قضايا وآراء

جيل الفلسطيني المقاوم في عصر الرقمية!

عبد الله عدوي
1300x600
1300x600
منذ عدة سنوات وملامح جيل فلسطيني جديد تتشكل، ويتجلى وضوحها مع كل محطة يشتبك فيها الشباب الفلسطيني مع الاحتلال، جيل يختلف عن كل الأجيال التي تلت النكبة الفلسطينية بسماته وخصائصه وظروفه الموضوعية والكونية المعاصرة، لا سيما أنه نشأ في ظل الثورة التكنولوجية التي أعادت تشكيل الوعي الثقافي لشعوب العالم أجمع.

شكلت سنوات ما بعد الانقسام الفلسطيني بيئة جديدة في جغرافيا الواقع الفلسطيني، طغى فيها الحزب الواحد والسلطة الواحدة، وبعد مرور 15 عاما على واقع هذه البيئة، ترسخت الكثير من الأمور وتشكل جيل جديد تفتحت عيناه على المعطيات الواقعية التي فرضها الانقسام، منذ ثقافة السلام الاقتصادي والفلسطيني الجديد، مرورا بمنع أعمال المقاومة وملاحقة المقاومين، وحالة الاحتقان الداخلي وبالتوازي مع ممارسات الاحتلال.
شكلت سنوات ما بعد الانقسام الفلسطيني بيئة جديدة في جغرافيا الواقع الفلسطيني، طغى فيها الحزب الواحد والسلطة الواحدة، وبعد مرور 15 عاما على واقع هذه البيئة، ترسخت الكثير من الأمور وتشكل جيل جديد تفتحت عيناه على المعطيات الواقعية التي فرضها الانقسام

الجيل الجديد هو جيل نشأ في واقع التطور التكنولوجي المتسارع وظهور المنصات الرقمية التي شكلت البيئة الحاضنة للشباب للتعبير عن الذات وتشكيل مجتمعاتهم الخاصة، وتعويض ما يفقدونه في واقعهم الحقيقي، لكنها في المقابل كانت رافدا مهما يهدف ملاك التقنيات للغرس الثقافي المدروس لهذا الجيل، وفق رؤاهم وتطلعاتهم للثقافة الكونية التي يسعون إلى تشكيلها.

الجيل الفلسطيني الذي نشأ في بيئة الانقسام من جهة والبيئة الرقمية بثقافتها، تشكل بصورة مختلفة عما قد توقعه الكثيرون، حتى ظهرت ملامحها في أفعاله والاشتباكات التي قادها ويقودها هؤلاء الشباب، والتي أخذت بالتطور مرحلة إثر أخرى، وصولا لما آلت إليه اليوم من عمل شبه منظم يلتف حوله جمهور كبير، بل لم يترك للفصائل المنظمة إلا الوقوف أمامه بكل احترام.

هذا الجيل الذي نشأ في هذه الظروف الخاصة يمتاز بعدد من السمات؛ فهو متمرد، وعابر للفصائلية، وغاضب من السلطة الفلسطينية، ومؤيد للمقاومة. جيل "متمرد" وليس كما الأجيال السابقة التي تربت في أحضان تنظيماتها وكانت تنصاع للتنظيم وتلتزم بتوجيهات مسؤوليه، بل يحمل من سمات الحر، الذي لم تقيده حدود ولا تكبله الإملاءات والسرديات التقليدية، ليحلق في إبداعاته، وهي خاصية تميز أيضا جيل الشباب في الواقع الافتراضي.
هذا الجيل عابر للفصائلية؛ فجزء كبير منه لم ينتظم ضمن أطر فصائلية لكن لديه من الوطنية والحماس للعمل لأجل فلسطين ما يؤهله للتقدم، فضلا عن أن من انتظموا أو حسبوا على فصيل قد شقوا طريقهم متمردين على الواقع المعقد الذي وصلوا إليه

هذا الجيل عابر للفصائلية؛ فجزء كبير منه لم ينتظم ضمن أطر فصائلية لكن لديه من الوطنية والحماس للعمل لأجل فلسطين ما يؤهله للتقدم، فضلا عن أن من انتظموا أو حسبوا على فصيل قد شقوا طريقهم متمردين على الواقع المعقد الذي وصلوا إليه؛ ففتح أصبحت أكثر من فتح في الضفة، وحماس غير موجودة في واقع الضفة أساسا. كما أنه لو كانت الفصائلية حاضرة لآلت الأمور إلى صورة مغايرة من الصراع، فضلا عن أن هذه الحالة الجديدة لا يمكن أن تتسعها أوعية المكونات الفلسطينية مهما بلغ مدى التقاطع معها.

هذا الجيل تفتحت أعين شبابه على سلطة تنفرد في حكمه دون مرجعية حرة، لم يشهد أية انتخابات تشريعية ولا رئاسية يكون له رأي وبصمة فيها، بل شهد فسادا ومحسوبيات وقمعا وظلما، حتى بات غاضبا على السلطة ومن يحكم فيها، ويزداد غضبه مع كل مواجهة تقف فيها السلطة في وجهه.

هذا الجيل متحرر لا تقيده أيديولوجيا، فهو فلسطيني وطني لا يفرق بين يسار ويمين ووسط، ينتمي إلى فلسطين ويمتد أفقيا في شعبها، تراه في ذلك منافسا لما كانت عليه حركة فتح في استحواذها على الشارع بتحررها من الأيديولوجيا.

لكن ومع كل ذلك فإن أبرز ما يميزه أنه مؤيد للمقاومة التي تجمع توجهه نحوها، وبالتالي ما يفقده في الضفة الغربية ويتناقض مع واقعها الذي تجابه فيه المقاومة، وجده في حروب غزة وجاهزية مقاومتها والنماذج التي بنتها في تعزيز قوتها والردع للاحتلال، هذا ما جعل عين الإكبار والمحاكاة والإلهام لنموذج غزة حاضرا في تشكيل هذا الجيل المقاوم الذي هتف للضيف وغزة.
الحراك الشبابي المقاوم في الضفة يعبر عن تحولات مهمة في الساحة الفلسطينية، ستلقي بظلالها على مختلف المكونات الفلسطينية، وتستدعي التحضير لمرحلة لم تعد فيها للفصائل قداستها ولا للتقليدية في التعامل مع الواقع الفلسطيني متسع، فهي مرحلة بفكر جديد وعقلية جديدة وجيل جديد بسمات خاصة لا يتوافق مع الهيكليات الشائخة


لا يخفى أن الحراك الشبابي المقاوم في الضفة يعبر عن تحولات مهمة في الساحة الفلسطينية، ستلقي بظلالها على مختلف المكونات الفلسطينية، وتستدعي التحضير لمرحلة لم تعد فيها للفصائل قداستها ولا للتقليدية في التعامل مع الواقع الفلسطيني متسع، فهي مرحلة بفكر جديد وعقلية جديدة وجيل جديد بسمات خاصة لا يتوافق مع الهيكليات الشائخة. كما لا يخفى الالتفاف الجماهيري العام حول المجموعات الشبابية المقاومة وانتشار صيتها والتفاعل معها، فعرين الأسود باتت فكرة تعدت أن تكون مجرد خلية مقاومة، لتحاكي بشعبيتها تنظيما ذا عمق سياسي شعبي.

أما بخصوص الثقافة الرقمية الموجهة التي تشكل في شعوب العالم وتتجه لترسيخ المادية والميتافيرسية ضمانا لمصالح حيتان الاقتصاد الرقمي، فقد تفاعلت بصورة مختلفة مع الواقع الفلسطيني الذي كان عنصر الاحتلال واستمراره في الحياة الفلسطينية حاسما في التركيبة التي نتج عنها الفلسطيني المقاوم في العصر الرقمي، بما أسهمت فيه الرقمية ومنصاتها من ضخ الوعي والثقافة الوطنية وبصورة ذاتية، والتمسك بالحق أكثر من الأجيال السابقة، تحت قيادة المشتبكين المثقفين، الأمر الذي يشكل خرقا للمأمول إسرائيليا وتهشيما لجهود آلتها الدعائية المزودة بأحدث التقنيات والخبراء، فضلا عن تواطؤ المنصات الرقمية معها ومع سرديتها.

 


التعليقات (0)