نشر موقع "جيوبوليتكال فيتشرز" الأمريكي تحليلا للباحث اللبناني هلال خاشان، تحدث فيه عن معوقات الانتعاش الاقتصادي في
مصر، في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس عبد الفتاح
السيسي إلى البقاء في حكمه، واتهامات للجيش بالتسبب بأزمة البلاد.
وقال الباحث في
مقاله، إنه منذ أن أطاحت مجموعة من ضباط
الجيش بالنظام الملكي في مصر في عام 1952، ركزت الحكومات المتلاحقة على أمنها وبقائها، ولا تعد إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي استثناء.
وأضاف أنه بالرغم من أن السيسي تعهد بعد انقلاب 2013 بتحسين حياة المصريين وتعزيز هيمنة المدنيين على النظام السياسي وعدم الترشح للرئاسة، سرعان ما نكث بوعوده كلها، فيما أطلق مشاريع ضخمة أفادت المؤسسة العسكرية وليس الطبقة العاملة.
مشاريع تهدف لضمان بقاء السيسي
ورأى أنه في الوقت الذي تكافح فيه البلاد أزمة اقتصادية عميقة مع احتمال ضئيل لتحقيق انتعاش دائم، فإن المشاريع الذي أطلقها السيسي تهدف إلى ضمان بقاء حكمه وليس تحسين الاقتصاد.
اظهار أخبار متعلقة
وفي العام 2015، أمر السيسي ببناء عاصمة إدارية جديدة بتكلفة 58 مليار دولار، بهدف نقل مؤسسات الدولة إليها بالكامل، وعزلها عن الشعب وأي اضطرابات اجتماعية محتملة، كما افتتح ما يعرف بـ"قناة السويس الجديدة"، التي كلفت 8 مليارات دولار. وكان من المفترض أن يضاعف المشروع عائدات الممر المائي الاستراتيجي 3 مرات، لتصل إلى 13 مليار دولار سنويا، ولكن من المتوقع أن تجلب 8 مليارات دولار فقط هذا العام، بزيادة قدرها 40 بالمئة فقط عن عام 2020، عندما خنق الوباء حركة الملاحة البحرية العالمية.
ولا يستطيع معظم المصريين الانتقال إلى العاصمة الجديدة، ما يعني أنها ستستوعب في الغالب الطبقة المرفهة، وهي التي تعد أقل ميلا للانخراط في الاحتجاجات، والذين يشكلون قاعدة الدعم الرئيسية للنظام.
ونوه إلى أن الحكومة أدخلت تغييرات أخرى على مشهد القاهرة من شأنها أن تسمح بالانتشار السريع للقوات العسكرية وشبه العسكرية في حال حدوث اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق.
وتشمل التغييرات استثمارات كبيرة في البنية التحتية للمواصلات وإنشاء الطرق والجسور، ما أدى إلى تدمير جزئي للمعالم المعمارية التاريخية في المدينة، كما تهدف الخطة إلى استخدام الجسور الجديدة -40 جسرا شرق العاصمة الجديدة- لتسريع تحركات القوات المسلحة.
وتهدف الإستراتيجية الأوسع إلى احتواء الانتفاضات الواسعة في المدن بسرعة وفعالية أكبر من خلال إعادة الهيكلة الحضرية، حيث تخشى السلطات تكرار أحداث ثورة 25 يناير عام 2011، عندما تعرضت عدة مراكز للشرطة في القاهرة، لا سيما في الأحياء الفقيرة والمناطق منخفضة الدخل، للهجوم والنهب.
ونوه الباحث إلى أن الحكومة المصرية أرادت بالبداية تغيير التركيبة السكانية للمناطق الحيوية القريبة من المراكز الحكومية عن طريق نقل السكان إلى أماكن أخرى، وإنشاء منطقة عازلة في محيط مؤسسات الدولة، وقد تمكنت من تغيير البنية التحتية للنقل بشكل منهجي للسماح للقوات المسلحة بالتحرك بسرعة أكبر في جميع أنحاء القاهرة، ما يقلل من احتمالية الحصار الجماهيري كما حدث في عام 2011.
اظهار أخبار متعلقة
السيسي ضلل المصريين
ويشدد الكاتب على أن السيسي ضلل الشعب المصري بشأن تطلعاته السياسية. وبعد أن قاد انقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، قال السيسي، الذي كان قائداً للجيش في ذلك الوقت، إنه لن يترشح للرئاسة، حيث إنه لم يكن يرغب في إعطاء انطباع بأنه تصرف من منطلق مصالحه الشخصية في الإطاحة بالرئيس السابق.
وأصدر السيسي تعليمات سرية لمساعديه بتعبئة الرأي العام المصري لدعم ترشيحه. وبعد إعلان ترشيحه أخيرا، حصل على 96 بالمئة من الأصوات، بينما حصل منافسه المدني على 3 بالمئة فقط، وقبل الترشح لولاية ثانية في 2018، قال إنه لن يرشح نفسه لولاية ثالثة في 2022، مؤكدا أنه سيحترم الحد الدستوري لفترتين مدتهما 4 سنوات.
لكن التعديلات التي صادق عليها البرلمان المصري العام الماضي مددت فترة السيسي الحالية لمدة عامين. ويحق له الآن الترشح لولاية نهائية مدتها 6 سنوات في عام 2024.
وأشار الكاتب إلى أن السيسي ضلل الجمهور بشأن الأزمة الحالية في البلاد، وغالبا ما يتذرع بنظريات المؤامرة لتبرير تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد.
وألقى السيسي باللوم في التدهور الاقتصادي على ثورة 2011 التي كلفت مصر وفقا لتقديراته حوالي 477 مليار دولار. كما أعرب عن مخاوفه من أن تؤدي ثورة مماثلة، ربما بمساعدة الولايات المتحدة، إلى انهيار الدولة المصرية.
الأزمة سببها الجيش.. والسيسي يوازن العلاقة معه
وبالرغم من اعترافه بأن مصر تمر بأزمة حقيقية، إلا أنه يعتقد أن تعافيها مرهون باستعداد الناس لتحمل المسؤولية والتعاون مع الحكومة.
ورأى الباحث أن السبب الأساس للأزمة الاقتصادية هي القيادة العسكرية، التي لا تعرف كيف تدير الاقتصاد وتلبي احتياجات الناس.
وكانت الطريقة الوحيدة التي تعاملت بها الحكومة مع الأزمة هي الاقتراض المفرط أو فرض المزيد من الضرائب على المصريين الذين يكافحون بالفعل لتغطية نفقاتهم.
اظهار أخبار متعلقة
ونما الدين الخارجي لمصر في عهد السيسي من 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 إلى أكثر من 90 بالمئة العام الماضي، وستصل الحكومة إلى 230 مليار دولار من الديون في عام 2023، وستتجاوز 260 مليار دولار العام المقبل، وفقا للباحث الذي أشار إلى أن ذلك لا يشمل تكلفة إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية بقيمة 28.75 مليار دولار وخدمة القطار فائق السرعة بتكلفة 23 مليار دولار.
وأشار إلى أن إيرادات مصر من العملات الأجنبية، التي بلغت 24 مليار دولار على الأكثر، لا تكفي لسداد الديون، لذلك لجأت الحكومة إلى مزيد من الاقتراض حتى لا تتخلف عن سداد الديون.
وفي العام الماضي، تبنت الحكومة إصلاحات لتأمين قرض من صندوق النقد الدولي، وأعلن البنك المركزي تعويم الجنيه المصري، ما أدى إلى مزيد من التدهور في أوضاع المصريين، وبالرغم من تنوع الاقتصاد المصري، إلا أنه راكد ويفتقر إلى القدرة التنافسية.
ونوه الباحث إلى أنه منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فشلت الحكومة في معالجة المشاكل الناجمة عن الإهمال وسوء إدارة المال العام.
وحذر صندوق النقد الدولي من عام مليء بالتحديات بالنسبة للاقتصاد العالمي، وقد تعاني مصر أكثر من غيرها، فهي واحدة من العديد من البلدان التي تواجه آفاقًا اقتصادية صعبة بسبب الوباء والحرب في أوكرانيا والركود العالمي الذي يلوح في الأفق.
وعلى المدى القصير، قد يؤدي القرض الجديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وكذلك الاستثمارات والمنح من دول الخليج، إلى استقرار الاقتصاد مؤقتا، بكن على المدى الطويل، من المشكوك فيه أن يحقق برنامج الإصلاح الاقتصادي انتعاشا شاملا ومستداما، كما يرى الكاتب.
وأكد أن قرض صندوق النقد الدولي لن يغطي احتياجات مصر التمويلية، لكن تأمين المزيد من الأموال يتطلب الالتزام بإصلاحات صارمة، بما في ذلك تخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد، ما قد يعرض قبضة “السيسي” على السلطة للخطر.
وشدد الكاتب على أن السيسي وصل إلى السلطة دون خطة وطنية، وحافظ على سلطته من خلال استرضاء الجيش والاستثمار في المشاريع الضخمة التي كان لها تأثير ضئيل على الإنتاجية الاقتصادية، وهو يعرف كيف يحافظ على علاقة متماسكة مع القوات المسلحة.
لكن السيسي يدرك أن قوة العسكر ازدادت بعد أن سحق المعارضة السياسية، لذا فهو حريص على تقويض قدرة الجيش من الانقلاب عليه، وقد ساعدت خبرة السيسي العسكرية في الحفاظ على التوازن بين الرئاسة والجيش، لكنه يكافح من أجل استمرار السيطرة على السلطة.
ويرى الباحث أن تحالف السيسي مع الجيش يلغي كل التزاماته. ومنذ عام 1952، جاء جميع الرؤساء من الجيش باستثناء “محمد مرسي”، الذي أزاحه الجيش بعد عام واحد في منصبه.
ويختم الباحث بالقول: لقد فهم هؤلاء القادة كيفية إدارة علاقاتهم مع الجيش، ولكن لم يكن لديهم قدرة على تطوير الاقتصاد. وطالما ظل هذا هو الحال، فلن يكون هناك احتمال كبير للإصلاح السياسي أو التنمية الاقتصادية الحقيقية.