نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للمحامي والدبلوماسي كيث هاربر، والمستشار السابق لأوباما ستيفين مومبر، يقولان فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجهت ضربة لمؤسسة متعددة الأطراف هذا الشهر، عندما قطعت مساعداتها لوكالة غوث اللاجئين الأونروا، التي قدمت المساعدات الإنسانية الضرورية للاجئين الفلسطينيين منذ عام 1950.
ويتساءل الكاتبان قائلين: "ما الذي سيقع تحت المقصلة لاحقا؟ نخشى أن يكون مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، حيث وجهت سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هيلي، النقد اللاذع للمجلس، وجعلتها في لب سياسة الحكومة الحالية تجاه الأمم المتحدة، فحتى قبل أن تنسحب من يونيسكو، وتدير ظهرها للاتفاق العالمي بشأن الهجرة برعاية الأمم المتحدة، وتهاجم الأونروا، كانت إدارة ترامب قد هددت بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان في جنيف إن لم يستجب لمطالب أمريكا، ويريد البيت الأبيض من المجلس أن يشدد من إجراءات الانتخابات؛ لجعل انضمام الحكومات المتعسفة أصعب، وللتخلص من بند على الأجندة يميز إسرائيل لمستوى فريد من الانتقاد".
ويجد الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، أن "المشكلة ليست فيما تريده الإدارة من المجلس (فندعم كليهما) لكن الطريقة التي اختار فيها ترامب أن يضغط فيها على المجلس بالتهديد بالمغادرة، فهذه الاستراتيجية لن تنجح، وستسبب بالضرر لكل من المجلس والسياسة الأمريكية، بشأن حقوق الإنسان، وذلك للأسباب الخمسة الآتية:
- سيشكل انسحاب أمريكا من المجلس هدية للديكتاتوريين والحكام الأقوياء، فلا ينظر في مجلس حقوق الإنسان إلى مغادرة أمريكا للمنظمة على أنه تهديد، بقدر ما هو فرصة للكثير من الحكومات الاستبدادية المستعدة لسد الفراغ، فقبل انضمام أمريكا للمجلس، وتعيين سفير متفرغ عام 2010، فإن كلا من الصين وكوبا وباكستان كانت هي التي تتحكم في المجلس، ومنذ ذلك الوقت ساعد وجود أمريكا بإمكانياتها الدبلوماسية الضخمة على إبقاء المستبدين في مكانهم، وإن غادرت أمريكا فستعود جنيف ملعبا للأقوياء.
- سيقوض انسحاب أمريكا الأعمال الجيدة التي قام بها المجلس، فاستراتيجية القطع والانسحاب لن تمنح أعمالا مهمة يقوم بها المجلس فترة كافية للتخلي عنها، وسيجد المجلس صعوبة في الاستمرار فيها، إن سحبت أمريكا مشاركتها ودعمها.
ويقول الكاتبان إنه "لضرب بعض الأمثلة على ذلك فقط، فإن المجلس أدى دورا مهما في وضع معاملة رئيس كوريا الشمالية لشعبه على الأجندة الدولية، بالإضافة إلى أن المجلس عين مقررا خاصا لحقوق الإنسان في إيران، وعندما منعت الصين وروسيا مجلس الأمن من فعل شيء تجاه سوريا، قام المجلس بتشكيل لجنة توثق الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد وتنظيم الدولة كلها، وبالإضافة لذلك فإن المجلس اتخذ خطوات تدعم المحاسبة من ميانمار إلى ليبيا إلى بورنداي، كما قام المجلس بأعمال مهمة، حيث صدرت عنه قرارات تاريخية حول حقوق المثليين ومساواة الجنسين، فيعترف بكرامة الشعوب التي تحاول حكوماتهم حرمانهم منها".
ويتساءل الكاتبان: "فما هي أهمية هذه الأعمال؟ لهذه الأعمال أهمية كبيرة، بحسب ممثلي المجتمع المدني في أنحاء العالم، حيث يعطي جهدهم أملا وشرعية، فأعمال المجلس تسلط الضوء على الديكتاتوريين والمجرمين، وتجعل هناك ثمنا سياسيا للأنظمة القمعية، ما يجعل تلك الأنظمة تضغط بشده في الاتجاه المعاكس عندما يضعهم المجلس تحت الضغط".
- ليس هناك بديل حقيقي لمجلس حقوق الإنسان، فيبدو أن استراتيجية إدارة ترامب تفترض أنه سيكون هناك العديد من المؤسسات متعددة الأطراف التي تستطيع أمريكا العمل معها لتحسين حقوق الإنسان، إن هي تركت المجلس في جنيف، وتحدثت هيلي في تعليق لها في حزيران/ يونيو 2017 عن "أماكن أخرى" يمكن لأمريكا أن تتوجه إليها.
ويعلق الكاتبان قائلين إنه "من الصعب رؤية تلك الأماكن في منظومة الأمم المتحدة، ففي مجلس الأمن تملك كل من روسيا والصين حق الفيتو، وفي الجمعية العامة، حجم كتل التصويت يشكل عائقا أكثر منه مساعدة لجهود تحسين حقوق الإنسان، وبالمقارنة جنيف مكان جيد للقيام بذلك".
- إن كنت تريد مساعدة أصدقائك يجب عليك أن تحضر، حيث حققت أمريكا نجاحا أكبر في الدفاع عن أصدقائها في جنيف، عندما كانت حاضرة أكثر منه عندما غادرت، وأحد الأسباب أن على برنامج المجلس هناك بند قائم يركز على إسرائيل، وهو أن أمريكا جلست على الهامش عندما كان يتم التفاوض على ذلك البند عام 2006، وأحبت إدارة أوباما أن تشير إلى أنه قبل الانضمام للمجلس عام 2010 كانت هناك 6 جلسات خاصة ركزت على إسرائيل خلال ثلاث سنوات ونصف، لكن بعد أن انضمت أمريكا للمجلس، وعينت سفيرا متفرغا له، فإنه لم تكن هناك سوى جلسة واحدة تم فيها التركيز على إسرائيل خلال سبع سنوات.
- مصداقية أمريكا فيما يتعلق بحقوق الإنسان وصلت إلى أدنى مستوياتها، وتحتاج أمريكا إلى مجلس حقوق الإنسان لإيصال الرسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، التي لا تستطيع هي نفسها إرسالها بشكل فعال، ولم تكن إدارة ترامب منتظمة في نهجها لحقوق الإنسان، وقوضت الإمكانيات في إيصال الرسائل، بما في ذلك من خلال جهود وزير الخارجية ريكس تيلرسون الربيع الماضي للفصل بين "القيم" و"السياسة"، والمذكرة المسربة من أحد كبار مستشاريه، التي ذكر فيها أن على أمريكا أن تحتفظ بانتقاد أوضاع حقوق الإنسان لأعدائها.
ويجد الكاتبان أنه "بناء على ذلك، فإن انتقادات حقوق الإنسان القادمة من واشنطن أصبحت لا تحمل وزنا، خاصة عندما توجه لبلد مثل إيران، وخاصة أن علاقتها معها سيئة، وربما يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت هيلي تطالب في أوائل هذا الشهر مجلس حقوق الإنسان في جنيف أن يعقد جلسة خاصة حول تعاملها العنيف مع المتظاهرين".
ويقول الكاتبان: "نحن لا نقول إن على أمريكا أن تتخلى عن جهود الإصلاح، فإصلاح الإجراءات الانتخابية في المجلس، والتعامل مع الانحياز البنيوي ضد إسرائيل، سيجعلان من المجلس مؤسسة أقوى وأكثر فعالية لفرض حقوق الإنسان، لكن إن كانت أمريكا جادة في الإصلاح فعليها اطلاق حملة دبلوماسية، بحسب جدول زمني واقعي، بحيث يشكل هذا ضغطا (أقوى من تهديد المغادرة)، بالإضافة إلى التفاعل المستمر على مستوى عال".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن "على أمريكا أن تكون مستعدة للتقدم بالتدريج، فيمكن لأمريكا مثلا أن تسعى لإقناع الشركاء التقليديين بالموافقة طوعيا لإجراءات تحقق تقدما لأهدافها في وقت تبني فيه الدعم لتحقيق تغييرات أكثر رسمية وأكثر متانة، وبالتأكيد يمكنها فعل المزيد بترشيح أشخاص لهم سجل قوي في مجال حقوق الإنسان".
نيويورك تايمز: كيف سخر بينس زيارته للمنطقة للمصلحة الذاتية؟
نيويورك تايمز: ما نتائج حماس ترامب الزائد تجاه إسرائيل؟
نيويورك تايمز: هل تنقل واشنطن سفارتها للقدس بحلول عام 2019؟