قبل نحو أسبوعين، استيقظت وأنا أعاني من حشرجة في الحلق وسيولة من
الأنف، ولجأت إلى الصيدلية المنزلية لمنع تفاقم الحال إلى نزلة برد شاملة، وبحلول
المساء كان صدري يصدر أصواتا كما أكورديون في يد طفل عابث، وصرت أعاني من ضيق في
التنفس، وكما يليق بشخص هو نتاج ثقافة "اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا"، فقد
سألت نفسي عن علتي، فقالت لي إنني على أعتاب إنفلونزا فيروسية، فقمت بعزل نفسي في
غرفة صغيرة، وفي نحو منتصف الليل أحسست بيد تتلمس جبهتي، فإذا هي أم العيال التي
اكتشفت أنني فزت بزيارة من تلك التي بها بعض الحياء (الحمى)، ولا تزور إلا في
الظلام، والتي "بذلت لها المطارف والحشايا / فعافتها وباتت في عظامي"،
وناولتني قرصين من عقار خافض للحرارة، وجلست إلى جواري حتى أتى العقار مفعوله.
وفي اليوم التالي كانت ام العيال قد "تجندلت" بعد انتقال
كل أعراض الأنفلونزا إليها، وكانت حالتها تحنن حتى نتنياهو، لأنها تعاني أصلا من
ربو شعبي، فشرعنا في قصف الفيروس أو بالأحرى أعراضه بما تيسر في الصيدلية
المنزلية، وألزمناها غرفة أخرى، وتطوعت صغرى بناتي بـ "ممارضتها" مسلحة
بكمام يغطي الأنف والأذن والحنجرة، وبينما بدأت وحرمي في التعافي النسبي بعد اليوم
الرابع من الإصابة، بدأت البنت المسكينة في الشكوى من فتور عام وغثيان وضيق في
التنفس، وارتفاع طفيف في درجة حرارة جسمها، ولأنها لا تعتقد أن المجرب يعرف عن
الأمراض أكثر من الطبيب، فقد قررت الذهاب إلى المستشفى، وهناك صدر قرار بإدانتها بـ
"
الكورونا"، فأعدناها إلى البيت حيث وضعناها في عزلة مشددة، وقمنا
بتعقيم السيارة التي أقلتها إلى المستشفى وكل ما لمسته يداها، وصرنا نعاملها كما
يعامل اليهود المرأة الحائض، بمقتضى لوائح سفر اللاويين فيبعدونها عن المجتمع
لسبعة أيام، ويعتبرون كل شيء لمسته نجسا، بل ويعتبرون الشخص الذي يلمس أشياء تخصها
نجسا أيضا.
ثم قال الطبيب أمرا فات على المجرِّب، وهو إنني أُس الداء، أي أنني أول
من أصيب بالكورونا في بيتنا وأنني نقلتها إلى حرمي، التي تولت توصيلها إلى البنت،
التي لولا أنها أكثر وعيا من والديها، ولجأت إلى أهل الاختصاص، لربما كانت عائلتي
سببا في التفشي الوبائي للكورونا في محيطنا العائلي والاجتماعي، ولكن طيب خاطري أن
الطب قال إن حصول افراد عائلتي جميعا على كافة اللقاحات المقررة لدرء مخاطر
الكورونا، خفف عنا ويلاتها كثيرا، وإنه وبعكس ما روج الـ "ترامبيون" أي
الذين ينتمون إلى مدرسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بأن اللقاحات
"كلام فارغ"، فإن اللقاحات آمنة وفعّالة وتوفر حماية قوية من المرض
الشديد والوفاة. وإن خطر الوفاة من جراء الإصابة بكوفيد ـ 19 بين الناس غير
الحاصلين على اللقاح يزيد بعشرة أضعاف على الأقل، عنه بين الأفراد الحاصلين على
اللقاح.
لا ينبغي أن يغيب عن بال أحد أن الكورونا ما زالت خطرا قائما وماثلا بقوة، فحتى 12 نيسان (أبريل) الجاري بلغ إجمالي من أصيبوا بها 685,148,781 شخصا، مات منهم بسببها أكثر من ستة ملايين وثمانمائة ألف، وفي الولايات المتحدة حيث يبيض أنصار نظريات المؤامرة ويفرخون، بلغ عدد من أصيبوا بالكورونا خلال تلك الفترة أكثر من 106 مليون شخص مات منهم بسببها أكثر من مليون و160 ألف شخص.
أكتب اليوم عن
تجربة عائلتي مع الكورونا، لإعادة دق نواقيس الخطر،
فلا ينبغي أن يغيب عن بال أحد أن الكورونا ما زالت خطرا قائما وماثلا بقوة، فحتى
12 نيسان (أبريل) الجاري بلغ إجمالي من أصيبوا بها 685,148,781 شخصا، مات منهم
بسببها أكثر من ستة ملايين وثمانمائة ألف، وفي الولايات المتحدة حيث يبيض أنصار
نظريات المؤامرة ويفرخون، بلغ عدد من أصيبوا بالكورونا خلال تلك الفترة أكثر من
106 مليون شخص مات منهم بسببها أكثر من مليون و160 ألف شخص.
وأنصار نظرية المؤامرة في أمريكا وغيرها ما زالوا يروجون أن لقاحات
الكورونا يراد منها غرس شرائح إلكترونية في بلايين الناس للتحكم فيهم، ولتحديد نسل
سكان الكرة الأرضية، بخفض معدلات الخصوبة الإنجابية، بينما كل ما تفعله اللقاحات
هو أنها تقوم بتقليد سلوك الفيروسات والباكتيريا، و"تعليم" نظام المناعة
كيفية الاستجابة لغزوات الأجسام المسببة للأمراض المعدية بسرعة وكفاءة، وباختصار
فلقاح الكورونا يحث الجسم على إنتاج نسخ من البروتين الشوكي الموجود في سطح
الفيروس، فيتعلم نظام المناعة كيفية محاربة الفيروس الحامل لذلك البروتين.
كنت وأفراد عائلتي على درجة عالية من الانضباط في التقيد بالتوجيهات
الصادرة عن أهل الاختصاص بشأن سبل تفادي الإصابة بالكورونا، ولكن من مَكْمَنِهِ
ومأمَنِه يؤتى الحذِر، والحذر لا يمنع القدر، وها نحن ثلاثة أعضاء من عائلة
"منضبطة" نصاب بالكورونا في وقت كاد الناس فيه أن ينسوا أمرها، والشاهد
هنا هو أن الكورونا ما زالت موجودة ونشطة، ويغلب الظن عندي أنني التقطتها من متجر
ضخم للسلع الاستهلاكية، مما يعني أن غيري كان يحمل الفيروس وسلمني عينة منه،
فتوليت بدوري توصيلها إلى غيري، وأنني وأفراد عائلتي نجونا من المعاناة الشديدة من
المرض، إما لأن الفيروس الذي انتقل إلينا كان ضعيفا نسبيا، وإما لأن اللقاح حصن
أجسامنا بدرجة طيبة.