مقالات مختارة

إعدامات في الظلام وصرخات خافتة!

جاسم الشمري
الأناضول
الأناضول
شارك الخبر
أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة (4) أن «أسير الحرب» هو أيّ شخص «ينتمي إلى القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، ويقع في قبضة الطرف الآخر، سواء كان مقاتلاً نظامياً أو متطوعا»!

والتجارب المدفونة في بطون كتب التاريخ والواقع عَلّمتنا أن الحروب تنتهي، ولكن تبقى آثارها لسنوات وسنوات، ومنها معاناة المصابين بعاهات دائمة، والأسرى، والأرامل والأيتام وغيرهم من الضحايا!
ورغم التوصل لاتفاق وقف القتال بغزة بين المقاومة الفلسطينية و»إسرائيل»، قبل بضعة أسابيع، إلا أن معاناة الأسرى داخل السجون «الإسرائيلية» لم تتوقف. وخلال الاتفاق الأخير أفرجت «إسرائيل» عن أكثر من (3985) أسيرًا، بينهم (486) أسيرًا محكوما عليهم بالمؤبد، و319 من ذوي الأحكام العالية، و114 امرأة، و297 طفلا!

وتحتفظ «إسرائيل»، حاليا، بآلاف الأسرى، مع استمرارها باعتقالاتها العشوائية اليومية بعموم المدن المحتلة.

وذكرت «جمعية نادي الأسير الفلسطيني» بموقعها الرسمي على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) بخصوص أعداد الأسرى الفلسطينيين الحاليين لدى «إسرائيل»، حتى ساعة كتابة المقال، بأنهم أكثر من (9250) أسيرًا، بينهم (49) أسيرة!


ووثّقت وجود (3368) معتقلًا إداريًا، ونحو (113) أسيرًا من أصحاب الأحكام المؤبّدة، وما لا يقل عن (350) طفلاً وقاصراً، ومئات الأسرى المرضى داخل السجون «الإسرائيلية»!

والأحكام «القضائية» في سجون الاحتلال «الإسرائيلي» قاسية لدرجة مذهلة، وهنالك مئات الأسرى حُكِم عليهم بعشرات الأحكام المؤبدة وبمئات السنين، وعلى رأسهم الأسير «عبد الله البرغوثي» المحكوم بالسجن (67) مؤبّدا، و5200 عام، وهو أطول حُكْم في التاريخ!

وبعيداً عن «الظلم القانوني» التي يتعرّض له أكثرية المقاومين والأبرياء الذين اعتقلوا من منازلهم في المحاكم «الإسرائيلية»، فإن القانون الدولي يُشدّد على لزوم معاملة الأسرى معاملة حسنة تضمن حمايتهم وحقوقهم!
حاولت «إسرائيل» محاربة الأسرى الفلسطينيين بالعديد من الأسلحة المادية والمعنوية والنفسية ومنها حروب التجويع والأمعاء الفارغة

وبيّنت اتّفاقيات جنيف الأربع المتعلّقة بحماية حقوق الإنسان الأساسية، وخصوصا الاتّفاقية الثالثة، جملة من حقوق الأسرى، ومنها الحق في المعاملة الإنسانية والحماية من التعذيب، الجسدي والنفسي، والتهديد والتمييز والإكراه أثناء التحقيق، والحق في الغذاء والرعاية الصحية، والتواصل مع الأهل والتمتع بالزيارات، والحق في الحماية من العقوبات الجماعية وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

ولقد حاولت «إسرائيل» محاربة الأسرى الفلسطينيين بالعديد من الأسلحة المادية والمعنوية والنفسية ومنها حروب التجويع والأمعاء الفارغة، والتلاعب بنوعية الغذاء الضروري لدوام حياتهم، وذلك بعد أن تأكدت بأن وسائل تعذيبها الجسدي والفكري لم تُحقّق أهدافها في كسر إرادة الأسرى وعزيمتهم!

وقد ركّز تقرير لصحيفة «هآرتس» العبرية، نُشِر يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، وعَنْوَنته: «يَموتون من الجوع ويحلمون بالطعام» على موضوع «الجوع داخل السجون الإسرائيلية»!
وقالت الصحيفة: إنه، وبعد ثلاثة أشهر على قرار «المحكمة العليا الإسرائيلية» بتزويد الأسرى الفلسطينيين بكمية طعام مناسبة وكافية، يتّضح «من شهادات لأسرى داخل السجون عدم حدوث أي تغيير في توزيع الطعام»!

وكشف التقرير أن كمّية الطعام التي يحصلون عليها، وفقا لمحام زار 53 أسيرًا في سجون متفرقة، قليلة ورديئة الجودة، وقد اشتكى بعضهم من «شعور دائم بالجوع»، وأنهم «تلقّوا طعامًا منتهي الصلاحية»!

والغذاء ليس حاجة كمالية في حياة الإنسان بل ضرورة من ضروريات الحياة، ولا يُمكن أن تستمر حياة الإنسان بيسر وسهولة دون طعام كافٍ لأنه كما يُقال «بغير الطعام لا يحيا الإنسان»، وبهذا مَن يُحارب الإنسان بطعامه هو بالمحصلة يُحاربه في صحته، وفكره، ونفسيته، واستمرارية حياته!

سياسة التجويع المتبعة في السجون «الإسرائيلية» واحدة من أدوات التعذيب القاتلة للأسرى، ووسيلة من وسائل الإيذاء الجسدي والنفسي والفكري للمعتقلين، وهي، أيضا، جريمة تُخالف القوانين الدولية والإنسانية المتعلقة بمعاملة الأسرى!

محاولات «إسرائيل» تنفيذ إعداماتها «السرّية» للأسرى الفلسطينيين وبأدوات خفية وماكرة، ومنها التجويع، واحدة من أخبث الجرائم السوداء والضاربة للقوانين، والمؤكدة لأحقادها الدفينة ضد الإنسان!
وهكذا تواصل «إسرائيل» حربها الشاملة المهلكة للفلسطينيين، ولا ندري متى سَتَكُفّ عن أساليبها الوحشية وهمجيّتها في معاملة الفلسطينيين في السجون والمعتقلات والمستشفيات والأسواق والمنازل والمعابر وفي عموم المدن المحتلة؟

الشرق القطرية
التعليقات (0)