لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية ،واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.
لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.
يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.
اليوم يقدم العضو المؤسس في حركة "رشاد" الجزائرية الديبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت، يقدم رؤيته لتجربة إسلاميي الجزائر السياسية قبل وبعد انتخابات العامي 1990 و1991.
زيتوت: إسلاميو الجزائر ارتكبوا أخطاء سياسية فادحة
رأى العضو المؤسس في حركة "رشاد" الجزائرية الديبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت، أن "الحديث عن إسلام سياسي واحد في الجزائر، غير دقيق"، وأكد أن المنتسبين سياسيا للإسلام في الجزائر ارتكبوا أخطاء فادحة بعضها ناجم عن ضعف في التجربة السياسية، وبعضها الآخر بسبب سياسة الاستئصال التي اعتمدتها أجهزة الدولة ضدهم".
تيارات متعددة
وقال زيتوت في حديث خاص مع "عربي21": "الحديث عن إلإسلاميين ككتلة واحدة، ليس صحيحا، الإسلاميون الجزائريون مشارب متعددة ومتنوعة، تبدأ من الذين ينتسبون إلى القاعدة والفكر الجهادي المسلح، إلى المداخلة الذين يقدسون الحاكم، وبينهما أطياف وأقوام بعضهم تحالف مع الدبابة التي أسقطت الإرادة الشعبية، ووجدنا أناسا أمسكوا العصى من الوسط وشاركوا الطغاة مجالسهم النيابية والبلدية المزورة، فنحن نتحدث عن أطياف إسلامية متعددة ومتناقضة".
وأكد زيتوت، "أن تجربة الإسلاميين الجزائريين السياسية هي في الإجمال سيئة، لأنه لا الذين استعملوا السلاح نجحوا ولا الذين ساندوا العسكر وانقلبوا على المسار الديمقراطي نجحوا، ولا الوسطيين تمكنوا من تحقيق أي إنجاز".
واعتبر الديبلوماسي الجزائري، أن مشاركة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي تكتل لتوجهات دينية متعددة، في الإنتخابات البلدية عام 1990، والتشريعية عام 1991، كانت خطوة في الإتجاه الصحيح، وأنهم مارسوا السياسة حتى أن الأمم المتحدة، اعتبرت أن سجن علي بلحاج وعباسي مدني كان خطأ، لأنهم لم يرتكبوا ما يستحق ذلك".
خطاب واضح
إلا أن زيتوت، انتقد خطاب بعض قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي قال بأن أطلقوا شعارات سياسية أشاعت الخوف في المشهد السياسي من قبيل: أن الديمقراطية كفر، ولا قانون لا دستور قال الله قال الرسول، استخدمها خصومهم ونفخ فيها من أجل تأليب القوى النافذة في الدولة ضدهم.
وأضاف: "لكن على الرغم من الحملة الإعلامية المغرضة ضد إسلاميي الجبهة إلا أنها تمكنت من الفوز بالإنتخابات البلدية عام 1990 والتشريعية عام 1991، لأنها اعتمدت خطابا راديكاليا ضد السلطة، ومتصالحا مع هوية الجزائر وتاريخها الإسلامي".
وأشار إلى أن "وضوح الخطاب وحدته هي التي مكنت الجبهة من الفوز بالإنتخابات على خلاف قوى إسلامية أخرى يقودها فاعلون إسلاميون كبارا مثل الشيخ محفوظ نحناح والشيخ عبد الله جاب الله، حيث لم يفز تيار أي منهما بمقعد في تلك الإنتخابات".
وتابع: "في الاتجاه الآخر كانت هناك تيارات علمانية تعمل على الإطاحة بالنظام لكنها كانت تؤمن بالقطيعة المزدوجة، مع النظام ومع هوية الجزائر، هذه أيضا لم يخترها الشعب الجزائري".
انقلاب ثلاثي الأبعاد
ورأى زيتوت أن "الانقلاب على المسار الانتخابي عام 1992 لم يكن فقط ضدّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وإنما أيضا كان انقلابا على الرئيس المنتخب وعلى الدستور".
على صعيد آخر رأى زيتوت أن تيار الإخوان المسلمين في الجزائر، كان متعدّد التمثيل، وقال: "هناك الإخوان المحليون يمثلهم عبد الله جاب الله، وكان هناك تيار آخر يمثله الراحل الشيخ محفوظ نحناح المرتبط بالتنظيم الدولي، وقد عُرف هذا الأخير بمقولة "رحم الله الدبابة التي حمت الديمقراطية"، وتحالف مع الجنرالات، وهناك من عناصر حركة حمس يومها من غادروا تيار نحناح وبعضهم حمل السلاح لأنهم رأوا أن ما تعرضت له الجبهة كان ظلما".
وأضاف: "الخط العام الذي مثّله نحناح ومن معه كان متحالفا مع النظام، بعضهم دخل في مجلس انتقالي وتحالفوا مع النظام، وحدثت اغتيالات لبعض رموزهم، وموقفهم إجمالا كان بائسا برأيي".
ووفق زيتوت فإن "هذا النهج الذي لجأ إليه إخوان الجزائر والقائم على أن الغاية تبرر الوسيلة، ضحى بالمبادئ من أجل البقاء والمشاركة السياسية الصورية، وأنهم دخلوا في بعض الحسابات لم يتراجعوا ولم يعتذروا عنها حتى عندما اكتشفوا خطأهم فيها"، مشيرا إلى أن "ذلك هو طبع بعض الإخوان كما جرى مع القياديين في إخوان مصر الدكتور كمال الهلباوي والدكتور عبد المنعم عبد الفتوح في علاقتهما بقائد الإنقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي".
نحناح دفع حياته ثمنا لنهجه
وذكر زيتوت أن "نحناح دفع ثمن موقفه المهادن للانقلاب حياته"، وقال: "لقد شارك نحناح شخصيا في الإنتخابات عام 1995، ولكنه حينما أراد أن يترشح عام 1999 في الإنتخابات الرئيسية منعوه من ذلك، بدواعي لأنه لم يشارك في ثورة التحرير الوطني، وقد قيل بأن وفاته كانت في جزء منها بسبب صدمته من موقف قادة السلطة من رفض مشاركته في الإنتخابات الرئاسية".
وأشار المعارض الجزائري، الذي اختار العاصمة البريطانية لندن كمنفى اختياري بعد أن ترك وظيفته الديبلوماسية عام 1995، إلى "أن تيار جاب الله أيضا وإن كان لم يشارك في الحكومة إلا أنه شارك في انتخابات النظام، أي أنهم قبلوا بالنظام كما هو، وكانوا يريدون الحفاظ على الهيكل مع إدخال إصلاحات".
وعما إذا كان فشل الإسلاميين في الحكم والمعارضة يعني عمليا أنه لا مستقبل للإسلام السياسي في الجزائر، قال زيتوت: "الإسلام كعقيدة يستلهم منها الناس المواقف السياسية والمبادئ سيستمر، وسيكون أكثر انتشارا، لكن إذا نظرنا إلى الأحزاب التي تتحدث باسم الإسلام بعد التسعينات من القرن الماضي، فإن التاريخ سيحاسبها حسابا عسيرا".
وأضاف: "سيبقى الإسلام هو مستقبل الجزائر بشرط أن يتفادى العاملون له الوقوع في أخطاء الماضي، ويعتمد قادته على المفهوم الحضاري للإسلام ولا يختزلونه في بعض الطقوس الشكلية، وإنما يربطونه بالمبادئ والقيم الكبرى المتمثلة في العدل والكرامة الإنسانية التي هي أساس أي عمران مأمول"، على حد تعبيره.
بانوراما الحركات الإسلامية الجزائرية.. النشأة والمآلات
الجزائر.. السلطة تتعايش مع الإسلاميين بعد استبعاد "الإنقاذ"
تونس.. "النهضة" قدمت نموذجا في القبول بالآليات الديمقراطية