سارت عملية انتخاب دونالد ترامب لرئاسة أمريكا ضمن سياق الاتجاه العالمي نحو القومية
اليمينية. وهذا الاتجاه يجري ضمن سياق الاستياء العالمي من وضع راهن قامت بإدارته على مدى عقود الأحزاب السياسية المنتمية ليسار الوسط.
ففي فرنسا، حيث ستجري انتخابات في العام المقبل، نجد أن فرانسوا هولاند أصبحت لديه شعبية أقل من جورج دبليو بوش، وهو في الدرك الأسفل من شعبيته. والجبهة الوطنية (وهي الحزب المعادي لأوروبا، والمعادي للمهاجرين وللمسلمين، والشديد العنصرية، اليميني المتطرف) تعتبر الحزب السياسي الأكثر شعبية في فرنسا، ومن المتوقع أن تفوز بما لا يقل عن 40% من الأصوات في الانتخابات المقبلة، ما سيشهد سيطرة الفاشيين الجدد على الحكومة.
أما في إيطاليا، فسيكون هناك استفتاء على الدستور في 4 كانون الأول/ ديسمبر، ومعظم الإيطاليين يرون هذا الاستفتاء بمثابة تصويت لصالح أو ضد سلطة بروكسل. وقد تناقلت الأخبار قول رئيس الوزراء ماتيو رينزي إنه سيستقيل من منصبه إذا رُفِض اقتراح الاستفتاء هذا، وطبعا سيتم رفضه، وبالتالي ستضطر إيطاليا لإجراء انتخابات. في جميع الاحتمالات، فإن هذا سيؤدي إلى سيطرة الجناح اليميني على السلطة.
إدارة أنجيلا ميركل في ألمانيا أيضا في غاية الهشاشة، وستسقط على الأرجح العام المقبل، ومرة أخرى، ستستبدل بها حكومة قومية يمينية متطرفة.
أحزاب اليمين أقل قدرة على جني ثمار السخط الشعبي في المقام الأول؛ لأنها تتعرض للهجوم بلا هوادة من قبل أحزاب وسط اليسار. فقد تم استبعاد بيرني ساندرز في الولايات المتحدة من قبل حزبه، والأحزاب اليسارية الأوروبية الكبرى كانت هي المعارضة الرئيسية للسيريزا في اليونان وحزب البوديموس في إسبانيا، وهلم جرا.
ولكن، كيف سيؤثر هذا التحول إلى اليمين على المسلمين؟
الإجابة واضحة على هذا السؤال، وهي أنه سيجعل حياتهم أكثر صعوبة بكثير. وبصراحة، أنا أتوقع أننا سنبدأ في أمتنا عهدا جديدا من العلمنة (وهذا لعدم وجود مصطلح أفضل). الدعوة للإسلام السياسي ستصبح خطيرة للغاية، والمزيد من الناس سيشعرون أنه من الحكمة أن يتم تقديم تنازلات والاستسلام لبنية سلطة ستكون أكثر وأكثر وحشية.
ولكن اللوم الحقيقي لهذا -في رأيي- لا يمكن أن نلقيه على كاهل اليمين المتطرف، ولكن على
الإسلاميين أنفسهم، فهم المسؤولون، سواء كنا نتحدث عن جماعة الإخوان المسلمين على جانب من الطيف، أو داعش على الجانب الآخر، فقد فشلت أصوات الإسلام السياسي فشلا ذريعا في تقديم برنامج واضح وبناء قادر على مجابهة الواقع. وفي غياب أي سياسات واضحة وخطط شاملة، ليس من الواقعي أن ننتظر من الناس أن يقفوا لمواجهة المخاطر الحقيقية التي تنطوي عن الدعوة للإسلام السياسي.
أما داعش، كمشروع إقليمي، فقد انتهى بشكل أساسي! وسيواصل بلا شك النضال من خلال هجمات إرهابية على نطاق صغير ومن خلال نشر فروع له في جميع أنحاء العالم، ولكن هذا سيدفع الناس بعيدا عن المفاهيم التي يدافعون عنها، بكل بساطة؛ لأن: 1) الناس ستضطر إلى النأي بأنفسهم عن مثل هذه الأفكار من أجل سلامتهم، و2) لأنه، في نهاية المطاف، هذه الهجمات الإرهابية ليست فقط عديمة الفائدة في الترويج للأفكار التي ينادي بها أصحابها، ولكنها أيضا عديمة الفائدة فيما يتعلق بالقضايا الحقيقية التي تؤثر على حياة الناس.
نحن مقبلون على عصر لن تتسامح فيه الناس مع الشعارات الفارغة، وفي الوقت ذاته سنجد فيه أن الأناس منفتحون تماما على التغيير الجذري. ويجب أن تكون هذه فرصة رائعة للإسلاموية كي تحصد النصر، ولكن للأسف، أنصار الإسلام السياسي فشلوا في القيام بالعمل الفكري الخطير الذي من شأنه أن يجعل منه بديلا عمليا؛ إما للوضع الراهن، أو لليمين المتطرف. لهذا، فأنا أتوقع أن تتضاءل أهمية المشروع الإسلامي سنة بعد سنة، وبالتالي ستتحول الشعوب في كل مكان لإيجاد حلول بديلة. وعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا!