول في نقاشات ربما يرون أنهم في غنى عنها".
وأضاف كرامتي: "مقابل ذلك تضمّنت الوثيقة تنصيصا على مبادئ الشورى والعدل والرحمة، في غياب واضح لاستعمال كلمة ديمقراطيّة وإن كانت هناك إشارة إلى الممارسة الانتخابية في النقطة الرابعة، وتنصيص على مقدّسات أربع، في النقطة 7، هي العمل والسكن والصحة والتعليم، كما يتحدث البرنامج الحزبي عن الشعب التونسي وليس عن المسلمين، ولا وجود البتّة لمعاني التكفير في مقابل تسجيل كلمتي الرّجعيّة والظّلاميّة كمعان سلبية مسيئة يرفضون استعمالاتها للحديث عن المواطنين".
ضبابيّة الهوية الفكرية للحزب
ويلاحظ أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية الدكتور ابرهيم العمري في حديث مع "عربي21"، أن من الهنات الجوهريّة التي أظهرها مشروع حزب الرّحمة هو عدم التنصيص على المبادئ التنظيمية والفكرية والاجتماعية، فالبديهي أن إنشاء حزب سياسي ما، يفترض ضبط النظام الداخلي الذي يحتكم إليه الحزب وتحديد البرنامج الذي يبسط الهوية الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في ذات السياق، يعيب العمري على مشروع الحزب تعريف الحاكم والمعارضة بأسلوب الدارجة التونسية وهذا خارج عن الموضوع أصلا " فالحاكم مسؤول بين يدي شعبه وربه / عليه أن يعمل لفائدة شعبه بكل إخلاص وجدية / أما المعارضة إنما وجدت لتعارض وتنتقد الحكومة لا لتمدحها، فمدح الحاكم من قبل المعارضة خذلان وغش للشعب"، هذا الخلط المنهجي لا ينمّ عن جدّية ودقّة في تحديد المصطلحات.
سطحيّة البرنامج السياسي
ويقدّر ابراهيم العمري أنّ المتتبع ، لـ 28 نقطة الواردة في الورقة المسمّاة "مشروع الحزب" لا تعدو أن تكون مجموعة من الأفكار غير المتجانسة، وهي أقرب ما تكون إلى العريضة النقابية، تحتوي على جملة من الانتظارات التي يمكن أن يقدّمها أي فرد من المجتمع، منها لرؤية سياسية لحزب سياسي له من العمر ثماني سنوات واستطاع حصد أربعة مقاعد برلمانيّة.
وأضاف: "إنّ لغة البرنامج الحزبي تذكّر بلغة ومفردات الكتاب الأخضر الذي صاغه القذافي، نقرأ في برنامج حوب الرّحمة: " فالمعارض يعارض وينتقد وينصح هذا عمله، لا ينبغي للحكومة أن تتخذه عدوا أو تتهمه بالرجعية أو الظلامية، على الحكومة أن ترتقي بنفسها إلى هذا التفكير والتعامل، فحكومة اليوم معارضة غدا، ومعارضة اليوم حاكمة غدا، فالكل يعمل على خير البلاد والعباد".
خطاب حزبي ودعوي هلامي
يؤكّد محمّد التومي، باحث في تحليل الخطاب وعضو وحدة تحليل الخطاب الإرهابي في مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أنّ قراءة خطاب زعيم حزب الرحمة، المشرف على إذاعة القرآن الكريم، المتلفّع بجبّة الشيخ ذي السمت الحداثيّ، تبين على خطاب دعوي سلفي إصلاحي، أدواته علم الأولين كما فهموا النصّ، وهو بذلك لم يشذّ عن الأحزاب السلفية منهجا حينما تخبط في السياسة خبط عشواء في ليل بهيم.
وأضاف التومي في حديث لـ "عربي21": "إن إتقان الدّاعية للهجة العاصمة وتوخّيه لخطاب دعوي سلس، يحاول التوسيع على الناس ولا يضيّق عليهم، سهّل مقبوليّته لدى شريحة واسعة من الطبقة المتوسّطة".
في ذات السياق، يشير التومي إلى أن العوامل المساعدة على مقبوليّة خطاب الجزيري لدى مستمعي إذاعة "القرآن الكريم" وعلى البروز بلباس الفقيه، رغم عدم تخصصه الأكاديمي وعصاميّة تكوينه الديني، هي تموقعه السياسي على يسار النهضة، والمجاهرة بعدائه المعلن لها بحجة انخراطها في "النمط المجتمعي" وأنها "غير معنية بدين الناس".
ويضيف محمد التومي: "إنّ إدّعاء الجزيري حيازته على شهادة الدّكتوراه، دون أن يكون قد وجد ريحها، فضلا عن تبشير الناس بالخلاص إن هم أعطوه أصواتهم الانتخابية ووثقوا بحزبه الرحيم وادعاءه الحنكة السياسية والتاريخ النضالي زمن الدكتاتورية، جعل خطابه ينحى منحى الإدّعاء والطوباوية، وهو الذي لا يزال حزبه (الرحمة) غريب المياسم والبرامج، لا يُعلم له قانون داخلي ولا مؤسسات يرجع إليها بالنظر بل ولا شخصيات غير الشيخ سعيد يعود إليها الباحثون عن الفهم والدارسون لهذه الظواهر العجيبة في مجتمع ما بعد الثورة".
هل يرقى حزب الرّحمة إلى مرتبة الحزب السياسي؟
يقدّر صالح الإعجيلي، دكتور في اللسانيات العربيّة، أنّ "كتابة مشروع حزب الرحمة قد تمّت من قبل شخص واحد، ويرجّح أن يكون رئيس الحزب هو مؤلفه، وذلك لسببين اثنين: الأسلوب الشفاهي الذي كتب به المشروع وكثرة الأخطاء اللغوية والأسلوبية لعدم مراجعتها، وهذا يعطي انطباعا أوّليّا سيّئا بعدم جديّة المشروع السياسي المقدّم"..
أما ابراهيم العمري، فيرى، أنّه "من المسلّم به أن يقوم كلّ حزب سياسي على مبادئ تنظيمية وفكرية واجتماعية واحتكامه إلى نظام داخلي، كما يفترض في الحزب السياسي تملّكه لبرنامج محدد يبسط فيه هويته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية"، فهل تستجيب ورقة مشروع الحزب المنشورة على الموقع لهذه المسلّمات الدّنيا؟
يعتبر ابراهيم العمري أنّ تعريف الحزب ورد تعريفا غريبا، فالقول بأنّ حزب الرحمة "يعمل على تغيير العقلية السياسية التونسية" فهذا حصر لمهمّة الحزب في بعد فكري، متناسيا بذلك الأبعاد الأخرى المتداخلة مع التنشئة السياسية من قبيل العقلية الاجتماعية والثقافية والسلوك المجتمعي.
وقال: "إنّ هذا التعريف المقدّم من قبل حزب الرحمة، لا يستجيب للحدّ الأدنى المتعارف عليه في العلوم السياسيّة، فالحزب السياسي وفق تعريف الدكتور سمير عبد الرحمن الشمري هو: (جماعة اجتماعية تطوعية واعية ومنظمه ومتميزة من حيث الوعي السياسي والسلوك الاجتماعي المنظم ومن حيث الطموحات والآمال المستقبلية ولها غايات قريبة وبعيدة تهدف هذه الجماعة إلى الاستيلاء على السلطة إذا كانت في المعارضة وإلى تغير سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وحياتي يتساوق مع قناعتها واتجاهاتها)".
يخلص ابراهيم العمري إلى أنّ برنامج حزب الرّحمة، في جميع نقاطه، يدل على "ضعف كبير من حيث المستوى وهو يعكس عدم الجدية والمستوى الهزيل لمكونات هذا الحزب من حيث القاعدة المنتمية إليه بل لم يكلف الحزب نفسه عرض هذه الأفكار على أي جهة لصياغته صياغة علمية ودقيقة وسليمة من حيث اللغة والتبويب في شكل محاور، ومن الغريب عدم إشارة جميع نقاط المشروع إلى هيكلية الحزب المحددة للمبادئ التنظيمية والفكرية والاجتماعية والنظام الداخلي".
وأضاف: "إنّ الدّراسة الموضوعيّة لبرنامج الحزب تعطي انطباعا قويّا بأنّ الحزب هو أشبه بحلقة تضم مجموعة من المريدين متحلّقين حول زعيم يقود الحلقة، حيث شاء ويتحدّث كيف ما شاء دون رقيب أو العودة إلى ضوابط تنظيمة"، وفق تعبيره.
وعلى الرغم من ندرة المراجع الفكرية والسياسية، لحزب "الرحمة" صاحب إذاعة القرآن الكريم، إلا أن قدرته على الحصول على أربعة مقاعد بخطاب ديني بسيط، يؤكد مرة أخرى، أن الدين يظل فاعلا سياسيا مهما في تونس، ورسالة ملموسة على فشل كل خطب التنوير والتحديث التي رمت لدق أسافين بين الخطاب السياسي والهوية العربية الإسلامية لتونس، وهو ما يدعو مرة أخرى إلى مراجعة العلاقة بين الدين والسياسة لتقديم فهم أكثر علمية وموضوعية، لهذا الارتباط غير القابل للاستئصال بشكل جذري، لا بل إن صناديق الاقتراع كلما عاد العرب إليها إلا وأفرزت نتائج تؤكد غلبة البعد الديني عن غيره من الأبعاد السياسية.
ولقد كشفت الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة عن مفاجآت انتخابيّة كثيرة أبرزها تولّي أستاذ القانون الدستوري السابق بالجامعات التونسية قيس سعيّد كرسي الرئاسة رغم افتقاده للتجربة السياسية والجمعياتيّة، وهزيمة برلمانيّة مدوّية لأحزاب تاريخيّة مقابل صعود أخرى ومنها حزب الرحمة موضوع الدراسة، وهو ما يفرض الحاجة الماسة لدراسات اجتماعيّة تفسر العوامل المتحكمة في العملية الانتخابية.
الفنان والسياسة بتونس.. جدل صناعة القيمة والتوظيف الانتخابي
شيعة المغرب.. ممانعة الواقع وانسداد الأفق (2من2)
شيعة المغرب.. ممانعة الواقع وانسداد الأفق (1 من 2)