دُبجت مقالات ومواقف ودراسات سياسية، وصيغت وثائق إسرائيلية
عن أهداف العدوان على غزة، قبل التوصل لصفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين
المقاومة والاحتلال في غزة، وإثر دخولها حيز التنفيذ تصاعدت المواقف الإسرائيلية
المعبرة عن إخفاق كبير من تحقيق أهداف الحرب، بعد 471 يوما من عدوان هو الأثقل
والأشد كلفة على الشعب
الفلسطيني منذ النكبة الفلسطينية.. نجاح وحيد حققته إسرائيل
ويدركه العام أجمع، بارتكابها لجرائم الحرب والإبادة الجماعية، والتي قادت إسرائيل
إلى قفص محكمة العدل والجنائية الدولية، وتصدع سرديتها الأخلاقية والأمنية.
في كل الأحول، وبعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ
وإجراء أول عملية تبادل للأسرى، وما سينجم عن ذلك من تفسيرات ورؤى تعكس تصور
الواقع الفلسطيني الجديد في غزة لتحديد المواقف والحراك السياسي المرتبط به، يعترف
الجميع في الأوساط السياسية الفلسطينية بالتحديات التي نشأت بحجمها الضخم والثقيل
والكامل، بعيدا عن القدرة على توفير الحلول الذي يتطلبها هذا الواقع.
من الطبيعي والأمر كذلك، أن يكون الجانب الأكثر
أهمية في تحقيق
صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، هو ثبات وصمود الشعب
الفلسطيني في غزة، وتصدي المقاومة لهذه الأهداف، رغم الثمن الكبير الذي دفعته بفعل
وحشية
الاحتلال، وتطور هجمته التي حاولت فصل ما يجري في غزة عن بقية الأرض
الفلسطينية، من قتل وتهجير وحصار واستيطان وتهويد على مساحة الجغرافية الفلسطينية.
فالقضية الفلسطينية برمتها، لم تكن تعيش قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023
في أفضل حالاتها، ولن تكون على أحسن حال في فترة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة،
الجانب الأكثر أهمية في تحقيق صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، هو ثبات وصمود الشعب الفلسطيني في غزة، وتصدي المقاومة لهذه الأهداف، رغم الثمن الكبير الذي دفعته بفعل وحشية الاحتلال، وتطور هجمته التي حاولت فصل ما يجري في غزة عن بقية الأرض الفلسطينية، من قتل وتهجير وحصار واستيطان وتهويد على مساحة الجغرافية الفلسطينية
خصوصا مع مجيء إدارة ترامب بكل الحماسة الأمريكية لمنح إسرائيل الدعم لمواصلة
العدوان بالاستيطان في الأرض وضمها، وبعد توجيه ضربة قاسية ومؤلمة لغزة، وبإعادة
إحياء مشروع التطبيع العربي الذي بدأه ترامب في ولايته السابقة.
ومن غير الطبيعي أن يكون الحال الفلسطيني بعد وقف إطلاق
النار كما كان قبله، من تشرذم واستقطاب سياسي وأمني مدمر، ومن غياب لأسس التنسيق
والعمل الوحدوي على الساحة الفلسطينية، وترك قصة إبريق زيت
المصالحة الفلسطينية "يشرشر"
بالشكل الذي ساد لأكثر من 18 عام، وأدى لاستفراد المؤسسة الصهيونية ببقية الحقوق
الفلسطينية، بما لا يشتهيه أصحابها ومناصروهم في المنطقة وحول العالم، لأن
التضحيات والثبات والصمود الفلسطيني لا يخص غزة وحدها، ولا علاقة له بترتيب اليوم
الثاني بالتفتيش عمن يحكمها، أو يدير شؤون المنكوبين فيها ويضمد جراحهم. فتوفير
المقومات اللازمة لصيانة الحالة الفلسطينية تحقق في العديد من جولات المصالحة
الفلسطينية- الفلسطينية، وآخرها اتفاق بكين لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن بدون حسم
وحزم للإمساك بهذا الاتفاق والعمل به سريعا، أو الخروج بحالة وحدة واتفاق على
مجموعة من الاستراتيجيات الوطنية، لن تكتمل فرحة الشعب الفلسطيني بوقف مذابح
الاحتلال في غزة، ولأن هذا الشعب يستحق أن يُهدى قيادة غير غارقة في حمأة الصراع
الداخلي أمام عدو لا يخفي مشاريعه الاستعمارية، فقد آن الأوان لتوظيف التضحيات
والخلاصة التي انتهى إليها التناقض الذي يمارس ضد مصالح الشعب الفلسطيني وضد حقوقه
التاريخية، لصالح خفض التناقض الأساسي مع الاحتلال ومشروعه الاستعماري الذي يطال
الكل الفلسطيني.
كذلك لن تستقيم الحالة الفلسطينية الداخلية بعد وقف
إطلاق النار في غزة، دون أن ترتفع إلى المستوى الذي يفترضه الإعداد المشترك
للمرحلة القادمة من المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، في معركة الضم والاستيطان
والتهويد والتهجير، والذي لن يترك وسيلة دون توظيف هذا الخلل لتحقيق إنجازات على
هذا الصعيد. والإحجام عن الارتقاء بالمسؤولية الجماعية للقوى الفلسطينية منظمة
وفصائل وشارع وشتات؛ يعني أن القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني، ستبقى
عرضة ليس للمخاطر فقط، بل لكارثة أكبر، ودرس غزة نموذجي في فضحه لعجز قديم وخذلان
عميق، ويكشف تشريحه عن مفاصل أساسية لضرورات تلبية التطلعات الصحيحة لمرحلة ما بعد
وقف إطلاق النار.
وقف لإطلاق النار في غزة لا يعني نهاية مواجهة الاحتلال وأطماعه التي يجسدها حاملو فكرة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، والمقاومة ستستمر طالما استمر الاحتلال، والنتائج العملية لمجمل الأوضاع الفلسطينية التي عاشها شعب فلسطين خلال ثلاثة عقود من أوسلو، وما خلفه تردي السياسة العربية من أثرٍ بالغ المرارة والأسى على قضية فلسطين
هناك لحظة تاريخية حاسمة للإسهام الجدي في عملية استعادة
ركائز الصراع مع الاحتلال دون تلكؤ، وفي التنبيه الجدي لأهمية المراجعة الداخلية الفلسطينية
وبالانخراط الفوري في تطبيق اتفاق بكين للمصالحة، لأنها عامل احتياط استراتيجي في
قوة الشعب الفلسطيني لمواجهة احتلال استيطاني استعماري.
أخيرا، وقف لإطلاق النار في غزة لا يعني نهاية مواجهة
الاحتلال وأطماعه التي يجسدها حاملو فكرة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني،
والمقاومة ستستمر طالما استمر الاحتلال، والنتائج العملية لمجمل الأوضاع
الفلسطينية التي عاشها شعب فلسطين خلال ثلاثة عقود من أوسلو، وما خلفه تردي
السياسة العربية من أثرٍ بالغ المرارة والأسى على قضية فلسطين، وهو ما برز بشكل
صارخ طوال الأشهر الطويلة من جرائم الإبادة الجماعية في غزة.
لذلك تبقى الخلاصة العامة في استعادة ركائز مواجهة
الاحتلال في العوامل المشجعة، وفي الإدراك العملي الذي يأمله الشارع الفلسطيني في
استعادة المنظمة لدورها بعيدا عن الرتابة وإنتاج الأمنيات التي لا تتحقق، وأن
تغادر الفصائل الفلسطينية مربع النقد العاجز بدون أشكال ملموسة على الأرض. وذلك
أضعف الإيمان بعد وقف إطلاق النار، بأن يكون هناك مسير نحو مصالحة تكون شعلة أمل
لغزة تعينها على النهوض من تحت ركام الإبادة، وتضمن لحركة تحرر وطني فلسطيني طاقة
جبارة من شأنها فعل وتغيير الكثير لما ظن المحتل أنه استتب وسيطر عليه.
وغزة أنه رغم ما أصابها من دمار وخسائر، ترسم الأمل على
وجه أبناء الضفة الفلسطينية والقدس والشتات وعائلات الأسرى، وأعطت الأمل لكل الشعب
العربي بثباتها وصبرها وعزيمة أبنائها، فقدموا لها اليوم الثاني من توقف إبادتها
بما يليق بشموخ شعبها لأن الاحتلال والاستيطان والعدوان لن يتوقف.
x.com/nizar_sahli