كتاب عربي 21

من يريد الحرب ومن يحاول تجنبها؟

شريف أيمن
"التأكيدات من كل مكان بأن نتنياهو وحده من يعرقل صفقة إنهاء الحرب"- الأناضول
"التأكيدات من كل مكان بأن نتنياهو وحده من يعرقل صفقة إنهاء الحرب"- الأناضول
اتصل جو بايدن الاثنين بقادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا لبحث التوترات في المنطقة، وفق ما أعلن البيت الأبيض، وأضاف أن هدف الاتصال كان "إلى حد كبير تكرار ما قاله جميع القادة سابقا فيما يتعلّق بالتأكيد على الدفاع عن إسرائيل"، ومن أجل "توجيه رسالة قوية مفادها أننا لا نرغب برؤية أي زيادة في العنف وأي هجمات من قبل إيران ووكلائها".

وقال القادة، في بيان مشترك نقلته وكالة الصحافة الفرنسية بعدما تحدثوا هاتفيا: "دعوْنا إيران إلى التراجع عن تهديداتها المتواصلة بشن هجوم عسكري على إسرائيل، وبحثنا العواقب الخطيرة على الأمن الإقليمي حال تنفيذ هجوم من هذا النوع".

وفي السياق ذاته، أمر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بنشر غواصة تحمل صواريخ موجهة في الشرق الأوسط، وهذه معلومة عادة ما تكون سرية، لكنها نُشرت للردع، كما أمر حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" بـ"تسريع وصولها" إلى الشرق الأوسط، حسبما أعلن البنتاغون أول أمس الأحد.

وأفاد مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية لصحيفة "واشنطن بوست"، مطلع الشهر الجاري، بتمركز مدمرات أمريكية في منطقة الخليج وشرق البحر المتوسط، بما في ذلك حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت"، وفرق الهجوم البرمائي، وأكثر من 4 آلاف جندي من مشاة البحرية والبحارة.

إن هذه المواقف والتصريحات التصعيدية والهجومية، لا تختلف عن اتهام الولايات المتحدة لحركة حماس بعرقلة محاولة التوصل إلى صفقة تنهي الحرب، وذلك منذ بدء العدوان حتى اليوم، خاصة مع تصاعد احتمالات غياب الحركة عن اجتماع يوم الخميس المقبل.

لا يعلم المرء كيف يمكنه تمالك أعصابه وهو يرى هذا الصلف والوقاحة في قلب الحقائق بهذه الصورة الفجة، ولا يعلم كيف يستطيع هؤلاء النظر في وجوه أبنائهم وهم يكذبون هكذا، وكيف يمكنهم تربيتهم على بعض القيم، وكيف يمكن تبرير الكذب بهذه الطريقة من أجل المصالح السياسية، ثم يتشدق هؤلاء الوقحون بأنهم يدافعون عن القيم الإنسانية! أي قيم؟!

منذ أول مستوطنة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر في فلسطين، ونحن أمام مشروع عدواني ودموي وهمجي لا علاقة له سوى بالعصابات وقطّاع الطرق، ويرعى قطاعَ الطرق الصهاينةَ دُوَلٌ صنعت تاريخها بعشرات الملايين من القتلى في بضع سنوات من القتال بينها، نعم عشرات الملايين لا عشرات الأشخاص أو المئات أو عشرات الآلاف، فهؤلاء الدمويون هم الذين يتحدثون عن تجنب الحرب وعدم تصعيد التوترات في المنطقة، وأمريكا التي تسببت في مقتل مليون عراقي جوعا، غير تدمير البلد عبر احتلاله، وكذا أفغانستان، وكل ذلك في الأمس القريب، تحدثنا اليوم عن خفض التصعيد، أي تصعيد يا مصاصي الدماء وقتلة الضعفاء؟!

حاولت حماس منذ اليوم الأول تقديم رؤية لحل الأزمة دون حرب، وبعد أسابيع من القتال استطاعت إيصال رسالتها بأن الأسرى سيعودون بالاتفاق، وسلموا 110 أسرى من بينهم 30 شخصا خارج اتفاق الهدنة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لكن المحتل الإسرائيلي وقادته الدمويين أصروا على استئناف القتال، كما لا يزالون يصرون عليه، بل ووصل الأمر إلى تصعيد كبير لا يزال واضعا المنطقة على شفا حرب إقليمية قد نصل إليها -لا قدر الله- وقد لا نصل.

إن استهداف القادة في الحركات المقاومة (إسماعيل هنية وفؤاد شكر) لا يعني تهدئة الوضع في المنطقة، والتصريحات المدافعة عن السلوك الصهيوني المعربد لن تؤدي إلى تهدئة الوضع فيها، ورغم جميع التأكيدات من كل مكان بأن نتنياهو وحده من يعرقل صفقة إنهاء الحرب، فقد جاءت تصريحات وزير حربه الدموي غالانت لتؤكد أن نتنياهو من يؤخر الصفقة، وهي تصريحات من أعلى مستوى عسكري في كيان الاحتلال، وأحد أهم أعضاء المجلس الأمني المصغر، ورغم ذلك يتجاهلها الأوروبيون والأمريكيون بصلافة ووقاحة، محملين أي تصاعد في التوترات لإيران وحزب الله وحماس.

شعوب هذه المنطقة تئن من الأوضاع الاقتصادية الضاغطة ولا تريد الحرب، وهي حرب مفروضة، حرب لغرض التحرير، وقطعا تعب الغزيون من الحرب ربما في أسبوعها الدموي الأول، ومن آلة القتل الانتقامية الصهيو-أمريكية المتعطشة لدماء العرب والمسلمين، ليعيدوا للأذهان صورة لصراع ديني واضح لا لبس فيه، ومعركة زرع جسم خبيث في خاصرة المجتمعات الإسلامية للحفاظ على تأخرها،
تتعالى الأصوات اليوم بمطالبة إيران وحزب الله بعدم الرد، وتتفاوت الأسباب ولعل أبرزها وجاهة، هو طرح إيقاف الحرب على القطاع مقابل عدم الرد، وهذا رهن بسلوك نتنياهو الذي فعل ما فعل ليقضي على أي أمل للصفقة، فهل سيستجيب لهذا الطرح إذا وُضع أمامه؟ وهل سيلتزم بعدم المراوغة مجددا ووراءه الأمريكان؟
والتخلص من صورة اليهودي المزعج في التاريخ "الأبيض" العنصري والدموي، فهذه معركة مستمرة منذ قرنين بنفس الفَرْضيات المؤسِّسَة للمعركة، وبأدوات أكثر إجراما ودموية ووحشية، مع فارق واضح؛ أن صاحب الأرض لم يعد ينتظر شيئا من أحد لإنقاذه، بل صار يصنع أدوات ردع العدو بدرجة تقدمت في أربعة عقود فقط من حجارة إلى ما نراه اليوم.

طوال تاريخنا مع المحتل البغيض كان ينعم بالأمان في ظل حكمنا، وكان ملطَّما في ظل "القوميات الأوروبية" رغم انتمائه القومي واكتسابه للجنسية، لكن الانتماء "الديني" لليهود كان سبب شقاء لهم في أوروبا، ولم يتسبب لهم بشيء في أرضنا، ورغم ذلك توجهت سموم هذا المحتل إلى الفلسطيني وقاتَلَه بشراسة وحقد وإهدار كامل للدماء والحقوق، بما يفصح عن أصول خبيثة ونفوس غير سوية، ورغم ذلك لا يزال الفلسطينيون وحركاتهم المقاومة يدعون إلى هدنة طويلة مقابل بعض الحقوق المسلوبة، والأراضي المغتصبة. ولعلها فرصة لإعادة النصح لإخواننا في فلسطين بألا يغفلوا طرح حقهم في العودة على حدود عام 1947 وفقا لقرار التقسيم، في ظل هدنة طويلة لا بسبب الاعتراف بحق العدو في أرض فلسطين.

تتعالى الأصوات اليوم بمطالبة إيران وحزب الله بعدم الرد، وتتفاوت الأسباب ولعل أبرزها وجاهة، هو طرح إيقاف الحرب على القطاع مقابل عدم الرد، وهذا رهن بسلوك نتنياهو الذي فعل ما فعل ليقضي على أي أمل للصفقة، فهل سيستجيب لهذا الطرح إذا وُضع أمامه؟ وهل سيلتزم بعدم المراوغة مجددا ووراءه الأمريكان؟ أعتقد أن التزامه سيبقى محل شك، لكن المقاومة ومحورها يريدون تجنب استمرار الحرب، كما نُقل عن السنوار مؤخرا، وكما نُقل من قبل في تقارير إعلامية أن إيران قد تتغاضى عن التصعيد على خلفية الهجوم الصهيوني على قنصليتها في سوريا مقابل إنهاء الحرب، والمعنيون بالملف يعلمون جيدا من يريد إنهاء الحرب ومن يريد إشعالها، لكنهم من وقاحتهم يقلبون الأماكن.
التعليقات (0)