أفكَار

تاريخ العلويين بالمغرب.. سيرة ونهج السلطان إسماعيل نموذجا (1من2)

السلطان إسماعيل: إني والله لا أهدر إلا دمَ من أراد سفك دمي بالقصدِ البينِ الصلب والاستعدادِ الحادِّ المستنفر وسعى إلى التمرد عليّ وعلى ركائزِ الدولة ومقوماتِ الأمة
السلطان إسماعيل: إني والله لا أهدر إلا دمَ من أراد سفك دمي بالقصدِ البينِ الصلب والاستعدادِ الحادِّ المستنفر وسعى إلى التمرد عليّ وعلى ركائزِ الدولة ومقوماتِ الأمة

                                                           بنسالم حميش

هذي روافدي وبيانها عندي

أنا عبدُ الله جلَّ جلالُه وحبيبهُ الطَّيِّعُ المأمور. دعائي الأشوق والمستطاب ﴿وقل ربِّ أدخلني مُدخلَ صدقٍ وأخرجني مُخرج صدقٍ وٱجعل لي من لدُنكَ سلطانا نصيرا﴾.

ربِّ ٱغللْ يديَّ ورجليَّ وشلَّني إذا أنا عن سبيلكَ حِدتُ، وغيرَ وجهكَ النوراني استقبلتُ، ودون نصرتكَ ورضاكِ ترجيت.

بيعةُ المؤمنين والمؤمنات في عنقي أمانة، وطاعتهم لي إن صحت عند الله وصحت طاعتي له سبحانه، فإنها عهدٌ ثابتٌ راسخٌ ووثيقُ العرى. أما النساءُ الصالحاتُ القانتات الأمينات المستحقات والحافظاتُ لفروجهن، كما في حديث شريف "لا يكرمهنّ إلا كريم ولا يهينهنَّ إلا لئيم" كما أقر سيد الرسل والمرسلين، فالعزةُ كلها لهنَّ والسؤدد.

غايتي الغالية أن تحبني أمتي بقدر ما لي من شأنٍ وهيبة. وحقِّ الحق، لا سعادة لي إلا بالسعيِ الحثيث إلى إسعاد الناس المستضعفينَ والمتروكين، وإلا فلا خيرَ فيَّ ولا رضي اللهِ عني. فاللهم حرِّك همتي وطاقتي إلى ما أتوقُ إليه وأصبو، حتى أجعلَ من إيالتي بلداً رغدا، بلدَ النفوسِ المطْمَئنة، ترتاح لها الأرواح ويفشو بين أناسها السلام، يلقونهُ بعضهم على بعض روْحا وريحانا، فيكونون رحماءَ بينهم، كادحين إلى استحقاق قول الله جلَّ وعلا ﴿كنتم خير أُمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهونَ عنِ المنكر﴾. وتفسير الآية الصائب عند العارفين: كنتم كذلك في عهدكم السالفِ التليد، فهل على ذلك ما زلتم. ولهذه الأمة وجَّه الخالقُ وعده العظيم ﴿كتبَ ربكم على نفسهِ الرحمة﴾ فكان الرحمانَ الرحيم، فكيف لا أكتبها على نفسي أنا عبدهُ وخديمهُ والفقيرُ إليه والراغبُ في عفوهِ و حنوه ومرضاته.

ثُمَّ إيايَ إياي من حُكمِ الواحدي المتسلط ولو سوَّغ الاستبداد بالكدح الحازم أو بالضرورة القصوى التي لا مندوحة عنها. وقد غلا ولغا وركبَ رأسهُ طيشا ابن هانيء الأندلسي لما مدح المعزَّ لدين الله الفاطمي فقال: "ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ/ فاحكمْ فأنتَ الواحدُ القهارُ". وما هذا الهذر الممجوج المشين إلا رجعُ صدى لطغيان فرعونَ وهامان أو لترهيب الخارجين على الحجاج بن يوسف الثقفي حتى لكأن هذا البطّاش يصدع مهددا: والله لأحدثنَّ لكم شغلا في أجسادكم، ولن أبرحكم إلا أن تأتوني راكعين طائعين نادمين.

غايتي الغالية أن تحبني أمتي بقدر ما لي من شأنٍ وهيبة. وحقِّ الحق، لا سعادة لي إلا بالسعيِ الحثيث إلى إسعاد الناس المستضعفينَ والمتروكين، وإلا فلا خيرَ فيَّ ولا رضى اللهِ عني. فاللهم حرِّك همتي وطاقتي إلى ما أتوقُ إليه وأصبو، حتى أجعلَ من إيالتي بلداً رغدا، بلدَ النفوسِ المطْمَئنة، ترتاح لها الأرواح ويفشو بين أناسها السلام، يلقونهُ بعضهم على بعض روْحا وريحانا، فيكونون رحماءَ بينهم، كادحين إلى استحقاق قول الله جلَّ وعلا ﴿كنتم خير أُمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهونَ عنِ المنكر﴾.
هذا وإني شغفت بسؤال بعض أهل دخلتي وخاصتي عن أشرس أولي الأمر وأعتاهم من خلفاء وملوك وولاة، علاوة على من أعلم أخبارهم و ذلك حتى أكون لهم ضدا لا ندا أو قرينا وأسير ما استطعت على غير سيرتهم بعبدا بعيدا، فاتفقوا على ذكر السفاح وجعفر المنصور الذي أمر بسجن الإمامين مالك وأبي حنيفة وجلدهما، وأضافوا الفاطمي المتلقِّب الحاكم بأمر الله مجمعين على أن خلافته كانت متضادة وأفعاله مظلمة تشيب لها النواصي وتتحير في فمها وتعليلها عقول الناس من عامة وأكابر. وقيل إنه أثناء شبابه أصيب بالمالنخوليا أو جفاف الدماغ وفساد المزاج، مما حمله على الإسراف في القتل وسفك الدماء بشتى أنواع السلاح وحتى الإقدام على حرق مدينة الفسطاط.

وقد أخبرني سفيري عبد الوهاب الغساني الأندلسي أن صنو ذلك الحاكم كان قبله هو الإمبراطور الروماني نيرون المصاب بالمرض نفسه بحيث أمر بتحريق روما تماما. وأنبأني خديمي المالي اليهودي أبرهام ميمران بالملك العبري هيرودس المجنون من القرن الرابع قبل الميلاد في منطقة يهودا وكان أقدم على قتل ألف آدميين حتى تبكي موتَه أراملهم كما يليق بمقامه ويحسن. والمستفاد من تلكم الوجوه وغيرها كثير أن عليّ بالإهتداء بنور العمرين: بن الخطاب الفاروق وبن عبد العزيز العادل وآخرين رضي الله عـنهم جميعا إذ أناروا الحُكم بالحِكمة وشدوهما بأوثق الوشائح والعرى.

إني والله لا أهدر إلا دمَ من أراد سفك دمي بالقصدِ البينِ الصلب والاستعدادِ الحادِّ المستنفر وسعى إلى التمرد عليّ وعلى ركائزِ الدولة ومقوماتِ الأمة التي أتقلدُ واجب صونها وسلامتها أي رعايتها لا رعيِ أناسها، لأنهم من آدم وحواء لا قطعان أو بهائم. هذا، وحقِّ ربِّ الأرباب وعاتقِ الرقاب لن تسمعوني ما حييت أخاطبكم كفرعون القائل "لا أريكم إلا ما أرى"، وسواه من الطغاة ومريديهم الذين رددوا وتبنوا زعم مولاهم ذاك الفاجر التياه. هذا وإني أُشهدكم على ما لم أدعه أبدا كخلافة الله في أرضه أو ظلَّه فيها حاشا حاشا، بل إني خديمه الأوفى أستنير بأوامره ونواهيه وأستهدي بسنة رسوله المصطفى الأمين وسيرته المجيدة المثلى.

إني واللهُ شاهدٌ ووكيلي لمتَّبعٌ في حمل ماموريتي الآيةَ الكريمة ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطا لتكونوا شهداءَ على الناسِ ويكونَ الرسولُ عليكم شهيدا﴾. وبالتالي فإني متبنٍّ سياسةَ الوسطِ الأمثل المقوَّى بالدنوِّ من الغايات الجليلة المعطاء والفعلِ الحسنِ فالأحسن. فلا عجزَ ولا طغيان، لأن الأمنَ والأمان إذا انعدما فلا عِلْمَ يُحصَّل ولا آمالَ تزهرُ وتتفتق ولا حاجاتٍ تُقضى وتتحقق. فلتكن البلاد لذلك منبتا خصيبا طهورا بعون الله وعونِ الهممِ العالية والسواعدِ المشمِّرة التواقة إلى تقوى الله والعملِ الدؤوب على إنماء الخيرات وتوزيعها بالعدل والقسطاس. ولعلي هكذا أكون مقتديا بالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجميعن وأرضاهم وألحقَنا بهم مسلمين مطهَّرين.

كم هو جمٌّ عرمومٌ ولعي بارتياد مدائن الصحراء ومناظرها النضرة الوضاءة. وكيف لا وسجلماسة مسقط رأسي ومرتع نشأتي وترعرعي. هي سجلماسة، ملتقى قوافل المؤن والأقوات وإحياء صلات الأرحام وتجديد عرى الإسلام مع إخواننا في الدين الآتيين من تخوم السودان وأعماقه والصحراء. وهي كما نعلم علاوة على ما ذكرت مهد الديانات التوحيدية في المشرق ومنشأ أهم الدول ومنابت الأولياء والربانيين الأخيار في الديار المغاربية المباركة.

أثناء ولايتي على مكناس وفاس دأبت تارة مع زوجتي عايشة الشريفة أو بمفردي على شد الرحال إلى سجلماسة ومدن أخرى من فيلالة، وكانت غايتي التطهر الأصفى بالهواء الحر والتأمل في الخلائق والملكوت. وكنت كثيرا ما أذكِّر أولادي منذ صباهم أن الرجوع إلى الأصل أصل فأقول فيلالة موطن منشئكم وأرومتكم، فموئلكم إليها واجب عليكم كلما تيسر لكم الحلول بين بني عمومتكم، يقيكم من تقاليب الزمان ونوائبه، فحافظوا رعاكم الله على صلات الأرحام تعلي شأنكم وتجدد تربيتكم على قيّم العزة والجراءة والوفاء. ومما قلت لهم أيضا غير ما مرة فرادى أو زرافات [وتلك البلاد متسعة كبيرة، وبها أعمال وبها منافع كثيرة، وهي قاعدة من قواعد هذه الأقطار المغربية، وقد كانت في القديم دار الإمارة ومنها كانت تتوجه الأوامر والنواهي وتنبعث البعوث ويخرج أصحاب الولايات إلى أكثر كور المغرب، وقد جمعت بين طيب الهواء وكثرة الخيرات، وتوسطت بجميع تلك الفوائج والجهات، فهي محط رحال الرفاق من كل الآفاق، ولا بد لتجار السودان وغيرهم من البلدان منها، وأهل تلك الجهة كلهم موقوفون عليها ولا محيص لأحد منها، فولايتها وحدها يجعل منها الرجل الحازم الِجيّشَ والعيِّش، لا سيما إذا كان صاحبها يتصرف في توات وتكررين وفي درعة، ويمد يده في تلك الفوائد وفي غيرها، ومع ما فيها من كثرة المنافع والمرافئ والمصالح فهي مقر أسلافنا رحمهم الله ومستوطنهم، وقد أسكنا بها من أقاربنا وجماعتنا واشترينا بها من الأصول ما لا يخفى].
*
ذات يوم، في خزانة القصر العامرة، بُعيدَ صلاة الفجر، وقعت عيناي على كتاب استهواني عنوانه، كتاب الضعفاء والمتروكين لمحمد ابن الجوزي، وإذ اطلعتُ على صفحاته الأولى علمتُ أنه مؤلف في موضوع الأحاديث النبوية الضعيفة منها والمتروكة، وأكد لي صحة هذا المتن وزيري الأفقه ومحافظ الخزانة السلطانية أحمد اليحمدي، مُدْرِجاً الكتاب في فقه الجرح والتعديل، ووافقه رأيُ شيخ الإسلام عبد القادر الفاسي القائل بغلوِّ ابن الجوزي رحمه الله وغفر له في جرح رجال الحديث وتصحيف أسماءِ ونسبِ الرواة، إلا أني أبيتُ إلا أن أتشبث بعنوان الكتاب ساحبا إياه على فئات من رعيتي تشكو من الضعفِ والتَّركِ، وأُوليها مكانة معتبرة في جدولِ فكري وانشغالاتي.
*
بُعيد صلاة العشاء أو أختام، كنت أدعو للسمر معي مرةً كلَّ شهر أو أقل ثلة من خاصتي وصدور دولتي ومن أهل المعرفة والمشورة، فأستخبرهم عن أحوال الرعية وأحاورهم في أمهات الشؤون. وحين ينفضُّ الجمع أختلي بنفسي وأقتات بما قلَّ ثم أنكب على قراءة كتب السيرة النبوية الشريفة والسياسة الشرعية، وأُتبعها بأخرى في فصول من تاريخ الأمم ومنحنيات وجودها، متأملا في علل انحلالها وزوالها، حتى إذا طغى عليّ نعاس أخذت منه ما سهل وطاب.

أثناء ولايتي على مكناس وفاس دأبت تارة مع زوجتي عايشة الشريفة أو بمفردي على شد الرحال إلى سجلماسة ومدن أخرى من فيلالة، وكانت غايتي التطهر الأصفى بالهواء الحر والتأمل في الخلائق والملكوت.
وذات ليلة انتابني أرق شديد تلته غفوات مرتجة بدا لي فيها أخي الرشيد يدعو لي باليمن والتوفيق، فحل بي بُعيد ذلك نوم ناعم لم ينهه إلا تنبيه جاريتين ياقوتة ومرجانة تغردان مناوبةً بصوت عذب رخيم: سبحان الله حانت صلاة الفجر يا مولاي. ولما أيقنتا أني لا أحفل بهما ولا أجيب هرعتا هلعتين إلى مولاتهما زوجتي عايشة مباركة وأبلغتاها الخبر، فقدمت صائحة بي، وشعرتُ بدنوِّها مني على فراشي، فأخذت ترش بمزهرية وجهي ولحيتي وتحثني على النهوض، لكني تثاقلت هامسا في أذنها: وفاة الرشيد يا سيدتي نخرت نفسي ودوخت رأسي وهدَّت أوصالي. مات وخلّف لي مهام شائكة بالغة الصعوبة لا أراني الآن قادرا على أدائها كما يرضى الله وتقبل روحُ أخي الطاهرة. فلو أُعفيتُ إلى حدٍّ مّا من حملها قد يكون هذا أصحَّ لي وأريح. حدجتني الشريفة بنظرات حادة مستغربة جعلتني أستجمع قواي وأنهض ساعيا إلى غسل أطرافي وتجديد وضوئي لصلاة الفجر وحدي، ثم أقبل عليّ حاجبي مرجان الكبير عارضا عليَّ ما أختاره من لباس في الخزين، ساعدني على ارتداء الفرجية والقفطان والحايك ثم عممت رأسي وامتشقت سيفي.

عندئذ جاءت الشريفة فطيبتني بالمصطكي وعود القماري وأجلستني حداءها وقالت كلنا على رحيل المولى الرشيد حزنّا حزنا ممضا وعزاؤنا واحد لكن الأعمار بيد الله الذي إليه الرجعى والمآب، واليوم والله لن يقوم بشؤون هذي الأمة وأهاليها إلا أنت يا ذا النفسِ المتطاولة إلى عليات الدرجات وأرفع المراتب. إيمانك الراسخ بمن له الأسماء الحسنى سلاحك الأمضى، يقوِّي جلَدك ويغَّلبك على المحن والملمات، وأنا خلفك بالسند والحثِّ والنصح ما حييت، فانهض إلى ما ندبك ربُّك إليه وولاّك عليه وأطِعهُ واستجب.

كانت سيدة المقام تعلم أن نهوضي لا يتيسر حقّا إلا بإسماعي آيات محكمات يتلوها أحد خدامي شبيه بلال الحبشي الصحابي وهو ذو صوت جهوري رخيم، وكانت هذه الآي ضمن أخرى كثيرة تَدمع لها عيناي وتبل لحيتي. بإشارة منها تلا بعد الحمدلة والتصلية: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِعًا مِنْ خَشْيَةِ الله﴾ ثم أعقبها بآية تقشعر لها جوارحي ويخفق قلبي هي: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.

وبإشارة من حرمي ختم القارئ بهذه الآية الابتهالية المنيفة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا. رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾. وكان شاب أسمر مع أخيه كلما أحضرتهما تناوبا على تلاوة قصار السور أو تجويديها فتذرف عينايَ دموعا حرّى غزيرة ولما نما الخبر إلى الفقيه جسوس اغتاظ وأنكر التجويد في أحد دروسه بدعوى أن الإمام مالك استنكره واعتبره بدعة كما استشهد بابن تومرت الذي ادعى أن التجويد والغناء سيان.

وذات مرة تصدى له طالب لبيب سأله هل الأذان من صنو ذلك بالقياس، فخرس المسؤول وتجنب الإجابة؛ كما أن طالبا آخر ذكرَّ الفقيه بأن موسى الأشعري كان يجوِّد القرآن الكريم، وكان النبيّ صلوات الله عليه يستطيب سماعه وينفعل به حتى البكاء مشبها صوته بمزمار من مزامير الجنة وذهب طالب آخر إلى اعتبار الأذان تجويدا وكذلك نشيد "طلع البدر علينا" الذي استقبل به الأنصار رسولنا سيد الأنام وصحبَه من المهاجرين الأطهار. فما كان من جسوس إلا أن بتر الدرس وهرول إلى باب الخروج مرتبكا يتعثر في ذيوله، أخبرني به من أثق بعيونهم، فلم يعد له حسٌّ ولا حسيس في جامع سيدتنا فاطمة الفهرية أم البنين وما جاوره.
*
عايشة مباركة، البربوشية الرحمانية، هذي المرأة النعمة، كلما ناجتني كل صباح ضمتني إلى صدرها الرحيب فتعتريني خفقات نورانية دفيئة كأنما هي من روْح الفردوس الأعلى. وهي عندي بمثابة هبةٍ سَنية ونفسٍ نفيسة، إذا ما أدنيتها مني انحاشت إليّ فأطارحها الهوى فتجود عليّ بمثيله بل بأوثق وأحلى، ولله الحمد كله إذ قال عزَّ جلاله ﴿هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن﴾.
التعليقات (1)
غزاوي
الخميس، 23-02-2023 08:33 ص
مجرد تساؤل. من هو السلطان اسماعيل !!!؟؟؟. هو إسماعيل بن الشريف الذي ولد في الأسر، أبوه كان أسير عند أمير سوس أبو حسون السملالي الذي زوجه امرأة من قبيلة المغافرة. أطلق سراح والده الشريف سنة 1637 بعد أن دفع ابنه المولى محمد بن الشريف فدية مالية. خلف أخيه الرشيد سنة 1672. ثار عليه ونازعه ابن أخيه أحمد بن محرز بن الشريف السلطة، ثم شق عليه العصا أيضا أهل فاس، وثار عليه الخضر غيلان ثم أبو العباس أحمد الدلائي. كان شعاره ضد "رعاياه": "قبائل لا تلين باللطف بل بالسيف والعنف". سنة 1692 حاول الاستيلاء على وجدة التي كانت تابعة للجزائر ثم حاول الاستيلاء على وهران سنة 1693. ولما خاب مسعاه في كلتا المحاولتين، تأمر مطلع 1700 مع باي تونس وهاجمها كليهما من الشرق والغرب على الجزائر. وصل باي تونس إلى قسنطينة، ووصل السلطان إسماعيل إلى الشلف. فدحرهما داي الجزائر الحاج مصطفى مع حلول الربيع من نفس السنة. ولما فرَّ مهزوما مدحوا يجر أذيال الخيبة، تمرد عليه أبناؤه ونازعوه الملك وتمردوا على بعضهم فاقتتلوا في ما بينهم، ومات إسماعيل سنة 1727ولم يكن له إبنا يعهد له بالخلافة.