صفقة
الغاز الإسرائيلية لمصر ليست محض صفقة تجارية، استفادت فيها
مصر بسعر منخفض إذا
قورنت مع صفقات محتملة أخرى من بعض الدول العربية أو غير العربية، هي قبل ذلك
وبعده صفقة سياسية (غاز سياسي) تستهدف إعادة الدفء للعلاقات المصرية الإسرائيلية
التي تجمدت نسبيا عقب طوفان السابع من أكتوبر والعدوان الإسرائيلي على غزة، وسعي
الكيان لتهجير أهل القطاع إلى مصر، وهي بالإضافة إلى ذلك تمثل خطرا حقيقيا على
الأمن القومي المصري؛ ذلك أن الغاز سلعة استراتيجية لا تقل أهمية عن القمح، أو
السلاح، أو الدواء، وقد سبق للكيان الصهيوني استغلال ورقة الغاز للضغط على مصر
خلال العامين الماضيين بدعوى وجود صيانة في بعض أبار الغاز التي تصدر منها إلى
مصر، وحتما ستظل هذه الورقة في يده يتحكم بها في رقاب المصريين في المنازل
والمصانع عندما تتوتر العلاقات.
الصفقة
التي بلغت قيمتها 35 مليار دولار، وتتضمن توفير 130 مليار متر مكعب من الغاز لمصر
حتى العام 2040، كانت ذات طبيعة سياسية منذ بدايتها، فقد تم الاتفاق عليها في شهر آب/
أغسطس الماضي، لكن حكومة نتنياهو تراجعت عن إتمامها كنوع من الضغط على مصر لتليين
موقفها تجاه العدوان على غزة، وفي ملف التهجير. وخلال تلك الفترة بحثت مصر عن
مصادر بديلة، وكانت تلك البدائل متاحة من عدة مصادر آمنة، مثل قطر والجزائر وروسيا..
الخ، ومع استمرار التوتر بين البلدين، والذي كان من مظاهره احتلال الجيش
الإسرائيلي ممر فيلادلفيا، وإغلاق معبر رفح،
هذه الصفقة تسهم أيضا في إخراج الكيان من عزلته الدولية من ناحية، كما تمثل طوق نجاة لاقتصاده الذي تضرر كثيرا بسبب العدوان على غزة من ناحية ثانية، وهي -أي الصفقة- بهذا المعنى تمثل دعما للعدوان نفسه
وفي الوقت نفسه زيادة الحضور العسكري
المصري على الحدود. كل ذلك دفع الرئيس الأمريكي ترامب للتدخل لإجبار الطرفين
المصري والإسرائيلي على إتمام تلك الصفقة، والتخلي عن البدائل الأخرى، بهدف إعادة
الدفء للعلاقات المتوترة.
هذه
الصفقة تسهم أيضا في إخراج الكيان من عزلته الدولية من ناحية، كما تمثل طوق نجاة
لاقتصاده الذي تضرر كثيرا بسبب العدوان على غزة من ناحية ثانية، وهي -أي الصفقة-
بهذا المعنى تمثل دعما للعدوان نفسه، وقد عبرت عن هذا المعنى المقررة الخاصة للأمم
المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، التي أكدت أن الصفقة
تمثل انتهاكا واضحا للقانون الدولي، بما في ذلك الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة
العدل الدولية عام 2024، ووصفتها بأنها "إشارة مذهلة على دعم إسرائيل خلال
حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين".
وقالت
في منشور على صفحتها الرسمية في منصة "إكس" إن "الدول يجب أن تتوقف
عن وضع الأرباح فوق الإنسانية"، مشددة على أن توصيف الصفقة باعتبارها تجارية
لا ينفي أبعادها القانونية والأخلاقية.
وفقا لبيانات
مبادرة (جودي) فإن الغاز الإسرائيلي يشكل ما بين 40 و60 في المئة من إجمالي واردات
مصر من الغاز، ويغطي نحو 15 إلى 20 في المئة من إجمالي استهلاكها، وقد أوقفت
الشركات الإسرائيلية الموردة للغاز الإمدادات عند مستويات 800 مليون قدم مكعبة
يوميا، قبل قطع الإمدادات نهائيا في 13 حزيران/ يونيو الماضي، مع بداية العدوان
الإسرائيلي على إيران.
لا
يمكن لمصر التي خاضت 5 حروب ضد الكيان الصهيوني، ولا تزال تعتبره عدوا وهو ما نطق
به السيسي شخصيا، أن تضع رقبة مصانعها ومستشفياتها وحتى منازل مواطنيها تحت رحمة
هذا الكيان الذي لا يحترم عهودا ولا اتفاقيات، والذي استخدم الغاز نفسه كورقة ضغط
من قبل. ورغم أن الصفقة عُقدت وفقا لسعر منخفض قياسا بغيرها نظرا لقرب الحدود،
ونظرا لوجود خطوط إمداد، إلا أن البعد التجاري لا ينبغي أن يغطي على الأبعاد
الأخرى السياسية والأمنية والتي تستوجب الحذر الشديد، وضرورة تنويع مصادر إمدادات
الطاقة حتى لو كانت بسعر أعلى، كما حدث في أزمة واردات القمح الأمريكية منذ
الستينات والتي خرجت منها مصر بتنويع مصادر ورادتها.
إلى جانب الفوائد الاقتصادية للكيان من هذه الصفقة، فإن نتنياهو وافق عليها حتى تكون مدخلا جديدا لتنفيذ خطته لتهجير أهل غزة عبر فتح معبر رفح
إلى
جانب الفوائد الاقتصادية للكيان من هذه الصفقة، فإن نتنياهو وافق عليها حتى تكون
مدخلا جديدا لتنفيذ خطته لتهجير أهل غزة عبر فتح معبر رفح، صحيح أن مصر لديها موقف
حازم ضد التهجير، كما أنها رفضت فتح المعبر في اتجاه واحد كما يريد نتنياهو، لكن
الصحيح أيضا أنه يمكن حتى في ظل فتح المعبر في الاتجاهين تمرير عملية التهجير، ذلك
أن الاحتمالات قوية لخروج أعداد كبيرة من أهل القطاع في ظل التسهيلات التي يقدمها
الكيان وبعض الدول الداعمة له، بينما الاحتمالات قليلة للعودة إلى داخل القطاع في
ظل ظروف القطاع الحالية.
وفي
هذا الإطار، أشارت صحيفة معاريف العبرية إلى أن الاتصالات مع القاهرة عقب توقيع
الصفقة تتركز على محاولة الموازنة بين المصلحة الإسرائيلية في السماح بخروج محكوم
لسكان غزة وبين المطلب المصري بالحفاظ على مبادئ سيادتها وأمنها القومي. كما أكدت
أن "المستويات السياسية تقدر أن توثيق التعاون مع مصر، المستند إلى مصالح
مشتركة طويلة الأمد، قد يقلص حرية العمل لدى حماس، ويزيد الضغط عليها، ويساهم في
استقرار الوضع الأمني في المنطقة".
القضية
الخطيرة الأخرى التي يمكن أن تكون ثمنا خفيا لهذه الصفقة هي الضغط على مصر لسحب
قواتها أو جزء منها من منطقة سيناء وخاصة القريبة من الحدود، ورغم صعوبة هذا الأمر
إلا أن حكومة الكيان لن تتوقف عن ضغوطها في ظل دعم أمريكي قوي لها، وفي كل الأحوال
فإن عيون المصريين ينبغي أن تظل مفتوحة على أي تغيرات في معبر رفح أو في سيناء.
x.com/kotbelaraby