كتاب عربي 21

تقاليع السيسي الانتخابية!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
عندما يحقق عبد الفتاح السيسي "أحلامه العريضة" ويدخل القصر الجمهوري، يكون فرع في العلوم السياسية قد استكمل بناءه، لننظر بعد ذلك إن كنا سنكتفي به مجرد فرع، أم يتحول إلى علم خاص بذاته، هو الذي أطلق عليه الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، "العلوم السيسية"، وهو الذي ميز مبكراً بينه وبين العلوم السياسية!

عبد الفتاح السيسي، تقدم بأوراق ترشحه لرئاسة الجمهورية، بعد ثلاثة شهور قيل أنه قضاها في صلاة الاستخارة، وبات واضحاً أنه ترك منصب وزير الدفاع مضطراً، فقد غادر "الملاذ الآمن" وترشح بناء على رغبة الجماهير. وهذا ما قاله في لقاء مع زعماء القبائل.

فضحى بنفسه من أجل الشعب المصري، مع أن الشاهد هنا أنه هو من طلب من الجماهير أن تخرج لتأييده، فخرجت ولم تكن بالكثرة المنتظرة. ولم ترسل له عرائض مكتوبة بالدم، وإنما اكتفت هذه الجماهير بالرقص في ميدان التحرير، ففهم أنه المستهدف بالرسالة.

فسيدنا سليمان كان يعلم لغة الطير. وسيدنا السيسي يعرف لغة الجسد!. ولمن لا يعلم فإن هذه اللغة، علم وليست "فكاكة".

لا بأس، فالسيسي ترشح، ولم ينس وهو يترشح أن يدشن فصلاً جديداً في علم، أو فرع، "العلوم السيسية" فقد أوفد محامياً للقيام بالمهمة نيابة عنه. مع أن دور المحامي هو كتابة المذكرات أو الترافع أمام المحاكم، وليس دوره القيام "بالتشهيلات الانتخابية"، لاسيما إذا علمنا أن "المحامي المختار" متخصص في قضايا الدم. والسيسي في هذه اللحظة التاريخية من عمره المجيد يحتاج إلى محام مدني أو على دارية بالقانون الإداري!. فيبدو والله أعلم أن السيسي يتدرب من الآن على التعامل مع السادة المحامين، الذين يستعين بهم الناس في قضايا القتل!.

السيسي اختفى في هذا اليوم التاريخي، من عمره، وتصدر المحامي المشهد، لنكون أمام تقليعة أخرى تمثلت في التعامل مع "التوكيلات" التي حصل عليها من المواطنين،  حيث وضعت في مصفّحة يحلق حولها سرب من الطائرات المقاتلة. وهو أمر كاشف عن حالة الفزع التي تتملك الرجل، وتفسر سر عدم ذهابه بنفسه لتقديم أوراق ترشحه، كما يفعل كل المرشحين "المواطنين". ومنذ اليوم الأول لإعلانه الترشح، والذين يؤيدونه يقولون أن المرشح هو "المواطن" عبد الفتاح السيسي، وليس القائد العسكري عبد الفتاح.. الخ.. مع أن المواطن عبد الفتاح.. الخ كان يرتدي الزى العسكري لحظة إعلانه قرار الترشح!.

الفريق السيسي وهو يعلن ترشحه، كان يرتدي البدلة العسكرية الخاصة بالعمليات، مع أنه كان قد استقال رسمياً، ولو كانت القوانين في مصر قابلة للتطبيق في هذه الحالة عليه، لعوقب عسكريا بتهمة انتحال صفة عسكري حالي.

على ذكر الزي العسكري، فقد كشف لنا السيسي، في فترة زمنية وجيزة هي تسعة شهور ومنذ وقوع الانقلاب في 3 يوليو، أن هناك أزياء عسكرية مختلفة. وكنا ومنذ أن وعينا علي ظهر الدنيا، وحتى مرحلة المشير محمد حسين طنطاوي نظن أن الزي العسكري يتلخص في بدلة معلومة للصيف وأخرى معروفة للشتاء. وفي عهد مرسي تم الإعلان عن أن الجيش غير زيه المتعارف عليه، وقالت إحدى الصحف الموالية للانقلاب قبل وقوعه، إن السبب في ذلك راجع إلى أن حركة حماس استولت علي كميات كبيرة من الأقمشة المستخدمة في صناعة هذا الزي، لارتكاب بعض العمليات الإرهابية في مصر فتقرر تفويت الفرصة عليها بتغيير الزي العسكري المعروف.

وكان هذا في سياق حملة شيطنة حماس، والإساءة لحكم الرئيس مرسي، ضمن الحملة التي تبين أنها كانت تمهد للانقلاب العسكري. وجاء رد الجهات المختصة خجلا بعد أن أدى المنشور الغرض منه، بأن الاتجاه لتغيير الزي كان منذ فترة ولم تقم حماس بالاستيلاء على أقمشة أو غير هذا. قبل أن يتبين  لنا أن  الملابس العسكرية صارت متنوعة وقد شاهدناها كلها على جسد الفريق السيسي، الذي أعلن قرار استقالته وترشحه بالزي العسكري، ولم يمنع هذا أنصاره من الإعلان عن أنه " المواطن" عبد الفتاح السيسي وقد ترشح رئيساً، وقرار الترشح مكفول لأي مواطن. وهي نغمة ذكرتني بعهد المخلوع.

فالذين كانوا يروجون لترشيح جمال مبارك رئيساً، كانوا يعيدون ويزيدون في أن جمال مبارك باعتباره "مواطن مصري" من حقه الترشح!.

"المواطن عبد الفتاح .. الخ .. الخ"، وبعد أن أعلن ترشحه بزي ليس زياً خاصاً بعموم المواطنين، تقدم بأوراق ترشحه عبر محام، وكأن على رجليه "نقش الحنة"، فخشي من المشي عليها إلى لجنة الانتخابات، فلا يمكنه أن يحافظ علي وجود "الحنة" تزين قدميه.
وقبل هذا وبعده، تم وضع التوكيلات في مصفحة، تحلق حولها الطائرات المقاتلة، فهل كان هذا متاحاً للمواطن الفرد، وهل من بين المواطنين المرشحين من يمكنه أن يفعل ما فعله السيسي.. الخ؟!.

لقد بدا واضحاً أن اللجنة العليا للانتخابات كانت تبحث عن قاعدة قانونية تمكن السيسي من أن يتقدم بطلب ترشحه عبر "مرسال"، لأن الرجل الذي تم تقديمه على دراجة في واحد من شوارع القاهرة، المكتظة بالبشر والسيارات، يحتاط أمنياً فيخشى من أن يقدم طلب ترشحه بنفسه، وهو "المواطن عبد الفتاح".. فهل التقطت صوره بالدراجة فعلاً من الشارع؟!

والسؤال المهم هنا: لماذا توقف عن ركوب دراجته؟، فالأصل في ركوب الدراجات أنه هواية؟.. أم أن المسألة كانت لزوم التصوير التلفزيوني؟!

والسؤال الأهم: هل كان المحامي الذي تقدم بطلب ترشح عبد الفتاح السيسي يحمل توكيلاً منه؟!.. وكيف تم تحرير التوكيل له. وهذا يستدعي الانتقال إلى أحد مكاتب الشهر العقاري والتوثيق، أم أنه تم نقل الشهر العقاري إلى حيث يوجد السيسي، وهو ما لا يجوز نقله إلا في حالة عجز المواطن وعدم قدرته على الانتقال إليه، كأن يكون في مرض الموت، وبرسوم خاصة؟!

ولم يتوقف الإبداع عن تقديم طلب الترشح عبر "مرسال" فنحن نعيش تقاليع غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات.. فالأستاذ هيكل يتحدث عن أننا لسنا أمام استحقاق انتخابي ولكننا في مواجهة استحقاق وطني لا يصلح له سوى عبد الفتاح السيسي، وليس لنا حق في أن نطالبه بحملة انتخابية أو برنامج، فإن قام بحملة وقدم برنامجاً فهي "الحسنى وزيادة" باعتبار السيسي "مرشح الضرورة".

لم يكن هيكل لنقص حاد في الثقافة الدينية وهو يتحدث عن "مرشح الضرورة" يعلم أن باب الضرورة في الفقه الإسلامي، يهبط بالسيسي من مرتبة التكريم إلى مستوى التحريم. فالضرورة هي التي تبيح للمضطر أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.

فأيهم السيسي؟
التعليقات (0)