صحافة دولية

فورين بوليسي: هل يمكن لإيران السيطرة على الشرق الأوسط؟

فورين بوليسي: لا يمكن لإيران الهيمنة على الشرق الأوسط- أرشيفية

هل يمكن لإيران السيطرة على الشرق الأوسط؟ وهل لديها فعلا القدرات العسكرية والمالية لحكم العالم العربي، وهي التي تعاني من مشكلة اقتصادية وتظاهرات، وتملك أسلحة قديمة يعود معظمها لعهد الشاه محمد رضا بهلوي؟ وهل الهوس الأمريكي بإيران مبرر فعلا؟ ولماذا يجب على الولايات المتحدة أداء دور الموازن للعبة القوة في المنطقة؟ 

 

هذه التساؤلات كانت محور مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستيفن أم وولت، ينتقد فيه استراتيجية دونالد ترامب في إيران، التي تقوم على وقف التأثير الإيراني في المنطقة، وهو ما بدا من هجوم وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس وسفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي، على نشاطات إيران. 

 

ويجد الكاتب أن "ترامب وفريق المساعدين له تبنوا الفكرة التي ترى في إيران قوة هيمنة تريد السيطرة على الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج الغنية، وهو ما يفسر الدعم الثابت للسعودية، بما في ذلك المصادقة (التكتيكية والواضحة) على ما قام به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من إجراءات في الداخل، ومحاولاته التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، ورفض ترامب المصادقة على الاتفاقية النووية في تشرين الأول/ أكتوبر". 

 

ويعتقد وولت في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "إيران ليست في طريقها لأن تصبح قوة إقليمية، وتبني المسؤولين هذه الفكرة الهستيرية الخطيرة هو تعبير عن خطاب الولايات المتحدة في السياسة الخارجية الهجومي أكثر من التحدي الحقيقي الذي تمثله إيران". 

ويقدم الأستاذ مقارنة بين قدرات إيران العسكرية وجيرانها والفوارق الديمغرافية والطائفية التي تقف أمام محاولات إيران من السيطرة بشكل كامل على المنطقة. 

ويشير الكاتب إلى أن عدد سكان إيران هو 85 مليون نسمة، ودخلها القومي السنوي 400 مليار دولار، ونفقاتها العسكرية 16 مليار دولار، وقدراتها العسكرية، بما في ذلك الحرس الثوري، لا تزيد على 520 ألف جندي، وبعضهم مجندون لم يحصلوا إلا على تدريب فقير، لافتا إلى أن دباباتها ومعظم ترسانتها العسكرية تعود إلى عهد الشاه، وهي في حالة فقيرة.

وتنقل المجلة عن المحلل العسكري المخضرم أنتوني كوردسمان، قوله في عام 2010: "فقدرات إيران العسكرية التقليدية محدودة جدا، وتعتمد على أسلحة قديمة ذات نوعية متدنية.. وقواتها ليست منظمة لتظهر قوة عسكرية جدية في منطقة الخليج". 

 

ويلفت وولت إلى أن عدد سكان السعودية ومصر وإسرائيل والأردن والإمارات يزيد على 100 مليون نسمة، وبدخل سنوي يصل إلى تريليون دولار، أما النفقات العسكرية مجموعة فهي خمسة أضعاف النفقات العسكرية لإيران، مشيرا إلى أن لدى هذه الدول المال لتشتري دبابات "أبرامز" ومقاتلات "أف-15".

 

ويذكر الكاتب أن إسرائيل تعد من الدول النووية، مبينا أنه في حال تعرضت هذه الدول لهجوم إيراني، فإنها ستجد دعما من الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها. 

 

ويستدرك وولت قائلا: "قد يناقش المعادون للجمهورية الإسلامية أن المشكلة ليست في هذه الحقائق، لكن في اعتماد طهران على الجماعات الوكيلة". 

 

ويعترف الكاتب بأن إيران دعمت في السنوات السابقة قوى محلية، بما فيها حزب الله اللبناني ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، والمليشيات العراقية، والحوثيين في اليمن، ما منحها تأثيرا في المنطقة. 

ويعلق وولت قائلا: "لكن علينا ألا ننسى الأخطاء الفادحة للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، الذي أطاح بالرئيس العراقي صدام حسين، التي أعطت إيران القدرة على التأثير".

إلا أن الكاتب يعتقد بعدم قدرة النظام الإسلامي على الهيمنة لعدة أسباب؛ "منها أن الجماعات المحلية لا تنصاع كليا لأوامر إيران، وقد تنحرف عن السياسة الإيرانية عندما تتعارض مع أجندتها، ومن هنا فإن حديث البعض، مثل هنري كيسنجر، عن إمبراطورية فارسية جديدة لا معنى له".

وينوه وولت إلى أنه "على خلاف ذلك، فإن حلفاء إيران في المنطقة عانوا من نكسات جعلت من طهران تنفق الكثير على السلاح، وافرغت خزينتها المالية لدعم الجهود، بالإضافة إلى أن انتصار الأسد يظل فارغا؛ لأنه يحكم بلدا مدمرا، ودفعت النشاطات الإيرانية إلى ظهور تعاون تكتيكي بين إسرائيل ودول الخليج ضد طهران".

 

ويذهب الكاتب إلى أن "العامل الطائفي مهم في التقليل من قدرة إيران على قيادة المنطقة، فهي دولة شيعية تريد حكم منطقة غالبية سكانها من السنة، ويضاف إلى هذا أن إيران هي دولة فارسية، ولن تجد دعما من العرب أو أي دولة عربية للسيطرة على المنطقة".

ويقول وولت إن "إيران، التي عانت على مدى العقدين الماضيين من عقوبات اقتصادية وحروب إلكترونية وتمويل خارجي للجماعات المعادية لها، وتهديدات من اليمين المحافظ، الذي أكد عام 2003، وبعد إسقاط صدام حسين، أن الملالي في طهران هم الهدف التالي، وبناء على هذه الظروف فقد عملت إيران كل ما يمكنها لإحباط هذا الهدف، وهل كنا نتوقع سكوت إيران وأقوى دولة في العالم تحضر للإطاحة بنظامها؟".

ويرى الكاتب أنه "بموجب هذا المنطق والتهديد الخيالي فإن على إدارة ترامب أن تعود للدور التقليدي الذي كانت الولايات المتحدة تؤديه في المنطقة بصفتها موازنا للقوة، بدلا من منح السعودية وإسرائيل صكا مفتوحا لمواجهة (هيمنة إيرانية خيالية)، بل يجب على واشنطن أن تسعى إلى إيجاد علاقات أكثر توازنا مع دول المنطقة جميعها، بما في ذلك إيران".

ويبين وولت أن نهجا متوازنا سيؤدي إلى التعاون حول قضايا تهم الأمريكيين والإيرانيين مثل أفغانستان، مشيرا إلى أن "منظور علاقات جيدة مع الولايات المتحدة سيقدم لطهران حوافز لتغير من مواقفها، فالمحاولات الأمريكية السابقة لعزل نظام الملالي دفعهم لأداء دور المخرب بنوع من النجاح". 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "نهجا كهذا سيدفع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة للتفكير مليا وعدم الاعتماد على الدعم الأمريكي وكأنه أمر واقع، بل سيشجعهم على بذل الجهود لإرضائها".