تشهد الساحة
المصرية تخبطا واضحا في
مواجهة أزمة نقص
الدواء والزيادات المتتالية في الأسعار واختفاء عدد من الأصناف الحيوية،
وكانت التبريرات هي أن فرق سعر العملة المحلية الرسمي بالنسبة للدولار مقارنة
بالسعر في السوق الموازية أو السوق السوداء حسب التعبير الشائع؛ يوجد صعوبة لدى
الشركات المنتجة في الاستمرارية بالتصنيع.
وفي يوم 6 آذار/ مارس 2024 أصدر
البنك المركزي المصري بيانا أوضح فيه أنه "ملتزم بمواصلة جهوده للتحول نحو
إطار مرن لاستهداف التضخم، وذلك من خلال الاستمرار في استهداف التضخم كمرتكز اسمي
للسياسة النقدية، مع السماح لسعر الصرف بأن يتحدد وفقا لآليات السوق. ويعتبر توحيد
سعر الصرف إجراء بالغ الأهمية، حيث يساهم في القضاء على تراكم الطلب على النقد
الأجنبي في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمي والموازي".
مبشرات انتهاء أزمة نقص واختفاء
الأدوية
وبناء عليه، فقد خرجت التصريحات
الرسمية مبشرة بقرب انتهاء أزمة الدواء، حيث أن توفير
الدولار الأمريكي كان هو المشكلة الأساسية لاستيراد المواد الخام الدوائية ومستلزمات الإنتاج والتي تشكل 95
في المئة من مكونات الدواء المصنع محليا في مصر؛ وأعلنت هيئة الدواء المصرية عن
فتح باب استقبال طلبات شركات تصنيع الدواء المحلية لتعديل الأسعار لتعويض فرق
الخسائر التي تسببت في توقف تصنيع الأدوية.
انتهت مهلة الثلاثة أشهر، وما زال المرضى يعانون من أزمة نقص أدوية واختفاء أصناف أخرى رغم زيادات الأسعار، وهنا خرج وزير الصحة ليطلب مهلة جديدة لمدة شهرين إضافيين
ومن جانبه، فقد أعلن وزير
الصحة
عن السماح بمهلة ثلاثة أشهر لحل أزمة الدواء، والتي يلزمها 350 مليون دولار شهريا
للإفراج الجمركي ودخول شحنات المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وتجميعها لبدء
التصنيع والتوزيع.
وجاء تصريح رئيس الوزراء في منتصف
شهر تموز/ يوليو 2024 الماضي بأنه يوجد نقص في 3000 صنف دواء من جملة الأدوية
الأكثر تداولا والتي تضم 4000 صنف دواء يكثر عليها الطلب من المرضى سواء للأمراض
المزمنة أو المسكنات وبعض المضادات الحيوية، وأعلن عن الاحتياج لـ250 مليون دولار شهريا
ولمدة ثلاثة أشهر، وبشر المصريين بقرب انتهاء المشكلة.
ولأن فترة الثلاثة أشهر كانت
موحدة في جميع التصريحات؛ فقد أعلن متحدث رسمي الصحة بأن تلك المهلة قد بدأت
بالفعل من شهر حزيران/ يونيو 2024، وهذا يعني أنها تنتهي بنهاية شهر آب/ أغسطس من
العام نفسه. ومن جانبها فقد بدأت هيئة الدواء المصرية في إصدار بيان أسبوعي يشمل
عددا من الأدوية التي تمت زيادة أسعارها بنسب تتراوح بين 25 إلى 50 في المئة تلبية
لمطالب الشركات المنتجة، معلنة أن تلك الزيادات بهدف توفير الأصناف واستمرارية تلبية
احتياجات المواطنين..
ولكن يبدو أن الرياح قد أتت بما
لا تشتهي السفن؛ حيث انتهت مهلة الثلاثة أشهر، وما زال المرضى يعانون من أزمة نقص
أدوية واختفاء أصناف أخرى رغم زيادات الأسعار، وهنا خرج وزير الصحة ليطلب مهلة
جديدة لمدة شهرين إضافيين..
الغرفة التجارية تطرح أفكارا من
خارج الصندوق لآليات حل أزمة الدواء
وهنا جاء دور رئيس شعبة الأدوية في
الغرفة التجارية ليدلي بدلوه؛ حيث خرج علينا
بأفكار من خارج الصندوق:
الفكرة الأولى: أرسل مسؤول الغرفة التجارية خطابا
لرئيس مجلس الوزراء يشمل اقتراحا بتكليف الفريق كامل الوزير بتشكيل لجنة برئاسته لوضع
الحلول العاجلة والحاسمة والناجعة لحل أزمة الدواء، بحيث تشمل اللجنة ممثلين عن
وزارات الصحة والصناعة وهيئة الدواء وغيرها من الجهات المعنية. ويبدو أن الفكرة كانت ترتكز على قدرات الفريق
كامل الوزير المتعددة، حيث أنه يشغل عدة مناصب منها نائب رئيس الوزراء ووزير النقل
ووزير الصناعة؛ وله خبرة في جذب التمويلات الداخلية وجلب القروض الخارجية.
كانت الفكرة غريبة وغير مسبوقة،
وغير منطقية في الوقت نفسه، وبالتالي فلم يرد عنها أية ردود رسمية من مجلس الوزراء!!
واتضح أخيرا أن فكرة قيام الفريق كامل الوزير بإضافة مسؤولية حل مشكلة الدواء ضمن
مسؤوليات وزارتي الصناعة والنقل لم تعد مناسبة، خاصة بعد فشل الوزير الواضح خلال
حادث قطاري الزقازيق في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر 2024 الجاري، وزيادة عدد ضحايا
حوادث القطارات منذ أن تم توظيفه وزيرا للنقل في آذار/ مارس 2019.
الفكرة الثانية: تشمل طلبا
من شعبة الدواء في الغرفة التجارية تم تقديمه للحكومة المصرية لطرح مبادرة بقيمة
50 مليار جنيه لتمويل شركات الأدوية العاملة في البلاد، بفائدة منخفضة وميسّرة لحل
أزمات القطاع، والذي يعاني من اختناقات في السيولة المالية منذ قرار البنك المركزي
المصري بتحرير سعر الصرف مطلع آذار/ مارس 2024 الماضي؛ وهي فكرة بالغة الغرابة لأن
المشكلة تكمن في نقص السيولة الدولارية المتاحة من البنك المركزي لاستيراد 95 في
المئة من الخامات ومستلزمات تصنيع الدواء في مصر، وبالتالي فإن توفير قروض للشركات
بالجنيه المصري ليست ذات جدوى حقيقية لعدم وجود الدولار في الأساس..
نقص الأدوية يعتبر حالة إبادة
جماعية للشعب بدون حروب
الحل ليس في تخفيف الزحام مع وجود المعاناة، ولكن الحل الأساسي يكمن في إزالة أسباب المشكلة؛ بمعنى توفير جميع الأدوية في جميع المستشفيات والتأمين الصحي، وأيضا في ضمان توزيع الدواء بمساواة وبصورة عادلة على أكثر من 80 ألف صيدلية خاصة منتشرة في عموم البلاد
عبارة صادمة أطلقها أحد المفكرين
المصريين وهو يصف حالة الزحام الشديد لجموع المرضى وذويهم وهم يقفون في العراء
أمام 13 فرعا فقط لصيدليات الإسعاف تخدم عموم المصريين؛ وفق شروط وضوابط تعجيزية
لم تحدث في مصر من قبل، حيث يتم صرف الدواء بوصفة طبية معتمدة، وتحليلات طبية حديثة،
إضافة إلى إبراز بطاقة الهوية بالرقم القومي، في شروط تعجيزية لم تحدث من قبل وتدل
على مدى القصور الواضح في مواجهة مشكلة نقص واختفاء الدواء وغلاء أسعاره.
والغريب أن الرد على ظاهرة الزحام
جاء من رئيس هيئة الشراء الموحد والتي تتبعها
صيدليات الإسعاف؛ حيث أعلن عن خطة
إضافة 14 فرعا جديدا في باقي المحافظات لتخفيف الزحام. وهي فكرة ساذجة جديدة تأتي
من خارج صندوق العقلانية، لأن الحل ليس في تخفيف الزحام مع وجود المعاناة، ولكن
الحل الأساسي يكمن في إزالة أسباب المشكلة؛ بمعنى توفير جميع الأدوية في جميع
المستشفيات والتأمين الصحي، وأيضا في ضمان توزيع الدواء بمساواة وبصورة عادلة على
أكثر من 80 ألف صيدلية خاصة منتشرة في عموم البلاد.
ويجب على الدولة اتخاذ إجراءات
عاجلة بالإعفاء الجمركي للخامات المستوردة ومستلزمات تصنيع الدواء، وتوفير السيولة
الدولارية اللازمة للاستيراد، مع وضع تسعيرة واقعية تضمن استمرارية التصنيع،
بالتوازي مع مراعاة البعد الاجتماعي وظروف الفقر المنتشر بنسبة 33 في المئة بين المصريين؛
وأعني ضمان وجود دعم حقيقي للدواء من خزينة الدولة بدلا من الاعتماد على موارد
صندوق مواجهة الطوارئ الطبية والتي لا تضمن دوام التمويل ولا استمرارية الدعم للدواء،
والذي يعتبر شريانا للحياة وليس مجرد سلعة تخضع لآليات السوق.