كتاب عربي 21

"حمدين هيعيّد".. نصيبه أم نصيب الإخوان من الأخطاء؟!

سليم عزوز
"القصة ليست الثورة.. ولكن حمدين يتأهل للمرحلة الجديدة"- جيتي
"القصة ليست الثورة.. ولكن حمدين يتأهل للمرحلة الجديدة"- جيتي
هل أخطأ عبد الحليم قنديل عندما وصف حمدين صباحي بـ"الزعيم الموسمي"؟!

قنديل يعرف صباحي جيدا، فهما ينتميان لتيار واحد هو التيار الناصري، لكن اختلفت المصالح بعد الانقلاب العسكري، وكل منهما كان يدرك أنه أداة في منظومة جديدة يجري تشكيلها، فلم يشأ عبد الحليم أن يستمر تابعا لتابع، وقرر أن تكون له شخصيته المستقلة، والأداء هنا وهناك يصب في مصلحة تنصيب الجنرال رئيسا للبلاد، فلماذا يسانده عبد الحليم في مجرد دور يقوم به، وهو يستطيع أن يتعامل مع "الكابل الرئيس"، وهو سيادة الجنرال؟!

وقد أعلن خالد يوسف المقرب أيضا من حمدين أنه حصل على موافقته بأن يتركه ويقف مع السيسي في هذه الانتخابات. فدور "المحلل" لا يحتاج إلى حشد، وكما أن حمدين يبحث عن مصالحه، فمن حقهم أن يبحثوا هم أيضا عن مصالحهم بشكل مباشر وبدون "وسيط" والفرصة سانحة!

ولأن عبد الحليم حاد العبارة، وهو يختلف عن طبيعة خالد يوسف، فقد وصف زعيمه السابق بـ"الزعيم الموسمي"، الذي لا يظهر سوى في "المواسم"، ولا يقوم إلا في المناسبات، ولا يبعث من مرقده إلا للضرورة.

ويبدو أننا في موسم جني القطن، فقد تحرك حمدين ليعلن نصيبه من الأخطاء، وسط زفة من أنصاره الذين اعتبروها خطوة عظيمة، وأداء يليق بقائد، واعترافا لا يقدم عليه سوى العظماء، وكأننا أمام مشهد التنحي بعد هزيمة 1967. لكن حمدين لم يعلن تنحيه، لكنه استلهم تجربة الزعيم الملهم في الإعلان عن تحمله نتيجة الهزيمة كاملة، وهو أمر مفروغ منه بحكم موقعه، فمن يمكن أن يكون مسؤولا عن الهزيمة إلا إذا كان رئيس الدولة، الذي كان في حالة اشتباك خطابي مع إسرائيل، دون أن يعدّ للأمر عدته، ودون أن يقف على أن الجيش في أضعف حالاته، بعد أن أنهكه في حرب اليمن وجعله في حالة انكشاف أمام المخابرات العالمية، وقد حوله خياره الاستراتيجي عبد الحكيم عامر، إلى حزب سياسي توزع بداخله المنشورات السياسية ضد عبد الناصر نفسه؟!

خروج ليس من فراغ:
هذا الخروج الموسمي هذه المرة لا يبدو من فراغ، فهل يعيد الزعيم تدوير نفسه استعدادا لمرحلة جديدة، نشاهد من ملامحها هذا الخوف الظاهر في خطابات أهل الحكم، من شيء ما لا نعرفه

لقد اكتفى الزعيم بإعلان ما هو مفروغ منه بخصوص مسؤوليته عن الهزيمة، دون تفصيل، تماما كما اكتفى حمدين صباحي بإعلان الاعتراف بالعنوان "نصيبي من الأخطاء"، وكما وجد ناصر من يخرجون للشوارع ويطالبونه بعدم التنحي، فقد وجد حمدين من يعتبرون هذا الاعتراف عظَمة، وكأننا في مجال الدعاية لا المحاسبة، مع أن حمدين في الواقع لم يذكر نصيبه حقا من الأخطاء ولكنه ذكر نصيب الإخوان، فهم السبب فيما آلت إليه الأمور، أما هو فأخطاؤه في سياق وجهات النظر ولا يمكن أن تقع على عاتقه وحده، فمن الأخطاء عدم تشكيل مجلس رئاسي، والتسليم باختيار مبارك من يخلفه في الحكم، على غير رغبته هو، ومن الأخطاء ترك الميدان بعد التنحي بإرادة الإخوان مع رفضه هو. إنه نصيب الإخوان من الأخطاء بحسب رؤية حمدين، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. نفس حمدين!

هذا الخروج الموسمي هذه المرة لا يبدو من فراغ، فهل يعيد الزعيم تدوير نفسه استعدادا لمرحلة جديدة، نشاهد من ملامحها هذا الخوف الظاهر في خطابات أهل الحكم، من شيء ما لا نعرفه، ووصل الحال إلى حد أن اثنين من إعلاميي المرحلة نظرا لصورة في مجلة إسرائيلية تجمع الجنرال مع الرئيس الإيراني السابق، على أنها تعني مخططا إسرائيليا لاغتيال الزعيم، وفي لحظة عصيبة اعتبروها تهديدا من ترامب ذاته، الذي جرى تخويفه بأنه سيكون في حرب مفتوحة ضد المصريين جميعا؟!

ليس عندي معلومات، ولا آخذ ما قيل عن المؤامرة الإسرائيلية بمحمل الجد، لكن يبدو أن هناك قلقا، ربما من أشياء لا علم لي بها، فوجد حمدين أن يعيد تقديم نفسه للناس، وفي صورة الذي أخطأ ولأنه كبير فإنه يعتذر عن أخطائه، فأين هي الأخطاء التي اعتذر عنها؟!

هل هي نفسها الإرهاصات التي دفعت لتحول علاء مبارك، والرجل تجاوز موقف أبيه بإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، وكان ثابتا على هذا الموقف على مدى خمسة عشر شهرا، ثم يهاجم الآن حركة حماس، فهل يعيد تقديم العائلة كبديل مناسب للعودة للحكم؟!

ربما لدى علاء مبارك تصورات عن دور حماس في إسقاط حكم أبيه، وقبيل الثورة المضادة في 30 حزيران/ يونيو 2013، انتشرت دعايات سخيفة تشي بأن الثورة فعل إخواني خالص، ساعد فيها إخوانُ غزة إخوانَ مصر، بأن فتحوا السجون، وانتهى الأمر فيما نشرته جريدة "المصري اليوم" عن موقعة المقلاع، حيث استخدم مقاتلو حماس المقلاع وقذفوا المصريين خارج الميدان بالحجارة في يوم موقعة الجمل، وقالت الصحيفة إنها تقدمت ببلاغ للنائب العام حول هذه الموقعة، ولم تتابع البلاغ، فالمراد تحقق ببيان الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو.

كل هذا الإجرام في حق ثورة يناير ولم يدافع عنها حمدين، الذي يقدم نفسه في مراجعاته على أنه ولي أمرها، ورمزها الأوحد، وقد قسم المشهد السياسي في هذه المقالات إلى ثوار يناير ويمثلهم هو، والدولة العميقة، والإخوان الذي لم يشأ أن يحسبهم على الثورة، تلك إذا قسمة ضيزى!

حمدين هيعيّد:

إنه لا يزال على دينه القديم، عندما سقط في الانتخابات الرئاسية، وحدثت الإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، فنادى مناد من جانبه بأن الإخوان إذا أرادوا أن يثبتوا أنهم ينتمون للثورة عليهم التنازل عن الترشيح لرمزها حمدين صباحي ليواجه مرشح دولة مبارك أحمد شفيق، واندفع أنصاره يروجون في كل مكان أن حمدين من سيعيّد! حتى حولنا الأمر إلى نكتة، وكلما التقيت وأصدقائي بدلا من أن نتبادل السلام، نردد: "حمدين هيعيّد"!

ولو أحسنا الظن بأصحاب هذا الطلب لقلنا إنهم يتآمرون لصالح مرشح دولة مبارك؛ ذلك بأن باب التنازلات عن الترشيح يغلق قانونا قبل بدء الدعاية للجولة الأولى، والتنازل بعد ذلك يكون سياسيا لا قانونيا، ولو تنازل محمد مرسي لصالح مرشح الثورة حمدين صباحي، لكان معنى ذلك أن يستمر قانونا مرشحا، مع انصراف الناخبين عنه، لتكون كل الأصوات التي يحصل عليها حمدين حملا خارج الرحم، وضمن الأصوات الباطلة، كتلك التي تشرفت بأنها فازت عليه في الانتخابات الرئاسية التي قام فيها بدور المحلل للجنرال!

وهذا التنازل كان سيمكن الفريق أحمد شفيق بالنجاح بسهولة، فهل هذا ما كان يخطط له "حمدين هيعيّد"؟!

لقد فجّر أحمد شفيق قنبلة من الوزن الثقيل عندما أعلن في جولة الإعادة إن المخرج خالد يوسف جاء إليه نائبا عن حمدين صباحي، لإبرام صفقة معه بمقتضاها أن ينحازوا له مقابل أن يكون صباحي هو نائب رئيس الجمهورية حال فوزه، لكنه اشتراط إعلان التحالف، بينما كان رأي خالد يوسف أن تكون سرية وهو ما رفضه الفريق!

يومئذ نفى أنصار حمدين صباحي ذلك وقالوا إن خالد يوسف في فرنسا وسيرد عليه بعد عودته، الأمر نفسه الذي قاله خالد يوسف: سأرد بعد العودة من باريس!

وقد وضعتُ في هذا الوقت العربة أمام الحصان، وطالبتُ خالد يوسف بالرد عبر منصات التواصل الاجتماعي، كتابة أو ببيان متلفز، فالأمر لا يستدعي التأخير إلى حين العودة لأرض الوطن، وقد صار العالم قرية صغيرة بسبب هذه المنصات، بيد أنه لم يفعل!

وعقب عودته دعوتُه لأن يفي بوعده ويرد على هذا الادعاء، لكنه لم يفعل إلى الآن، مع أنه كان من المتكلمين التلفزيونيين، وربما كان وهو يحل ضيفا على إعلاميي زمن مبارك، وإعلام الثورة المضادة، لا مشكلة بينهم وبين دولة مبارك، ما دام الهدف هو إسقاط الرئيس المدني المنتخب وإجراء انتخابات سريعة يتمكن فيها حمدين من الفوز، وقد يصبح خالد يوسف وزيرا للثقافة أو نائبا للرئيس!

فعشية التجهيز لـ30 يونيو، قال حمدين صباحي لأنصاره إن عليهم ألا يسألوا من يشاركهم الثورة عن انتمائهم للحزب الوطني، فالحزب ليس معركتهم.

الانصراف من ميدان التحرير:

فلم تكن الثورة موضوعه، ولم يكن ممثلها، ولم يكن مخدوعا من جملة المخدوعين الذين تابوا من قريب عندما علموا أنها الثورة المضادة، فقد كان ما يشغله أن يكون رئيسا، الآن وحالا، فالوضع لا يحتمل التأخير، فهذه مرحلة "الطلق" التي تتبعها الولادة!

ولأنه نصيب الإخوان من الأخطاء، وليس نصيب حمدين صباحي منها، فهو يعيد ويزيد في أنه كان ضد انصراف الناس من الميدان بعد تنحي مبارك، لكن الإخوان خذلوه في ذلك، وهو أمر لم أسمع به إلا من خلال هذه المراجعات، وليس عليه شهود، فمن يصلحون لذلك هم في السجون، ولم يطلب حمدين الإفراج عنهم، هل يصدق فعلا أنهم إرهابيون؟! ألم يكونوا حلفاءه؟! وهل صدق الإخوان مع أحد صدقهم معه على مدى عشر سنوات؟!

ما سمعناه بعد ذلك أن الشيخ حازم أبو إسماعيل هو من كان ضد مغادرة الميدان، وفي هذه يمكن لمثلي أن يزايد، لكني لست حمدين صباحي، هل كان عمليا يمكن الاستمرار في الميدان؟!

إن الذين يدعون الحكمة بأثر رجعي يتجاهلون الواقع وقتها، فالأزمة الحقيقية كانت في التسليم التام وبدون مناقشة من كل الفصائل بأن الجيش هو من حمى الثورة، وأنه أجبر مبارك على التنحي، وأنه شريك في الثورة وكان ضد التوريث، وكان يتم التعامل معه على أنه مؤسسة مستقلة تماما وكأن الرئيس ليس هو من يعين وزير الدفاع ورئيس الأركان، وقادة الأسلحة، والمجلس العسكري. والكل صفق لقرار تسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، هل كان لدى حمدين اعتراض؟ فليرنا إياه!

الحديث عن أن الإخوان لم يشاركوا كجماعة من أول يوم لنزع صفة المشاركة منهم، يلزمه التأكيد على أن أحزاب اليسار من أول حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وانتهاء بالحزب العربي الاشتراكي الناصري، لم تدعُ رسميا للمشاركة في الثورة

وهذا فضلا عن أن الميدان بعد التنحي لم يكن حكرا على الثوار وحدهم ليقرروا من خلاله المصير، فقد كانت أغلبيته من أهل الهرج والمرج، من المحتفلين بنجاح الثورة، وربما لم يشاركوا فيها بشطر كلمة، ومع هذه الغوغائية فمن يسمع من؟!

بيد أن ما حدث بعد أيام قليلة، أن شبابا جاءوا للميدان يرفضون حكم المشير، ولم يؤب معهم لا حمدين ولا الشيخ حازم، ولم تكن نوايا المشير قد تكشفت، وعندما وقف عليها الناس خذلهم حمدين، ولم يتطرق لذلك في مراجعاته!

ذات حشد ضد حكم العسكر أعلنت المنصة عن مجلس رئاسي يدير شؤون البلاد، يضم البرادعي وحمدين وآخرين، والذي كان في الأستوديو مع لميس الحديدي وكان النقل على الهواء مباشرة، فقال إنه يرفض هذا الطرح، ولا يقبل أن يكون عضوا في هذا المجلس، فأحبطه في اللحظة الأولى، ومعظم من كانوا على المنصة هم من التيار الشعبي (أنصاره)!

فلماذا لا يذكر الأمور بتفاصيلها وإنما يتركها هائمة، عائمة، ليدخل موقفه في باب المجتهد المخطئ، وليس الضالع في الجريمة مع سبق الإصرار والترصد؟!

على أي أساس يفصل حمدين بين الثورة والإخوان؟ ألم يشاركوا فيها من أول يوم؟ هل كان هو في ميدان التحرير في اليوم الأول ليعرف من شارك منهم؟!

إن الحديث عن أن الإخوان لم يشاركوا كجماعة من أول يوم لنزع صفة المشاركة منهم، يلزمه التأكيد على أن أحزاب اليسار من أول حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وانتهاء بالحزب العربي الاشتراكي الناصري، لم تدعُ رسميا للمشاركة في الثورة، بل إن رئيس الناصري وقف ليعلن أن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية الداعين لها وأن مبارك خط أحمر، ومع ذلك وقف معه حمدين صباحي في جبهة الإنقاذ جنبا إلى جنب، أقصد سامح عاشور!

بل إن الحزب الذي استقبل اجتماعات جبهة الإنقاذ وهو الوفد وبرعاية رئيسه السيد البدوي شحاتة، كان ضد الثورة، وعندما ضغط شباب الحزب وافق مجبرا أن يشاركوا ولكن كل على مسؤوليته الخاصة ولا يتحمل الحزب تبعات هذه المشاركة!

فلا يُقبل لهذا أن يقال إن اليسار مثلا لم يشارك في الثورة لأن أحزابه الرسمية لم تدع للمشاركة؟!

القصة ليست الثورة.. ولكن حمدين يتأهل للمرحلة الجديدة!

"حمدين هيعيّد"!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)

خبر عاجل