مقالات مختارة

اغـتـيـال هـنـيـة: وقـفـات

عاطف ابو سيف
جيتي
جيتي
يشكل اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بلا شك، انعطافة في الحرب التي تشنها دولة الاحتلال ضد شعبنا، وهي انعطافة تشكل المساس بقادة التنظيمات الفلسطينية، حتى في دول يمكن لوقوع الجريمة على أرضها أن يقود إلى نزاع مسلح.

لننتبه إلى تركيز الإعلام الإسرائيلي بعد عملية الاغتيال على عملية التفاوض من أجل وقف إطلاق النار. ثمة تركيز على فكرة إيفاد الفريق التفاوضي، وأخبار عن خلاف بين نتنياهو وقادة الأمن حول مستقبل الصفقة، وبظني أن كل هذا ليس إلا جزء من الإعلام الموجه الذي تصوغه أجهزة الأمن الإسرائيلي في حربها على غزة. فكلما تصاعد الحديث عن الصفقة، تواصلت عمليات تدمير الأماكن السكنية في القطاع، وهذه المرة وفيما الكل مشغول بتلك التفاصيل، فإن الدبابات تواصل تدمير مناطق شرق المحافظة الوسطى والتقدم باتجاه النصيرات ودير البلح.
يجب ألا يظن أحد أن ما نسمعه في الإعلام الإسرائيلي، خاصة حين لا تتم الإشارة بالدقة لاسم المتحدث، هو صحيح، بل هو جزء مما يصوغه الرقيب العسكري والأمني، من أجل توجيه دفة النقاش بعيدا عن الصراع الدائر. لنلاحظ أن الحديث عادة يكون عن مصدر للقناة كذا الإسرائيلية، وهو من ثم مجرد توجيه لفكرة ولنقاش محدد. أيضا، في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل باغتيال الشخص الأول في حركة حماس وفي قلب عاصمة ساخنة مثل طهران، فإنها تتحدث عن الصفقة وتحاول إيجاد مخارج من أجل التفكير في إحداث اختراق في الجمود القائم، أي وداعة ولطافة تلك.

بالطبع، هنية لم يكن أول من يتم اغتياله من قيادة حركة حماس في الخارج؛ إذ سبقه اغتيال صالح العاروري نائب رئيس الحركة، والوجه الأبرز في قياداتها الجديدة بعد صفقة شاليط مع السنوار، لكن مرة أخرى، ما تم، لم يكن مجرد عملية اغتيال ولا هو توسيع لنطاق الحرب، بل يعكس فهما مختلفا لمستقبل الحرب ولإدارة هذا الصراع المسلح. ومع ذلك، فإن النظر لاغتيال هنية بوصفه مجرد عملية اغتيال أخرى، ليس إلا سوء تقدير لطبيعة المرحلة القادمة، حيث ثمة أهداف متعددة تروم إسرائيل تحقيقها من وراء عملية الاغتيال تلك، وهي، أي تلك الأهداف، لا تقتصر على الصراع مع الفلسطينيين، بل يحضر الملف الإيراني للطاولة بلا تردد.

ومع أننا يجب أن نكون حذرين عند الحديث عن الرد الإيراني، إلا أن أي تصعيد مع إيران إذا قامت بما يمكن اعتباره رد ماء الوجه، سيتم توجيهه في الخطاب الغربي أنه صراع لردع طهران من تطوير قدرات نووية، ستهدد ليس المنطقة، بل ربما العالم الغربي الذي لا يروقه نظام طهران بالطبع، ولا توجهاتها ومساعيها لما يعرف بتصدير الثورة ودعم تنظيمات محددة في منطقة واسعة من الشرق الأوسط، بدءا من العراق وسورية ولبنان وفلسطين، وصولا لليمن.

المؤكد، أن إسرائيل إذا ما قامت طهران بتوجيه ضربة بصرف النظر عن طبيعتها، وخرجت هذه الضربة عن السيطرة، فإن ردها سيكون بمنزلة إعلان حرب على البرنامج النووي الإيراني، ومن ثم فإن الغرب الذي لا يريد لهذا البرنامج أن يتطور، سيجد نفسه طرفا في دعم إسرائيل، حتى لو لم يكن هذا الدعم بطريقة مباشرة.
إن الصورة غير واضحة المعالم ويصعب التكهن بالنهايات المتوقعة لحادثة الاغتيال هذه، لكن ثمة تطورات ستجلب معها انحرافا في مسار الأحداث، وسيكون لها تأثير على الحرب على غزة.

لم يتحدث أحد عن الرد من غزة وإمكانية حدوثه ومعنى عدم وقوعه، فعدم رد "حماس" من غزة سيكون بالنسبة لإسرائيل فحصا لقدرات "حماس" الصاروخية بعد أكثر من ثلاثمائة يوم من الحرب، ومن ثم فهو مؤشر مفيد في تقييم ما وصلت إليه الحرب من نتائج. لا أحد يعرف إذا ما ستكون غزة جزءا من الرد؛ لأن ما يجري على الأرض في غزة، حماها الله، هو حرب إبادة يتعرض لها شعبنا دون توقف ولا انقطاع، ولكن أيضا في مقاييس الحرب، فإن ثمة من يتوقع أن غزة يجب أن تعبر عن غضبها مما جرى وأن ترد. الحديث يدور عن قدرات صاروخية تصل إلى تل أبيب وحيفا، وهي قدرات يصعب الحكم إذا ما كانت متوفرة في غزة، لكن النظر إلى إمكانية ذلك، سيعني قياس قدرات "حماس" التي جعلها نتنياهو ضمن أهداف الحرب.

الرسالة الوحيدة التي أوصلها نتنياهو، هي أنه لا يأبه لمصير الصفقة ولا يهمه كثيرا كيف يمكن أن يؤثر هذا عليها، بل ربما يرى لذلك تأثيرا إيجابيا من باب الضغط على "حماس"، خاصة أن الاغتيال جاء بعد ثلاثة أسابيع من عملية الاغتيال في خان يونس، التي تزعم فيها تل أبيب اغتيال قادة بارزين في الجناح العسكري لـ"حماس"، بمن في ذلك الضيف، وربما ليس بالصدفة أن يتم استحضار اغتيال عضوين بارزين في المكتب السياسي للحركة بعد اغتيال هنية، هما مشتهى والسراج، رغم أن اغتيالهما قد تم في بدايات الحرب، لكن هناك من يريد أن يؤكد تواصل الضغط على بنية "حماس" العسكرية وهيكلها السياسي.

كاتب هذا المقال من الذين قالوا مبكرا؛ إن غاية الحرب بالنسبة لنتنياهو وللجيش سواء، هي الحرب ذاتها. قد يطيب للبعض التمييز بين مواقف مختلفة للمؤسسة العسكرية وأخرى للحكومة، وهو تمييز يخدم "أخلاق" الجيش المزعومة، علينا أن ننتبه منه، لكن الحقيقة أن هدف الحرب الوحيد الذي يمكن لكل ما يجري أن يقود إليه هو الحرب. ثمة أسباب كثيرة يمكن استخدامها وهناك الكثير من الدوافع يمكن استحضارها، كما هناك الكثير من التحولات التي يصار للدفع باتجاهها من أجل ضمان استمرار الحرب وضمان عدم توقفها حتى أصبح، وهذا كتبناه هنا، التفاوض من أجل وقف إطلاق النار، هو جزء من استراتيجية الحرب نفسها.
(الأيام الفلسطينية)
التعليقات (0)