تسود المنطقة الغربية في
ليبيا حالة من الاضطراب والارتباك وتظهر
بوادر تفكك جبهتها السياسية، الجبهة التي اثبتت حضورها ولحمتها في محطات عدة كان
آخرها صد الهجوم على العاصمة العام 2019-2020م، إلا إنها اليوم تشهد تصدعات، ومن
الطبيعي أن يكون هذا الوضع محفزا لحفتر، ومن يدعم مشروع حفتر، لاستغلال الوضع
والدخول للعاصمة، وربما لا يفكر حفتر في هذه المرة الدخول عبر حرب، بل من خلال
تغيير المعادلة السياسية والاجتماعية والمجتمعية في الغرب، مع الحاجة للقوة
العسكرية والأمنية لدعم خطة الدخول.
ومما أوحى لكثيرين في المنطقة الغربية بأن حفتر يمكن أن يدخل
العاصمة، ليس فقط الخلاف ومظاهر الضعف في الجبهة الغربية، بل إن هناك مؤشرات أخرى
منها تعزيز قوته العسكرية عبر توريد الأسلحة وتكثيف التدريب.
الجديد المقلق بالنسبة للجبهة الغربية المضطربة هو التسلل بشكل علني
ومكثف إلى القاعدة الاجتماعية والمجتمعية في الغرب، عبر اللقاءات والاجتماعات
والملتقيات التي جمعت حفتر وأبناءه بفواعل اجتماعية ومجتمعية وقيادات عسكرية (غير
رسمية)، والتي ربما تظهر الاستعداد للخروج من عباءة حكومة الوحدة والدخول تحت مظلة
القيادة العامة.
الجديد المقلق بالنسبة للجبهة الغربية المضطربة هو التسلل بشكل علني ومكثف إلى القاعدة الاجتماعية والمجتمعية في الغرب، عبر اللقاءات والاجتماعات والملتقيات التي جمعت حفتر وأبناءه بفواعل اجتماعية ومجتمعية وقيادات عسكرية (غير رسمية)، والتي ربما تظهر الاستعداد للخروج من عباءة حكومة الوحدة والدخول تحت مظلة القيادة العامة.
حكومة الوحدة، ورئيسها، لم يكن توجههم وتركيزهم سياسي في السنتين
الأوليين، وتحت الضغوط التي فرضها حفتر على ادبيبة وحكومته، اتجه الأخير إلى
السياسة وحاول تثبيت وجوده معتمدا على الشرعية الدولية، ومحليا بالتشبيك مع القوى
المصادمة لحفتر من أنصار فبراير، وأيضا من أنصار الفاتح، إلا أن ممارسات وأخطاء
عديدة انتهت به إلى وضع مضطرب وربما مهلهل.
الوضع لا يختلف كثيرا بالنسبة للمجلس الأعلى للدولة الذي تلقى ضربات
أوهنته، أما المجلس الرئاسي فقد ولد محدود النفوذ، وظل كذلك برغم محاولاته ملء بعض
الفراغ، وما الاتجاه إلى تشكيل جسم سياسي موحد، تحت مسمى "السلطة السيادية
العليا"، التي تجمع الأطراف السياسية الرسمية، المجلس الأعلى للدولة، المجلس
الرئاسي، حكومة الوحدة الوطنية، إلا إدراك لهذا الواقع المزري، ومحاولة لإيجاد
قيادة تحوز على الثقة المفقودة وتجمع الشتات.
عودة إلى حراك حفتر، فإنه ليس مستبعدا أن يكون فعله وحراكه السياسي
والاجتماعي والعسكري مدفوعا بالرغبة في توظيف الفوضى في الغرب لصالح التمدد والتحكم
في القرار على مستوى البلاد، إلا أن هناك تفسيرا آخر لا يمكن استبعاده من التحليل
وهو أن تلك التحركات إنما هي تعبير غن قلق القيادة في الرجمة من المسار السياسي
الذي ترعاه البعثة الأممية أو ذلك الذي تشرف عليه واشنطن، والامتعاض من سلوك حفتر
خاصة فيما يتعلق بعلاقاته مع أطراف خططهم لا ترضي الولايات المتحدة وحلفاءها في
المنطقة، وما يعزز هذا التحليل هو تركيز حفتر في لقاءاته مع وفود القبائل على
خطورة المشاريع الخارجية على البلاد ورفضه لها، بمعنى أن فعل حفتر في مساراته
المتعددة هو تعبير عن قلق ومسعى لمجابهته بتعزيز حضوره ونفوذه في الداخل، والتفاوض
من خلال قاعدة أوسع وأمتن.
سيناريو السيطرة على العاصمة يحتاج إلى ضوء أخضر أمريكي أوروبي، وهذا
لا يبدو أنه محتمل، أيضا يتطلب تحييد تركيا وهذا محتمل في حالة واحدة عبر تأمين
المصالح والمطالب التركية، والتي في مقدمتها التصديق على اتفاقية النفوذ الاقتصادي
البحري وترسيم الحدود البحرية، وهو الأمر الذي تعثر بعد بارقة أمل لاحت في الأفق،
ومن المؤكد أن مجلس النواب الذي كان يتجه لاعتماد الاتفاقية قد تلقى توجيهات
بالتأجيل، وتلكؤ حفتر في دعم الاتفاقية يعود إلى موقف شخصي وإلى الضغط المصري،
وبالتالي فإن تركيا ستكون حاضرة في حال وقعت المواجهة.
في ظل هذه الظروف المعقدة ربما يكون تعويل جبهة الشرق وحلفائها على
مزيد من الانشقاق والتشرذم في جبهة الغرب، وهذا غير مستبعد، والاستدراك يتطلب
الإحساس بالخطر الذي يمكن أن يعصف بالجميع، وجهودا كبيرة للم الشمل ورأب الصدع.