جاء
الهجوم على مؤسسة
الأزهر، مشيخة وجامعة، من قبل بعض الإعلاميين المعروفين بتوجهاتهم الداعمة للانقلاب العسكري، متزامنا مع دعوة رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، إلى ما أسماه بـ" التجديد والثورة في الخطاب الديني"، أثناء كلمته في الاحتفال بذكرى مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
حيث خاطب السيسي مشايخ الأزهر والأوقاف والإفتاء قائلا: "ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها".
ومن المفارقات أن السيسي خاطب المسيحيين المصريين في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بمناسبة أعياد الميلاد قائلا: "مصر على مدى آلاف السنين علمت العالم وما زالت.. وإننا قادرون على تعليم العالم أن الحضارة تنطلق من هنا"، وهو ما يكشف بوضوح انقلاب السيسي على الأزهر، ومحاباته للكنيسة وقساوستها، وهو ما يثير تساؤلات حول العلاقة المستقبلية بين نظام السيسي ومشايخ الأزهر، وهل استنفذت
المشيخة والجامعة أغراضهما من قبل السيسي؟.
الأحزاب تدعو الأزهر لمراجعة مناهجه
كلمات السيسي المتحاملة على الأزهر وجدت صدى لدى الأحزاب المتحالفة مع العسكر، فحزب الوفد وعلى لسان عضو الهيئة العليا عصام شيحة أكد لـ"عربي 21" أن: "الوعي الديني مسؤولية جماعية يتصدر لها في المقام الأول مؤسسة الأزهر، واعتقد أنه أدرك حجم المشكلة، وأن هناك اتجاها للثورة على الموروثات القديمة التي تعتمد على النقل والحشو والمبالغات وتخدم الفكر المتطرف"، في إشارة الى المناهج الأزهرية.
أما رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي فأكد بدوره لـ"عربي 21" أن "الأزهر هو المسئول عن تلك المراجعات في مناهجه للتخلص من ضعف الخطاب الديني، الذي بني على علوم شرعية وفقهية لم يتم تحديثها أو تغييرها منذ قرون".
ولكن رئيس حزب التجمع اليساري السابق الدكتور رفعت السعيد فقد كان أكثر صراحة في اتهام مناهج الأزهر بالتخلف وقلة الوعي.
وأشار رفعت إلى أن "الوعي الديني نتيجة تراكم أخطاء فادحة في نظام التعليم العام والأزهري.
وقال لـ"عربي21": "إنها تمثل انتكاسة حقيقية، فالأزهر بحاجة إلى مناهج جديدة فالكثير من كتبه تثير الدهشة ويستغلها المتطرفون لصالحهم".
الأزهر لم يخرج عن السياسة المرسومة له
ولكن التساؤل المطروح، هل خرج الأزهر عن خطه المرسوم أم انتهى دوره؟، الأمر الذي يعد مبررا للهجوم الذي يتعرض له الأزهر، الذي اشتد بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، النشاط السياسي.
من جهته قال، محمد المهندس لـ"عربي 21": "ما يحدث من هجوم على الأزهر لا يعبر عن اتجاه الدولة، وإنما يعبر عن رأي أصحابهم فقط"، واصفا الأزهر بأنه مجرد "أداة في يد النظام الذي يفتقد لرؤية واضحة، سواء في الخطاب الديني أو السياسي أو الاقتصادي".
بدوره، اعتبر حزب الوطن السلفي أن "الأزهر يدفع ثمن انحيازه للسلطة، ومواقفه المتناقضة قبل ثورة 25 يناير وانقلاب 3 يوليو".
وقال المتحدث باسم الوطن أحمد بديع لـ"عربي 21" :" هناك اتجاه نحو تفريغ الأزهر من مناهجه واستبدالها بأخرى، فهم يريدون أزهرا يخدم مصالحهم، ويبرر أفعالهم".
واستنكر بديع التفريط في دور الأزهر وقال إنه "أحد القوى الناعمة الفاعلة لمصر وللعالم الإسلامي"، لكنه يحسب بديع "تحول إلى مطية للنظام".
مشايخ أداة في يد النظام
أما من داخل جامعة الأزهر، فقد دعت حركة "طلاب ضد الانقلاب" إلى التفرقة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، الذين يرفض معظمهم الانقلاب العسكري، وبين قادة الجامعة والمشيخة التي تعد أداة في يد النظام الحاكم.
وقال المتحدث باسم الحركة محمود الأزهري لـ"عربي 21": "الجيش والشرطة يقومان بالتنكيل بطلاب الأزهر لرفضهم الانقلاب العسكري، وليس لسلطة الجامعة أية تواجد حقيقي، والأمن هو من يدير شؤونها، فهم يخشون من تنامي دور الأزهر في مواجهة الظلم والعدوان ويحاولون تشويهه بأي شكل".
خدمة الشيعة والعلمانية والليبرالية
بينما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة أن "هناك من يريد أن يقوض الأزهر لحساب جهات علمانية أو ليبرالية أو شيعية، بسبب عدم وجود انتماءات دينية لهم".
وقال نافعة في حديث لـ"عربي 21": "المؤسسة الأزهرية مترهلة شأنها في ذلك شأن باقي مؤسسات الدولة، تسرب إليها على مدار عقود الإهمال والفساد"، مشيرا إلى أن "عملية تشكيل الوعي الديني عملية معقدة وطويلة، تتدخل فيها عوامل مختلفة لا بد أن تشملهم ثورة التصحيح جميعا"، محذرا من "تأثير منظومة الإعلام الفاشلة على الوعي الديني".
اعتراف بالقصور ورفض الهجوم
على الجانب الآخر، لم ينكر الأزهر أن مناهجه بها قصور، وأن خطابه ليس متكاملا، إلا أنه يرفض التهجم عليه من قبل كل من "هب ودب" بحسب نائب رئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد حسني.
وقال حسني لـ"عربي 21": "عملية التطوير بدأت في الأزهر وسيتم تطبيقها في جميع مراحل التعليم، وتم تشكيل لجان من قطاع اللغة العربية، وأصول الدين، والشريعة لتطوير المناهج وحذف الحشو الزائد، كحذف الأحاديث التي لا تتناسب مع طبيعة المرحلة".
فيما استنكر نائب رئيس جامعة الأزهر الدكتور توفيق نور الدين "محاولات بعض العلمانيين والشيعة و"من لا دين لهم" النيل من هيبة ومكانة الأزهر من خلال محاربة رموزه وإضعاف دوره".
وقال نورالدين لـ"عربي 21": "الأزهر أول من ينتقد نفسه ويسعى لإصلاح نفسه بنفسه، ومن يتشكك في شرعيته بسبب وجود بعض الإخوان بداخله فهو كغيره من مؤسسات الدولة التي تضم إخوانا أيضا فهم جزء من نسيج المجتمع وستجدهم في كل مكان، ونسعى إلى تطوير مناهجنا كجزء من علاج الداء وتفويت الفرصة على المغرضين".