مقالات مختارة

المفارقة بين شوارع الخليل وباريس

بسام بدارين
1300x600
1300x600
كتب بسام البدارين: لا أعرف سببا من أي نوع يدفع لتبرير الإرهاب الدموي المنفلت الذي استهدف الأبرياء في باريس لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية السياسية ولا حتى من الناحية التاريخية فضرب خواصر رخوة في أي مكان وقتل أبرياء سلوك يندى له الجبين ويتميز بالجبن الشديد ومعناه أن الموتورين لا يستطيعون في الواقع مواجهة المؤسسة الفرنسية في ساحات القتال التي تخصهم.

دور حكومة فرنسا نفسها تاريخيا سيئ جدا بالنسبة لنا نحن معشر العرب والمسلمين ودور الحكومة نفسها اليوم لعوب وأجنداتي ويعبث بكل الأطباق لكن ذلك بكل الأحوال لا يبرر قتل أبرياء لا ذنب لهم بشيء ولم يستشرهم أحد وتجمعوا لحضور مباراة بكرة قدم أو بحفل موسيقي.

كمسلم أشعر فعلا بالخجل من الإساءات البالغة لديني ولتراثي التي تنتج عن استثمار شعارات إسلامية في توجيه عمليات قتل مجنونة منفلتة لا هدف نبيل لها ولا علاقة لها بالمقاومة ففرنسا تضرب في مالي أو سوريا والرد عليها يكون في الشوارع الرخوة وبعمليات مجنونة ضد الأبرياء تلك ليست فحولة جهادية ولا معنى لها.

أشعر بالخجل لأن من ارتكب ويرتكب هذه الأفعال الشيطانية في دول الغرب "الكافر" يفعلها باسمي واسم ديني وفي الوقت الذي لا تستشير فيه حكومة فرنسا المواطن العربي والمسلم عندما تقرر وتتصرف في العالم والمنطقة لا يسألني كمسلم أي إرهابي أو متطرف ولا يستشيرني ولا يحصل على موافقتي على مثل تلك الأفعال.

قلت شخصيا ولا زلت أقول: أشك بأن الأجندات والجهات التي تدعم وتمول الإرهاب والأفعال القبيحة إسلامية فعلا وأشك بان الهدف الأعمق هو الإساءة للإسلام وللدين… على الأقل هذا ما يحصل واقعيا بعد إنتاج كميات كبيرة من الكراهية عند الشعوب غير المسلمة ضد المسلمين.

ثمة ملايين المسلمين تمأسست مصالحهم في الغرب.. طلاب ومرضى ومناضلون هاربون من جحيم النظام الرسمي العربي ورجال أعمال.. هؤلاء جميعا ضحايا بدرجة لا تقل عن الضحايا المباشرين لاعتداءات باريس الأخيرة ومن يدعي أنه يمثل قيم الإسلام بائس وهو يدبر ويخطط يسقط من حساباته تماما مصالح ملايين المسلمين والتأثير السيئ على مصالحهم الأساسية بعدما تمكنوا من مغادرة جنة النظام الرسمي العربي المفعمة بثنائية الفساد والاستبداد.

هذا الإرهاب لا يمكنه أن يكون "إسلاميا" لأن ضحاياه مسلمون على الأرجح وبأعداد كبيرة وكل القواعد الشرعية التي تربينا عليها تقول بحرمة دم المسلم على المسلم لكن المنتج الديني المنفلت يقتل وبدم بارد المسلم من أهل السنة قبل غيره من أهل الشيعة أو الأجانب وبالتالي أرفض ومعي ملايين المسلمين ربط مثل هذه الأعمال الجبانة الموتورة باسم ديني وقومي فنحن مع الآخرين وأحيانا قبلهم ضحايا نفس التشدد وقوى الظلام.

لكن قوى الظلام لا تتربى بالعتمة وتنمو وحيدة… ثمة من يؤدلجها ويبرمجها لأغراض وأهداف سياسية أكثر خسة وخبثا من الأعمال الإرهابية المباشرة.

وثمة من يدرب ويمول ويساعد ويساهم في "التمكين" وحتى أتحدث بصراحة أزيد: لا زلت لا أفهم كيف لا يحاسب المواطن الفرنسي أو الأمريكي أو البريطاني حكومته "الديمقراطية" على مساهماتها الغنية في انتخاب وتمويل وتدريب وتمكين المجانين الموتورين من أولادنا ودفعهم دفعا للإرهاب؟.

نرفع صوتنا بالاحتجاج مع المحتجين في الغرب ونستنكر ونشعر بالأسف الشديد وندعو مع الداعين للمواجهة لكن السؤال من أين نبدأ حتى نساهم ثقافيا وتربويا في الحفاظ على المنجز الحضاري الإنساني ونتجاوز مزالق الحروب الدينية المفتوحة.

لا يمكن مقاومة الإرهاب فعلا إلا ببداية صحيحة تعود إلى الجذور وتترك القشور وبتقديري الشخصي تبدأ المواجهة الفعلية بأن يقف المواطن الأمريكي والغربي أولا بالشارع ويسأل حكومته التي انتخبها عن دورها في رعاية "الإرهاب المنتج في الشرق الأوسط" وهنا حصريا نتحدث عن ما يجري في الغرف المغلقة والاستخبارية من تغذية وتسمين لكل موتور يجرح البشرية برغبته في الانتحار والقتل.

أعجب من دافع الضرائب الغربي والأمريكي والأوروبي وهو يمتنع عن توجيه أسئلة بسيطة للمسؤولين الذين انتخبهم فحرافيش السلفية الجهادية في المنطقة بسطاء لا يمكنهم تدبير وتخطيط كل هذا الحجم من الجنون.

الصحافة الفرنسية وبعد ليلة باريس البشعة الأخيرة بدأت تطرق باب الخزان وهي تكتشف بأن المتفجرات المستعملة "فرنسية الصنع".. قد أزيدكم من الشعر بيتا : غالبية تكنيكات الإرهاب الموجه للمدنيين تحديدا "غربية وأمريكية" بامتياز ليس لأن أجهزة الاستخبارات العربية والإسلامية غير مؤهلة ولكن لأنها منشغلة على الأرجح بحماية أنظمتها الفاسدة قبل أي اعتبار آخر.

من يرتكب جريمة ضد المدنيين بهذه البشاعة ثمة من خطط له ودفع المال ووضع بين يديه وسائل ووسائط.. المواد والتقنيات والذخائر والأسلحة وأجهزة الاتصال كلها غربية أو أمريكية الصنع… كيف حصل عليها هؤلاء ولماذا تمتنع شعوب الغرب عن طرح أسئلة من هذا النوع فالعالم الإسلامي والعربي لا يصنع أكثر من أحذية رديئة ورخيصة والتقنيات التي يستعملها الإرهابيون تصنعها شركات أوروبية وأمريكية وكلي عجب من أجهزة الأمن الغربية التي تضع العديد من رموز البيع على منتجاتها فلا تخبرنا من باع ماذا ومتى؟.

ببساطة شديدة يمكن تتبع ولو حبة فستق بيعت من مورد غربي إلى أي شخص أو جماعة فما بالكم بأسلحة وذخائر ومتفجرات وتقنيات اتصال وفوق كل ذلك أشخاص مشتبه بهم وموضوعين على قائمة الرقابة الأمنية الغربية ينجحون دوما في ارتكاب جرائم… فعلا تساؤلات محيرة إلى حد كبير.

لا أميل طبعا للغة الذرائعية التي تنطوي على منهجية المؤامرة لكن مع شلال الدم البريء الذي يستهدف شوارع الخليل وباريس بالتزامن يحق لي كإنسان أعيش في الكرة الأرضية أن أسأل من زاويتي أنا من "التمكين" عن من يمول ويدرب ويغذي ويتاجر بالمعدات والعقول الإرهابية في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل للتحول لدولة يهودية دينية.

(عن صحيفة القدس العربي- 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)
التعليقات (0)