كتاب عربي 21

الاستعمار الاستيطاني لا ينتهي أبدا

جوزيف مسعد
"صعّد المستوطنون اليهود هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال موسم قطف الزيتون"- الأناضول
"صعّد المستوطنون اليهود هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال موسم قطف الزيتون"- الأناضول
الاستعمار الاستيطاني لا ينتهي أبدا؛ فهو مسارٌ متواصل لا ينحسر إلا إذا جرى تقويضه. في الأيام القليلة الماضية، أقدم مستوطنون يهود على إحراق مسجدٍ فلسطيني في سلفيت، شماليّ الضفة الغربية، وكتبوا شعارات عنصرية على جدرانه. وفي اليوم نفسه، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار على طفلين فلسطينيين قرب الخليل، جنوبيّ الضفة الغربية، فقتلهما. وهكذا، يواصل المستوطنون والجنود تقليدا صهيونيا وإسرائيليا عريقا.

في الواقع، كانت أيديولوجيا الفصل العنصري وما يوازيها من سرقة للأراضي؛ ركيزة أساسية للسياسة الصهيونية منذ بداية القرن العشرين. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الممارسات تثبط من عزيمة الأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل، وبعضها، مثل المملكة العربية السعودية، يتوق إلى أن يُنهي ترامب ونتنياهو عملية إبادة أهل غزة، ويبحث عن سبل لمكافأة إسرائيل بتطبيع علاقاته معها أو تعزيزها.

في هذه الأثناء، صعّد المستوطنون اليهود هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال موسم قطف الزيتون الجاري، فقاموا بتدمير الأشجار وإحراق المستودعات، إضافة إلى مهاجمة خيام البدو. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت إسرائيل ومستوطنوها اليهود أكثر من 1070 فلسطينيا، وأصابوا 10700 آخرين، واختطفوا (أو "اعتقلوا" وفق اللغة الصهيونية) 20,500 فلسطيني. كما نفذ المستوطنون اليهود 7154 هجوما ضد الفلسطينيين العزل وما زال العدد في ازدياد، فيما تواصل السلطات الإسرائيلية مصادرة الأراضي الفلسطينية وطرد السكان لإفساح المجال أمام مزيد من المستوطنين اليهود.

ينما تستمر الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، التي راح ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص بين قتيل وجريح وأكثر من مليوني لاجئ، يواجه فلسطينيو الضفة الغربية القمع والعنف المستمر على يد إسرائيل ومستوطنيها وعملائها من السلطة الفلسطينية

في الأسبوع الماضي، أرسلت "سلطة أراضي إسرائيل" إخطارات إخلاء إلى الفلسطينيين الذين يعيشون شمال القدس الشرقية المحتلة، ومنحتهم مهلة عشرين يوما لإخلاء منازلهم وممتلكاتهم، بما في ذلك 130 دونما (حوالي 32 فدانا) بالقرب من قرية قلنديا في الضفة الغربية، المقرر مصادرتها لصالح مستوطنة يهودية جديدة. وقد تم عزل 40 في المئة من أراضي قلنديا بالفعل عن بقية القرية الواقعة على الجانب الغربي من جدار الفصل العنصري الذي شيّدته إسرائيل عام 2002، وباتت فعليا تُعدّ في حكمِ المسروقة.

وبينما تستمر الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، التي راح ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص بين قتيل وجريح وأكثر من مليوني لاجئ، يواجه فلسطينيو الضفة الغربية القمع والعنف المستمر على يد إسرائيل ومستوطنيها وعملائها من السلطة الفلسطينية، الذين يشاركون جميعا في قتلهم. ومع أن وتيرة القتل الإسرائيلية في الضفة الغربية تبقى على نطاق أصغر بكثير مما يجري في غزة، فقد هجّرت إسرائيل أيضا أربعين ألف فلسطيني، ودمرت منازلهم وأحياءهم (كما حدث خلال الأشهر الماضية لسكان مخيمي جنين وطولكرم للاجئين)، وصادرت أراضيهم وجرّفت محاصيلهم.

ولا تتوقف سرقة الأراضي وطرد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل نفسها. ففي الأسبوع الماضي. وفي إطار حملة إسرائيلية مستمرة منذ عقود لتدمير القرى الفلسطينية في صحراء النقب وتهجير سكانها، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية استئناف المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، من سكان قرية رأس جرابة في النقب شرقي ديمونا، وأمرت بطرد 500 منهم من قريتهم ومنحتهم تسعين يوما لتنفيذ حكمها وإخلاء القرية. وتزامن ذلك مع اقتحامات وزير الحكومة الإسرائيلية، إيتمار بن غفير، لمنازل المواطنين الفلسطينيين في مدينتي الرملة واللد. كما اقتحم بن غفير نفسه، برفقة عشرات المستوطنين، المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة الشهر الماضي خلال الأعياد اليهودية، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية. وقد دخل آلاف المستوطنين المسجد الأقصى بشكل غير قانوني منذ بداية أيلول/سبتمبر لأداء شعائر دينية.

رغم إدانات القوى الغربية المنافقة لهجمات المستوطنين وانتقاداتها المخففة للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، فإن كل ما ذُكر آنفا ليس جديدا في تاريخ الصهيونية وإسرائيل، بل يمثل استمرارا للنهج الاستعماري الاستيطاني ذاته التي اتبعته منذ بدايات مشروعها في فلسطين. فقد وجّه المبدآن، اللذان سمّتهما الصهيونية "غزو الأرض" و"غزو العمل"، حركة الاستعمار الاستيطاني منذ نشأتها. ولعل بعض الأمثلة من القرن الماضي، وتحديدا من عشرينياته، تكشف عن أن الجهود الصهيونية الدؤوبة للتوسع الاستعماري الاستيطاني عملية لا تنتهي.

رغم إدانات القوى الغربية المنافقة لهجمات المستوطنين وانتقاداتها المخففة للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، فإن كل ما ذُكر آنفا ليس جديدا في تاريخ الصهيونية وإسرائيل، بل يمثل استمرارا للنهج الاستعماري الاستيطاني ذاته التي اتبعته منذ بدايات مشروعها في فلسطين. فقد وجّه المبدآن، اللذان سمّتهما الصهيونية "غزو الأرض" و"غزو العمل"، حركة الاستعمار الاستيطاني منذ نشأتها

على صعيد "غزو الأرض"، ومنذ أوائل عشرينيات القرن الماضي، أطلق الصندوق القومي اليهودي، الذراع المالي للمنظمة الصهيونية، حملة لشراء الأراضي الفلسطينية من ملاك الأراضي الغائبين المقيمين في بيروت والقاهرة، مما أدى إلى تهجير آلاف الفلاحين، الذين انضموا تباعا إلى الانتفاضات والثورات ضد المستعمرين ورعاتهم البريطانيين. وقد بات الصراع على الأرض في قرية العفولة، مثلا، في منطقة مرج ابن عامر، والتي شملتها خطط إخلاء طالت 22 قرية، إضافة إلى تهجير البدو الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية والرعوية (بلغت نحو 10 آلاف فدان) في وادي الحوارث، نقطة اشتعال رئيسة في تشرين الأول/أكتوبر 1924. تأخر تهجير سكان وادي الحوارث بسبب مقاومتهم ورفضهم المغادرة، فضلا عن الأحكام المعلقة من محاكم الانتداب البريطاني. وقد أُجبروا أخيرا على الرحيل على يد البريطانيين عام 1933. 

أما "غزو العمل" الصهيوني، فقد جرى تحت مسمى "العمالة العبرية"، وهو مشروع سعى إلى حرمان الفلسطينيين من أهل البلاد من حق العمل، بدءا من المشاريع الصهيونية واليهودية التجارية العاملة في فلسطين، ثم لاحقا، في ظل الانتداب البريطاني، في جميع أنحاء فلسطين. وبينما كانت الدعوات والاستراتيجيات لفرض "العمالة العبرية" قائمة في بداية الاستعمار اليهودي، إلا أنها اشتدت في ظل الانتداب البريطاني، الذي شهد حملة شرسة لحرمان الفلسطينيين من العمل وتهجيرهم لصالح المستعمرين اليهود. ومع أن تركيز الحملة الاستعمارية الصهيونية انصبّ على المزارع والمستوطنات الريفية ومواقع البناء في المدن والبلدات، إلا أنها في واقع الأمر ابتلعت جميع فرص العمل الممكنة في البلاد (بما في ذلك الموانئ والسكك الحديدية والمحاجر وإدارة الانتداب البريطاني نفسها).

نظّم الصهاينة العمّاليون -الذين كانوا يقودون المستوطنين اليهود في فلسطين، وخاصة من خلال "نقابة العمال" الانفصالية عنصريا "الهستدروت"- حملة اعتصامات لمقاطعة العمال الفلسطينيين وأرباب عملهم الرأسماليين اليهود، الذين وصفهم الصهاينة بـ"المستبدِلين" و"الطاردين"، لإجبار أرباب العمل اليهود على توظيف اليهود حصريا. كما وُصف أرباب العمل اليهود بـ"الخونة"، وتعرضوا لمقاطعة من المجتمع الاستيطاني اليهودي، حتى رضخوا واستبدلوا عمالهم الفلسطينيين الأرخص بمستوطنين يهود.

بدأت الاعتصامات بشكل جدي عام 1927 واستمرت حتى عام 1936. كان هؤلاء العمال الفلسطينيون في الواقع هم أنفسهم الفلاحون الفلسطينيون الذين طُردوا من أراضيهم التي اشتراها الصهاينة من ملاك غائبين، والذين سعوا للحصول على عمل بعد تهجيرهم وفقدانهم سبل عيشهم، لكن المستوطنين الصهاينة الساديين لاحقوهم دون هوادة.

كان العمال الفلسطينيون في بساتين الحمضيات أو في قطاع البناء، العاملون ببناء مستوطنة تل أبيب للمستوطنين اليهود، يتعرضون للضرب والمطاردة والمضايقة باستمرار لمنعهم من العمل في هذه المواقع، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم السود في جنوب أفريقيا الذين تعرضوا لاعتداءات من قبل العمال البيض قبل ذلك ببضع سنوات. وللمفارقة، فإن المستعمرين الصهاينة أطلقوا على العمال الفلسطينيين الأصليين وصف "عمال أجانب"، لكن مسألة العمالة الفلسطينية لم تعد محل نقاش بعد طرد غالبية الفلسطينيين عام 1948.

بلغت سياسة الفصل العنصري الاستعماري حدا دفع الصهاينة إلى السعي للسيطرة على حائط البراق (الذي يُشار إليه في الغرب باسم "الحائط الغربي" أو "حائط المبكى") في المسجد الأقصى، الذي أقيم في أواخر القرن السابع، حيث جرى تضخيم الأهمية الدينية لهذا الجزء من الجدار -الذي يعدّ كل ما تبقى من الجدار الأصلي الذي كان يضم الساحة المحيطة بالهيكل اليهودي "الثاني" القديم الذي دمره الرومان- على يد الصهاينة العلمانيين ظاهريا، لإكسابه أهمية وطنية ودينية مستحدثة لم تكن له من قبل. وقد أدت محاولات الصهاينة، خلال النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي، للاستيلاء على ذلك الجزء من الجدار -الذي كان جزءا من وقف إسلامي فلسطيني، وجزءا تقليديا من مجمع المسجد الأقصى المعروف بالحرم الشريف، أحد أقدس الأماكن لدى المسلمين منذ أواخر القرن السابع- إلى حشد الفلسطينيين، ولا سيما الفلاحين النازحين والعمال المسرحين، إلى انتفاضة كبرى.

رفض الصهاينة الاعتراف بأن ثورة الفلسطينيين في آب/أغسطس 1929 كانت نتيجة لعمليات الطرد الواسعة للفلسطينيين من أراضيهم على يد المستوطنين اليهود في عشرينيات القرن الماضي، وما رافقها من طرد الفلاحين السابقين الذين تحولوا إلى عمال؛ من وظائفهم على يد حملة الاعتصامات والمقاطعة التي شنها المستوطنون اليهود. وبدلا من ذلك، اعتبر الصهاينة أن الثورة لم تكن نتيجة الاستعمار والطرد، بل نتيجة "معاداة السامية" لا غير. وما زال هذا الاستخدام الصهيوني لمصطلح "معاداة السامية" -لتجريم أي جهد فلسطيني (أو يهودي) مناهض للاستعمار الاستيطاني منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر- يُستَخدم بفعالية في حملة إسرائيل الدعائية في الغرب حتى اليوم.

وفي هذا السياق، اندلعت مظاهرات فلسطينية كبيرة في تشرين الأول/أكتوبر 1933 ضد الهجرة والاستعمار البريطاني والاستيطان اليهودي، نظمها بشكل رئيس "حزب الاستقلال" الفلسطيني ومنظمات شبابية أخرى، وقد حاولت هذه القوى دفع النخبة الفلسطينية المتمثّلة في اللجنة التنفيذية العربية -المخوّلة بالتحدث باسم الفلسطينيين أمام السلطات البريطانية- إلى اعتماد سياسة عدم التعاون مع البريطانيين، لكن بلا جدوى. وفي نهاية الأمر، رضخت اللجنة التنفيذية وأصدرت دعوة للمشاركة في التظاهرات.

وخرج آلاف الفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، بينهم ثمانية آلاف في يافا وحدها، وكان من بينهم نحو 600 فلسطيني طُردوا من أراضيهم في وادي الحوارث قبل ذلك ببضعة أشهر، في حزيران/يونيو. وقد شنّت الشرطة البريطانية حملة قمع عنيفة قتلت خلالها 26 متظاهرا فلسطينيا أعزل وأصابت العشرات في يافا وحيفا.

وقد تكللت محاولات الصهاينة للسيطرة على حائط البراق، التي بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي، أخيرا بالنجاح في عام 1967 عقب الغزو الإسرائيلي للقدس الشرقية. ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من الحظر الذي تفرضه التعاليم الدينية اليهودية والحاخامات التقليديون على دخول اليهود منطقة المسجد الأقصى -باعتباره فعلا محرّما وهرطقة- فقد رسّخت الصهيونية الاستيطانية نسخة جديدة من اليهودية المُتصهينة. وقد قاد هذه الصيغة الجديدة حاخاماتُ المستوطنين الذين رفعوا الحظر، مما أتاح لزعيم حزب الليكود آنذاك، أرييل شارون، وأنصاره من المستوطنين اقتحام الحرم الشريف في أيلول/سبتمبر 2000 بحماية ألف شرطي إسرائيلي. ومنذ ذلك الوقت، أصبح اقتحام المسجد الأقصى أمرا معتادا.

ليست هذه الأمثلة سوى نماذج من سوابق كثيرة للفظائع التي تُرتكب بحق الفلسطينيين اليوم، مع استثناءٍ رئيس يتمثّل في الحجم الاستثنائي للإبادة الجماعية التي يتعرّض لها فلسطينيو غزة، والتي تُعَدّ تصعيدا ضخما لجرائم إسرائيل والصهيونية التي لم تتوقف منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر. وقد يتوقع المرء أن إسرائيل والحركة الصهيونية وحلفاءهما الغربيين، يدركون أن الاستعمار الاستيطاني مشروعٌ لا يمكن أن يكتمل إلا عبر القضاء التام على السكان الأصليين، خاصة وأن هذا جزء من التاريخ والحاضر الغربي لأكبر المستعمرات الاستيطانية للبيض اليوم، سواء الولايات المتحدة، أو أستراليا، أو كندا، أو نيوزيلندا، ناهيك عن أمريكا الوسطى والجنوبية.

إذا كان قرن ونصف من الاستعمار الاستيطاني اليهودي الذي ترعاه القوى الاستعمارية الغربية قد فشل في ضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية قائمة على التفوق العرقي اليهودي، فإن أي خطط تطبخها إسرائيل ودونالد ترامب لغزة، ناهيك عن الضفة الغربية والقدس وحتى إسرائيل نفسها، في هذه الأثناء، محكوم عليها بالفشل في ضمان استمرارية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في المستقبل

فرغم جهود الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحثيثة، لا يزال ملايين الفلسطينيين على قيد الحياة، ولا يزال نصفهم يعيشون على أرضهم، ما يعني أن أمام المستوطنين اليهود الإسرائيليين مهمة شاقة للقضاء عليهم. إن استمرار عنف إسرائيل الاستيطاني الاستعماري داخل إسرائيل نفسها والأراضي التي احتلتها لما يقرب من ستة عقود؛ دليلٌ قاطع على فشل إسرائيل وعجزها عن إنجاز المهمة بالكامل. في الواقع، يبدو أن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأخيرة قد أضعفت إسرائيل سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وديموغرافيا، بل وحتى عسكريا، بالنظر إلى فشل جيشها في تدمير حماس بعد عامين من حرب الإبادة. كما أن فشل إنجاز هدفها الرئيس المتمثل في طرد فلسطينيي غزة من فلسطين يزيد الطين بلة.

تعاني الأنظمة العربية المُطَبِّعة، ومثيلاتها كالسعودية التي تأمل في التطبيع مع إسرائيل مكافأة على مجازرها الأخيرة، من سذاجةٍ صادمة. إذ يبدو أن هذه الأنظمة تعمل وفق اعتقاد مُتعمِّدٍ بأن إسرائيل لن تبقى فقط دولة يهودية استعمارية استيطانية عنصرية في المستقبل المنظور، بل أيضا أنه إذا نجحت بمساعدة حلفائها في هزيمة حماس وتفكيكها نهائيا، فستتمكن حينها الأنظمة العربية من المضي قدما في التطبيع مع دولة الإبادة الجماعية أو تعزيز تطبيعها القائم، إذ لن تكون هناك مقاومة فلسطينيةٌ متبقية تستوجب القمع. حتى محمود عباس يشارك هذه الأنظمة هذا الاعتقاد، حيث لا يزال يعتقد أنه وحاشيته من المتعاونين في السلطة الفلسطينية سيحكمون غزة وسيترأسون دولة فلسطينية ذات سيادةٍ وهميةٍ اعترف بها داعمو إسرائيل الغربيون مؤخرا، باستثناء الولايات المتحدة.

فإذا كان قرن ونصف من الاستعمار الاستيطاني اليهودي الذي ترعاه القوى الاستعمارية الغربية قد فشل في ضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية قائمة على التفوق العرقي اليهودي، فإن أي خطط تطبخها إسرائيل ودونالد ترامب لغزة، ناهيك عن الضفة الغربية والقدس وحتى إسرائيل نفسها، في هذه الأثناء، محكوم عليها بالفشل في ضمان استمرارية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في المستقبل. يدرك الإسرائيليون هذا جيدا، مما يفسر الاضطرابات الحالية بين نخبهم السياسية والاقتصادية التي تخشى انهيار مستعمرة الاستيطان بالكامل، كما يتوقع رئيس وزرائها السابق إيهود براك، ناهيك عن السكان اليهود، الذين هجر الكثير منهم بالفعل المستعمرة الاستيطانية ويفكر الكثيرون في فعل الشيء نفسه بحسب الاستطلاعات الإسرائيلية.

 ويبقى السؤال: هل ستدرك الأنظمة والنخب العربية والرعاة الغربيون لإسرائيل هذه الحقيقة يوما ما؟
التعليقات (0)