تحل غدا الإثنين 15 أيار (مايو) 2023 الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة
"إعلان قيام الكيان الصهيوني".. لم تقتصر آثار تلك
النكبة على
فلسطين
التي احتلها الصهاينة حتى الآن، ولكنها تعدتها إلى عموم العالمين العربي
والإسلامي، وكان لمصر نصيب كبير كونها الشقيقة الكبرى ذات الحدود الممتدة مع
فلسطين.
لقد غيرت تلك النكبة وجه مصر، وقلبت حكمها من ملكي مدني إلى جمهوري
عسكري، ذلك أن هزيمة الجيش المصري في حرب 1948 وهو الجيش العربي الأكبر المشارك في
تلك الحرب (10 ألاف مقاتل) تسببت في جرح بالغ لقادته وضباطه، والذين أحالوا جزءا
من أسباب الهزيمة إلى الأوضاع الداخلية في مصر، والقرار السياسي بالزج بهم في حرب
لم يستعدوا لها بشكل كاف، وتسليحهم بأسلحة فاسدة (تلك القضية الشهيرة التي شكك
فيها الكثيرون لاحقا)، ولذا كان قرار عدد من الضباط المشاركين في تلك الحرب والذين
حوصروا في منطقة الفالوجة وغيرها هي التحرك العاجل لتطهير الجيش المصري عقب عودتهم
من أرض المعركة، وشكل أولئك الضباط تنظيما سريا(الضباط الأحرار) الذي لم يكتف
بتطهير الجيش، بل أطاح بالنظام الملكي، وأعلن النظام الجمهوري عقب انقلاب 23 يوليو
1952.
لم يكن تغيير النظام من ملكي إلى جمهوري مجرد تغيير في هرم السلطة بل
تبعه تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي كبير، حيت تم وقف الحياة السياسية التعددية،
وتم حل الأحزاب، وإحلال نظام الحزب الواحد محلها(الاتحاد الإشتراكي)، كما تبنت
الدولة الفكر الاشتراكي بديلا للاقتصاد الحر الذي ساد من قبل، واعتبرت السلطة
الجديدة أن قضية فلسطين هي قضية مركزية، ونجحت في تعميم ذلك على المستوى العربي،
وخاضت مصر 4 حروب بخلاف حرب 1948 هي حرب السويس 1956 (العدوان الثلاثي البريطاني
الفرنسي الإسرائيلي)، وحرب يونيو حزيران 1967، وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973.
لم تكن تلك الحروب نزهات قصيرة، بل كانت حروبا ضارية قدمت فيها مصر
آلاف الشهداء، بحيث أصبح في كل عائلة أو كل قرية شهيد، وهو ما عمق العداء مع
الكيان الصهيوني، كما أن مصر خصصت الجزء الأكبر من اقتصادها للمجهود الحربي (
اقتصاد حرب) وتحملت الميزانية المصرية مليارات الدولارات لشراء الأسلحة، وكان جزءا
كبيرا من تلك المشتريات عبر ديون لا تزال آثارها باقية حتى اليوم، وتعطلت مسيرة
التنمية الاقتصادية كثيرا بسبب أولويات الحرب، كما أن مصر فقدت منطقة أم
الرشراش(إيلات) عام 1949 وحتى اليوم.
لم يكن تغيير النظام من ملكي إلى جمهوري مجرد تغيير في هرم السلطة بل تبعه تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي كبير، حيت تم وقف الحياة السياسية التعددية، وتم حل الأحزاب، وإحلال نظام الحزب الواحد محلها(الاتحاد الإشتراكي)، كما تبنت الدولة الفكر الاشتراكي بديلا للاقتصاد الحر الذي ساد من قبل، واعتبرت السلطة الجديدة أن قضية فلسطين هي قضية مركزية، ونجحت في تعميم ذلك على المستوى العربي، وخاضت مصر 4 حروب بخلاف حرب 1948 هي حرب السويس 1956 (العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي)، وحرب يونيو حزيران 1967، وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973.
ما سبق هو تأكيد لمدى ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية، ومدى الجرح
الغائر في صدر شعبها من
الاحتلال، وهو ما أفسد كل محاولات التطبيع التي بدأت
بمعاهدة كامب ديفيد، فرغم مرور 45 عاما على توقيع تلك المعاهدة، إلا أن التطبيع ظل
محصورا في غالبه في الجانب الرسمي، في حين ظل المجتمع المصري بشكل عام عصيا على
التطبيع، من خلال نخبته الثقافية والفنية والرياضية، والدعاة ورجال الدين، ومن
خلال نقاباته المهنية والعمالية والتجارية والصناعية واتحاداته الطلابية والنسائية
إلخ، وهذا لا ينفي وجود محاولات حثيثة بين الحين والآخر لاختراق هذا المجتمع
الصلب، ولكن النتيجة النهائية أن لفظ العدو لا يزال يعني الكيان الصهيوني في الوعي
الجمعي المصري.
إن غياب رد الفعل الشعبي المصري على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
وآخرها ما جري في غزة لا يعني رضا أو قبولا بها، بل هو غياب اضطراري، حيث تمنعه
الآلة القمعية البشعة من التعبير عن
رأيه، لقد ظهر الموقف الحقيقي لهذا الشعب حين
شارك في كسر الحصار على غزة عبر الأنفاق، وحين كان ينتفض ضد أي عدوان، وحين اقتحم
سفارة الكيان، وأسقط علمه ورفع العلم الفلسطيني محله عقب ثورة يناير، وفي الكثير
من المظاهر الأخرى، وحين تتاح له فرصة التعبير عن رأيه فإنه لن يتأخر لحظة ولن
يدخر وسعا.
الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي هو أطول
احتلال عسكري في العصر الحديث، لكنه لم ولن يشعر بالاستقرار طالما ظل الشعب
الفلسطيني مؤمنا بحقه في دولته المستقلة، والذي هو حق فطري، تدعمه كل الضمائر
الحية، وطالما ظلت مقاومته لهذا الاحتلال قادرة على إيلامه، وإبقائه تحت التهديد
المستمر، وتكبيده خسائر مادية وبشرية بما يدفعه في نهاية المطاف للقبول بدولة
فلسطينية مستقلة.
ليس خافيا أن انتكاسة ثورات الربيع العربي أثرت سلبا على القضية
الفلسطينية التي شهدت انتعاشة معنوية كبرى في ظل تلك الموجة، ولن ينس أهل فلسطين
انتهاء الحصار عبر الحدود المصرية التي فتحت بشكل كامل، ولا مشهد اقتحام السفارة
الإسرائيلية بالقاهرة، ولا موقف الرئيس مرسي الذي أوقف العدوان على غزة عام 2012،
والذي هتف طلن نترك غزة وحدها"، ولا مواقف الشعوب العربية الأخرى، وهذا ما
يؤكد مجددا أن الطريق إلى تحرير فلسطين يمر عبر تحرير إرادة الشعوب العربية،
وتخلصها من النظم الاستبدادية التي تتاجر بالقضية الفلسطينية، لتحقق بها مغانم
ذاتية، ولتتخذها ذريعة لتكديس أسلحة تحارب بها شعوبها، وترفع بها مديونياتها
الخارجية، لا لتحرر بها فلسطين.