قضايا وآراء

"إسرائيل" المستفزة للرأي العام

عبد الله عدوي
"بات يرسخ لدى شرائح واسعة في المجتمعات الغربية أن "الصنم الإسرائيلي" يمكن انتقاده والتجرؤ على ذلك"- الأناضول
"بات يرسخ لدى شرائح واسعة في المجتمعات الغربية أن "الصنم الإسرائيلي" يمكن انتقاده والتجرؤ على ذلك"- الأناضول
حرصت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ إنشائها على المحافظة على صورتها الإيجابية في العالم، ولا يخفى حجم الاهتمام ونوعيته بالدعاية التي أولتها ماكينات الديبلوماسية والإعلام تحقيقا لهذا الهدف.

جاءت الحرب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة إثر طوفان الأقصى 2023 بوضع جديد في الديبلوماسية الإسرائيلية وتعاطيها مع الدعاية وتحسين صورتها، حيث وصلت صورة الكيان المحتل لأسوأ حالاتها على الإطلاق، مع ملاحظة عدم أولوية ذلك بالنسبة لصنّاع القرار فيه خلال هذه المرحلة، في ظل تصاعد الإجرام في صورة لم تُعهد في الزمن المعاصر، لا سيما من دولة كانت إحدى ركائز دعايتها أنها الديمقراطية الوحيدة وسط أنظمة ديكتاتورية عربية، الأمر الذي بات يؤلب القوى والحراكات في الغرب على غير الوجه الذي أرادته إسرائيل وحلفاؤها عبر عقود خلت. فما نتائج السلوك الإسرائيلي الجديد وانعكاساته على توجهات الرأي العام نحوه؟

شكلت الحركات الطلابية في الجامعات الغربية سابقة في تاريخ الدول الداعمة لإسرائيل، التي تحولت نخبها المستقبلية التي يفترض بها إكمال مشوار السياسيين المناصرين للاحتلال، إلى مناهضين لمشروعه الاحتلالي، ورافضين لجرائم الإبادة التي يرتكبها على مرأى العالم أجمع.

شكلت قرارات محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية هي الأخرى ثورة في وجه الاصطفاف الأعمى مع دولة الاحتلال، فسابقة إدانة إسرائيل واتهامها بارتكاب الجرائم بات واقعا من البوابة القانونية الدولية، ما أضاف خرقا لجدار حاولت إسرائيل ومن ورائها القوى الداعمة لها، الحيلولة دون المسّ بصورتها ومكانتها.

كما شكلت قرارات محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية هي الأخرى ثورة في وجه الاصطفاف الأعمى مع دولة الاحتلال، فسابقة إدانة إسرائيل واتهامها بارتكاب الجرائم بات واقعا من البوابة القانونية الدولية، ما أضاف خرقا لجدار حاولت إسرائيل ومن ورائها القوى الداعمة لها، الحيلولة دون المسّ بصورتها ومكانتها، وعدم السماح بوصول لما يسيء إليها في الأروقة الدولية، في جو سيطرت عليه القوى الكبرى على هذه المنظمات، وأثرت سياسيا في قراراتها.

على الرغم من تأخر قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالحرب على غزة وعدم تنفيذه، إلا أن ذلك وجه آخر يدلل على نفض الغبار عن روتين دولي بات مسلّما في التعاطي مع إسرائيل؛ فالتحولات الدولية في التعاطي مع إسرائيل هزت الوعي الدولي وحركت الضمير الإنساني الذي تجرأ للوقوف في وجه تهديدات القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا، فضلا عن الحرج الذي بات يوضع فيه مسؤولو المنظمات الدولية أمام مشاهد الإبادة في غزة.

إن تصرفات الاحتلال بصورة غوغائية في حربه وعدم مبالاته في الأصوات الدولية؛ سواء المؤسسات أو الأفراد، والداعية إلى العقلانية في التعامل مع المشهد، باتت تكلفه ثمنا باهظا، بل وتزيد من استفزاز الرأي العام العالمي تجاهه شيئا فشيئا، ما يدفع بالمزيد من مناهضة المشروع الصهيوني وبصورة أكثر قسوة من ذي قبل. ويدلل على ذلك ما خلصت إليه فتوى محكمة العدل الدولية الأخيرة، فيما يخص طلب الأمم المتحدة بإنهاء احتلال مناطق 67، ووحدة هذه الأراضي، ورفض الاستيطان ومصادرة الموارد الطبيعية منها، واعتبار ما جرى عليها من إجراءات غير قانونية، وغيرها من القرارات ذات الطابع الصارم في التعاطي مع الرواية الإسرائيلية.

بات مشهد المبالغة في العنف إسرائيليا وزيادة نفوذ المتطرفين في صناعة القرار، وجرائم قتل المدنيين في مدارس الإيواء وغيرها، يقابل بجدية ووقوف مع الحقوق الفلسطينية من أطراف دولية ورأي عام بات يقابل التحدي بتحد، ما بات يضع هذا التحدي أمام صنّاع القرار الداعمين للاحتلال، ويؤثر في إيجابيتهم المعهودة مع الاحتلال على مدى عشرات السنوات، والأهم من ذلك، أنه بات يرسخ لدى شرائح واسعة في المجتمعات الغربية أن "الصنم الإسرائيلي" يمكن انتقاده والتجرؤ على ذلك،
 التجرؤ على الرد على إسرائيل من جبهات محيطة، من اليمن وإيران والعراق ولبنان، شكّل تحولا في الصورة العامة للكيان الذي لم يفكر أحد في مهاجمته، بل وكرست صورة الضعف العربي أمام "الغول" الإسرائيلي، وهذه الجرأة لها ما بعدها.
بعد أن كان من المحرمات التي تودي بصاحبها وتحاصره، وهو ما لاحظناه في أسلوب بعض الجامعات وخطابها الأيديولوجي الداعم المطلق للصهيونية، فحتى هذا الخطاب شكل تحديا للفئات المثقفة والحرة، التي لا تقبل القولبة في أطر تراها تحطّ من حرية التعبير والديمقراطية، وبات ذا مفعول عكسي لشرائح الشباب الذين دخلوا في تحد معه.

على الصعيد العربي والإسلامي، وبالرغم من الخذلان الكبير، إلا أن التجرؤ على الرد على إسرائيل من جبهات محيطة، من اليمن وإيران والعراق ولبنان، شكّل تحولا في الصورة العامة للكيان الذي لم يفكر أحد في مهاجمته، بل وكرست صورة الضعف العربي أمام "الغول" الإسرائيلي، وهذه الجرأة لها ما بعدها من إزالة صورة مثالية، جعلت المحيط يعيش الخوف والرعب من مجرد التفكير من الاقتراب منه.

إن الديبلوماسية الإسرائيلية تعيش في أسوأ حالاتها بتعاطيها مع مُسلَّم حفظ لها وجودها وهيبتها على مدار عشرات السنوات، وباتت تخسر الكثير على الصعد الدولية، بل باتت تحارب ذاتها من خلال خلق فرص العداء مع شرائح واسعة في المجتمعات، جراء الاستفزازات التي تقوم بها في مجالات وبيئات شتى.
التعليقات (0)