قضايا وآراء

أمل كلوني ودستور الإخوان وسياسة الإلهاء

قطب العربي
"صدر الدستور المصري عام 2012 كأفضل دستور لمصر"
"صدر الدستور المصري عام 2012 كأفضل دستور لمصر"
شارك الخبر
مع انفجار قنبلة هندسة الانتخابات البرلمانية في وجه النظام المصري، سعى جاهدا لاستخدام حِيَله التقليدية لصرف الأنظار عن هذه الفضيحة، والأزمات المعيشية الأخرى التي يعانيها المواطنون. خرج السيسي بنفسه ملمحا لوجود خروقات انتخابية تستدعي التصحيح، وفتح بذلك نقاشا واسعا حول هذه الخروقات صرف النظر عن أصل الجريمة، وهي الاستيلاء على الحكم بالقوة العسكرية، ثم عسكرة الحياة المدنية عموما؛ ومن ذلك تشكيل أحزاب تابعة للأجهزة الأمنية، هي المتصدرة للمشهد الحزبي والسياسي والانتخابي، وهي أطراف الأزمة الأخيرة وليس الشعب، ومنها التهليل لقرار ترامب بتصنيف إخوان مصر ضمن 3 فروع كجماعة إرهابية، واعتبار ذلك نصرا كاسحا للسياسة المصرية، وأحدث شيء وهو يرتبط بالعنصرين السابقين؛ تهليل إعلامي لحديث تلفزيوني قديم للنجم العالمي جورج كلوني، زعم فيه أن زوجته المحامية والناشطة الحقوقية العالمية أمل علم الدين (بريطانية الجنسية لبنانية الأصل) سبق لها التعاون مع الإخوان في كتابة دستورهم (يقصد دستور ثورة 25 يناير 2011).

وكأن القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية التابعة للنظام المصري اكتشفت سرا خطيرا، أو مؤامرة كونية ضد مصر دبرها الإخوان بمشاركة بريطانية عبر المحامية أمل علم الدين وزوجها جورج كلوني، تمثلت في وضع دستور جديد لمصر، يصفونه الآن بأنه دستور الإخوان، ويرون أنه كان يرسخ لتفكيك مفاصل الدولة ويقصدون أنه حد من سلطات وصلاحيات الرئيس لصالح البرلمان، كما أنه قلص نفوذ الجيش في الحياة المدنية، وقد جرت تعديلات جوهرية على هذا الدستور في العام 2014، ثم تعديلات أكثر خطورة في العام 2019.

إعلام النظام المصري منح مساحة واسعة من تغطياته وحواراته لهذا الموضوع الهامشي، وأظهر حالة طفولية لا تليق بمصر وحضارتها، فالفيديو الذي اعتمدوا عليه قديم منذ 3 سنوات، والمحامية الدولية والناشطة الحقوقية أمل كلوني لا يمكن أن تكون متعاطفة مع الإخوان بحكم خلفياتها المذهبية أو السياسية

المهم أن إعلام النظام المصري منح مساحة واسعة من تغطياته وحواراته لهذا الموضوع الهامشي، وأظهر حالة طفولية لا تليق بمصر وحضارتها، فالفيديو الذي اعتمدوا عليه قديم منذ 3 سنوات، والمحامية الدولية والناشطة الحقوقية أمل كلوني لا يمكن أن تكون متعاطفة مع الإخوان بحكم خلفياتها المذهبية أو السياسية، غاية ما في الأمر أنها ربما شاركت في جلسة حوارية غير رسمية حول الدستور المصري، وهو عُرف متبع عند صياغة الدساتير عبر الاستماع لآراء أصحاب الخبرة والتخصص، علما أن آراءهم هي محض نصائح غير ملزمة.

وكثير من الدول التي تريد صياغة دساتير حديثة تستشير الخبراء العالميين، حتى لو كانت تمتلك أكبر العقول الدستورية. وللتذكير هنا فإن فقهاء دستوريين مصريين شاركوا في وضع دساتير دول عربية، مثل الدكتور عبد الرازق السنهوري الذي شارك في وضع دساتير ليبية وسورية وعراقية، ولم يعتبر أحد ذلك تدخلا مصريا!

الادعاء بأن المحامية الدولية كتبت أو ساهمت في كتابة الدستور المصري عام 2012 نفاه عدد من أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور من خصوم الإخوان، ومع ذلك فإن الاستماع لرأي خبير قانوني دولي في لقاءات غير رسمية خارج الجمعية التأسيسية (لو حدث فعلا) هو عمل اعتيادي يعبر عن رغبة صادقة في الاستفادة بكل الخبرات الدولية حتى يصدر الدستور في أفضل شكل ومتطابقا مع أفضل المعايير الدولية.

بالفعل صدر الدستور المصري عام 2012 كأفضل دستور لمصر، مشابها لدستور 1923، لم يحدث ذلك نتيجة استشارة كلوني أو غيرها، بل بجهد أعضاء الجمعية التأسيسية الذين مثّلوا كل ألوان الطيف المصري، ورغم محاولات عرقلة صدور ذلك الدستور من خلال انسحاب عدد من ممثلي القوى الليبرالية واليسارية في ذلك الوقت، إلا أن انسحابهم تم بعد الانتهاء من صياغة كل البنود الأساسية التي كانت محل جدل، وقد وقّعوا بأقلامهم على مسودات الدستور. وقد اطلعتُ شخصيا على تلك التوقيعات، أي أن انسحابهم كان مجرد "شو" إعلامي، بهدف التشويش. وعموما فقد فشلوا في مهمتهم مع استمرار ممثلي القوى الصلبة في المجتمع المصري، مثل الأزهر والكنيسة، والقضاء، والقوى الإسلامية، وبعض الرموز الليبرالية؛ في عملهم داخل الجمعية التأسيسية. وقد أقر الشعب ذلك الدستور في استفتاء عام بأغلبية الثلثين في كانون الأول/ ديسمبر 2012 (بينما كان أول لقاء بين جورج كلوني وأمل علم الدين في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، أي أن التعارف بينهما لم يكن قد حدث خلال مناقشات دستور 2012، بل عقب الانقلاب).

طالما يصر إعلام النظام المصري على وصف دستور الثورة في 2012 بأنه دستور الإخوان، متجاهلا مشاركة بقية القوى السياسية، فمن حق الإخوان أن يفاخروا بهذا الدستور، الذي جسّد روح الثورة، ومبادئها العظيمة في الحرية والعدالة والكرامة

من المهم التذكير بأن أفضل دستورين حكما مصر هما دستور 1923 والذي كان ثمرة ثورة 1919، وهو الذي فتح المجال لتعددية سياسية حقيقية، وتداول حقيقي على السلطة بين عدة أحزاب لأول مرة في مصر، وقد ظل قائما حتى تم إلغاؤه عام 1930 ليحل محله دستور مشوّه، وبعد احتجاجات واسعة قرر الملك إعادته عام 1935 حتى ألغاه ضباط يوليو 1952، وأحلوا محله عدة دساتير مشوهة حتى قيام ثورة 25 يناير 2011 التي أنتجت دستورا عظيما، فتح الباب مجددا لحياة سياسية وتعددية حزبية، ومنافسات انتخابية رئاسية وبرلمانية شفافة، ولا تزال معظم بنوده قائمة حتى الآن (ولكنها مجمدة عمليا خاصة باب الحقوق والحريات)، لكننا لا ننسى التعديلات التي جرت عليه في 2014، والتشويهات التي جرت في 2019، من هذه التشويهات الأخيرة زيادة مدد وصلاحيات الرئيس بعد أن كانت 4 سنوات لمدة دورتين فقط (انتهتا فعليا في 2022)، ومثل منح المؤسسة العسكرية الحق في التدخل السياسي تحت مسمى صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها! ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد! كما أنهى مبدأ استقلال القضاء عبر منح سلطة تعيين رؤساء هيئاته لرئيس الجمهورية الذي يرأس المجلس الأعلى للقضاء أيضا.

طالما يصر إعلام النظام المصري على وصف دستور الثورة في 2012 بأنه دستور الإخوان، متجاهلا مشاركة بقية القوى السياسية، فمن حق الإخوان أن يفاخروا بهذا الدستور، الذي جسّد روح الثورة، ومبادئها العظيمة في الحرية والعدالة والكرامة، ومن حق القوى الأخرى التي شاركت في صياغة هذا الدستور أن تفاخر أيضا بما أنجزت، ومن واجب كل المخلصين لثورة يناير مواجهة هذه الهجمة الجديدة التي تستهدف تشويه أحد أبرز منجزات ثورتهم وتضحياتهم.

x.com/kotbelaraby
التعليقات (0)

خبر عاجل