لم يكن غريبا أن تصمت كل العواصم العربية بعد إبرام
اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي نجحت بكين في إتمامه، رغم العراقيل الكبرى التي وُضعت
في طريقه. وبغض النظر عن فرص نجاح اتفاق المصالحة الذي لم يكن الأول، ونأمل أن
يكون الأخير، فقد كان لافتا إلى حد كبير أن لا يحظى اتفاق كهذا ولو بكلمة واحدة من
الناطقين الرسميين العرب، الذين دأبوا على "التغريد" حول أحداث أصغر من
هذا بكثير، وكأن هذا الصمت يفضح ما يجري في صدور رموز النظام العربي الرسمي،
ويتمنون أن يحدث اليوم قبل الغد، وهو أن يتم شطب كلمتي "حماس" و"الجهاد"
من القاموس العربي، لا أن يقترنا مع "فتح" وفصائل فلسطينية أخرى في
اتفاق مصالحة "يبشر" ولو بالكلمات بطي صفحة "انقسام" جعله
كثير من العرب مشجبا يبررون به تقاعسهم عن نصرة
المقاومة، حيث ما فتئ قائلهم يقول إن
الأولى أن يتحد الصف الفلسطيني وينهي الانقسام قبل أن يطالب أحد العرب
"بالفزعة" للشعب الفلسطيني والوقوف معه بشكل فعلي وعلى الأرض في محنته
هذه.
ولا نذيع سرا هنا حين نقول إن هناك ضغوطا عربية رهيبة
مورست على رام الله كي لا ترسل وفدا إلى بكين، وكي لا تعطي حركتي حماس والجهاد
فرصة الظهور كفصيلين أصيلين في التركيبة الفلسطينية الرسمية، خاصة وأن الاتفاق ينص
على انضمامهما لمنظمة التحرير الفلسطينية،
لا نذيع سرا هنا حين نقول إن هناك ضغوطا عربية رهيبة مورست على رام الله كي لا ترسل وفدا إلى بكين، وكي لا تعطي حركتي حماس والجهاد فرصة الظهور كفصيلين أصيلين في التركيبة الفلسطينية الرسمية، خاصة وأن الاتفاق ينص على انضمامهما لمنظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، مع ما يعنيه هذا الانضمام من "حرج" للنظام العربي الرسمي الذي يعترف بالمنظمة بهذه الصفة
بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب
الفلسطيني، مع ما يعنيه هذا الانضمام من "حرج" للنظام العربي الرسمي
الذي يعترف بالمنظمة بهذه الصفة، لكنه في المجمل يصنف المقاومة الفلسطينية وخاصة
حركتي حماس والجهاد في خانة التنظيمات المحظورة، وربما "الإرهابية"!
هذا المدخل كان ضروريا لفهم حقيقة ما يجري خلف جدران
مغلقة في غير عاصمة عربية وأجنبية حول تشكيل قوة "حفظ سلام" عربية تدير
قطاع
غزة فيما يسمى "اليوم التالي للقضاء على حماس".
وهنا يجب أن نتوقف مليا أمام تعبير "حفظ
السلام"، فهو اصطلاح مخادع كما هو شأن عشرات الاصطلاحات التي تنتجها مراكز
الأبحاث الغربية ومختبرات التفكير، وتضعها في فم الساسة ليلوكوها بمناسبة وبغير
مناسبة، وهي مصطلحات لها معنيان (إن لم يكن أكثر!) علني وباطني، ومثال ذلك حين يتحدثون
عن أهمية تحقيق ديمومة ما يسمى "استقرار المنطقة" والمعنى المختبئ داخل
هذا المصطلح هو: تأمين استقرار الكيان الصهيوني، وملاحقة المقاومة بوصف هذا النشاط
"إرهابيا"، واحتواء حركة الشعوب، والتركيز اقتصاديا على الرضى بما هو
متيسر من "علف"؛ بلا شبع يفضي إلى التفكير، ولا جوع يفضي إلى الموت،
وإبقاء أحزمة أمان الكيان في غاية الفاعلية والقوة، وفي نفس الوقت إبقاء شعوب
المنطقة العربية في حالة تيه ولهاث عبر تخريب سلم أولوياتها وإشاعة الخوف الدائم
من المستقبل وعدم اليقين وتبديد أي شعور بالثقة بالنفس.
أما حكاية "
حفظ السلام" فهي عبارة في ظاهرها
وباطنها تحمل معنى واحدا لا ثاني له وهو سلام الكيان، حتى ولو انطوت مهمة تلك
القوة على معنى ما من المعاني لحفظ سلام غزة، فهو سلام كاذب، بل هو استسلام، عبر
تحويلها إلى "حظيرة" بشرية تسبّح بحمد "دولة اليهود" وتعترف
بحقها باحتلال فلسطين، بصورة مباشرة وغير مباشرة في وقت واحد، وشطب كلمة
"مقاومة" من الوجدان الجمعي الغزي، مقابل القيام بإعادة التعمير وتوفير
حياة (أي حياة) للناس، أي أكل وشرب وتغييب كامل لأي مشاعر وطنية فلسطينية.
حكاية "حفظ السلام" هي عبارة في ظاهرها وباطنها تحمل معنى واحدا لا ثاني له وهو سلام الكيان، حتى ولو انطوت مهمة تلك القوة على معنى ما من المعاني لحفظ سلام غزة، فهو سلام كاذب
حكاية "قوة السلام العربية" لم تزل تُبحث خلف
جدران مغلقة، وفي الوقت الذي جاهرت فيه بعض العواصم التي يُزعم انتماؤها للعرب
للاستعداد للانضمام لهذه القوة، سارعت أخرى للتبرؤ منها ورفضها. وفي كلا الحالتين
ثمة وراء الموقفين ما يحرص ساسة العرب على إخفائه، كما هو شأن موقفهم اللفظي من
الدعم الساخن والحماسي للشعب الفلسطيني، فيما يتركز الدعم الفعلي للكيان والوقوف
وراءه وإلى جانبه بكل قوة في حربه الضروس على فلسطين، أملا في "نجاحه"
المستحيل في القضاء على المقاومة، بوصفها صفة مذمومة تهدد "الأمن الوطني"
للنظام العربي الرسمي، وتشكل سابقة كارثية تعيد تعريف العربي الجديد، العربي
القادر على مناجزة العدو والنيل منه وإيقاع خسائر فادحة في صفوفه وبالتالي
"تهديد الاستقرار في المنطقة"!!
اليوم التالي في غزة يشغل بال عواصم صنع القرار في
المنطقة والعالم، وليس لدى أي محلل أو باحث استراتيجي أو حتى مسؤول صورة واضحة عن
هذا اليوم، فالسيناريوهات كلها مفتوحة والكلمة الفصل فيها للمقاومة وصمودها
وحاضنتها الشعبية فقط، ومع هذا لا نستبعد أن تتورط أنظمة عربية فعليا وعلى الأرض
عبر حكاية "حفظ السلام" وتلغ في دماء غزة، فهي تفعل ذلك الآن سرا،
وبأشكال مختلفة، ولكن مصير أي جندي عربي تقذف به حكومته إلى وحل غزة، لن يكون
مصيره مختلفا عن مصير أي مجرم صهيوني محتل!
بقيت كلمة، أكثر ما يخشاه النظام العربي الرسمي أن تنتصر
المقاومة، وهو يدعم الكيان للقضاء عليها دون أن يرف له جفن، على اعتبار أن خطر
أيديولوجيا وثقافة المقاومة تهدد "استقرار الأنظمة"، والحقيقة أن من
يهدد هذا الاستقرار هو الكيان وأيديولوجيته الإجرامية التي لا تراعي حرمة لأي
اتفاق، ولا تحترم "الحليف" مهما قدم لها من خدمات،
أكثر ما يخشاه النظام العربي الرسمي أن تنتصر المقاومة، وهو يدعم الكيان للقضاء عليها دون أن يرف له جفن، على اعتبار أن خطر أيديولوجيا وثقافة المقاومة تهدد "استقرار الأنظمة"، والحقيقة أن من يهدد هذا الاستقرار هو الكيان وأيديولوجيته الإجرامية
والأسوأ للأنظمة
وشعبها العربي الذي نتمنى ألا يقع، هو هزيمة المقاومة، لأن هذا يعني ابتلاع
الصهاينة للمنطقة العربية كلها، بشعبها وأنظمتها، وهذا لن يكون بعون الله، ولنا في
التاريخ عبرة..
فقد وقف أهل العراق يشاهدون التتار وهم يكتسحون خراسان
ويقتلون 200 ألف من أهلها، ولم يتحركوا لنصرة إخوانهم المسلمين، بعدها بسنتين فقط..
جاءهم التتار وقتلوا أكثر من مليون نسمة من أهل العراق وأحرقوا العاصمة بغداد بمن
فيها.. ومع ذلك لم يتعظ أهل الشام، رفعوا رايات السلام(!) وأقاموا مع التتار
معاهدات واتفاقيات، ووقفوا يشاهدون العراق وهو يحترق وأهله يذبحون! فلم تمض شهور
حتى جاءهم التتار واحتلوا الشام ودمروا دمشق وقتلوا أهل حمص وأحرقوا حلب.
أما المماليك حكام مصر فلم يكتفوا بالمشاهدة، فقادوا أهل
مصر لمعركة "عين جالوت"، فكانت نهاية وانكسار التتار وتراجعهم إلى
الوراء!
تلك السنن التي ما دام الناس غافلين عنها، فسيذوقون من
كأس مرارتها حتى الثمالة.. فالظلم يحيا بالسكوت، ويتنفس بالخنوع، ويقوى بالخضوع!