منذ أن
تهاوت النظرية القومية العروبية واليسارية في تحقيق حالة من النهوض للحالة العربية
المتردية وتجلت حالة الفشل في هزيمة عام 1967، بدأت نظرية الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني في التقدم والصعود.
أكثر
من ثلاثة وأربعين عاما على ميلاد الثورة
الإيرانية، التي تعتبر الشرارة الأولى
التي تولد منها وهج الإسلام السياسي الشيعي في كل المنطقة المحيطة، إذ كانت رغبة
في التحرر من الاستبداد بداية الأمر، قبل أن تحول حركات الإسلام السياسي الشيعي تلك
الثورة إلى محرك أساسي من محركات الطائفية في المنطقة، ليبدأ الإسلام السياسي
الشيعي بالتآكل.
الشعوب
تسمع بعيونها لا بآذانها، كما أن الشعوب لا تتعلم إلا بالتجربة الماثلة أمامها
فقط، النخب المفكرة فقط هي التي تدرك الحالة قبل وقوعها، لكن الشعوب دائما تدرك
الحدث السياسي بعد وقوعه وتصيب الحكمة بأثر رجعي، وهي حكمة لا قيمة لها في ميزان
العقل السياسي ولا تحدث أثرا.
التجربة الطويلة أثبتت للشعب الإيراني، أن حكم الولي الفقيه كان النسخة الأكثر سوءا وتعقيدا من المشكلة، وأن الأمور إلى مزيد من الانحدار، وأن الشعب الإيراني أصبح تحت وطأة الحصار الدولي والعزلة، كما أنه أصبح في صراع مع كل الدول المحيطة، وأن المواطن الإيراني يعاني الأمرّين.
أكثر
من أربعين عاما حتى وصل الشعب الإيراني إلى الرغبة في مناهضة حكم الإسلام السياسي
الشيعي، الذي أصبح عائقا من عوائق تقدم المجتمع ونهوضه، بعد أن كان يراهن على أن
الإسلام السياسي الشيعي وحكم الولي الفقيه، هو المفتاح الذي سوف يصل بهم إلى كل
الحلول لمشاكل الدولة الإيرانية بعد سقوط حكم الشاه.
لكن
التجربة الطويلة أثبتت للشعب الإيراني، أن حكم الولي الفقيه كان النسخة الأكثر سوءا
وتعقيدا من المشكلة، وأن الأمور إلى مزيد من الانحدار، وأن الشعب الإيراني أصبح تحت
وطأة الحصار الدولي والعزلة، كما أنه أصبح في صراع مع كل الدول المحيطة، وأن
المواطن الإيراني يعاني الأمرّين في مكابدة سبل العيش بسبب تلك السياسات الطائفية
المتطرفة، رغم أن الدولة من أغنى دول العالم في الثروات الطبيعية.
استمر
المشروع السياسي (الولي الفقيه) في التهاوي والسقوط بعد إحكام سيطرته على العراق، إذ
قدم المثال الحي الذي لا تخطئه العين الفاحصة، كيف يمكن للإسلام السياسي نسخة الولي
الفقيه أن يجعل من العراق الدولة العراقية نموذج فشل، ليصبح العراق في سجل الدول
الأكثر فشلا بعد أن سيطر عليها الحكم الطائفي والإسلام السياسي الشيعي، وذات الأمر
تكرر في لبنان الذي حوله حكم الولي الفقيه إلى دولة تعاني من فراغ في السلطة، وجعلها رهنا للتدخلات الخارجية وصراع المحاور الدولية.
ذات
الأمر تكرر في اليمن الذي سمحت الفرصة لنهج الولي الفقيه في غفلة من الثورة أن
يتمدد، ليصل بالدولة اليمينة إلى نموذج الدولة الطائفية والدولة الفاشلة والحرب الأهلية
التي أحرقت الأخضر واليابس. وذات الأمر أكده النموذج السوري، وكيف أن الإسلام
السياسي الشيعي عندما نفذ إلى الدولة السورية بسبب عسكرة الثورة، حولها إلى نموذج
دولة طائفية اشتعلت فيها الحرب الأهلية بشكل مجنون، وأصبح القتل فيها على الهوية.
لم يكن الإسلام السياسي السني بنسخته الإخوانية، بحالة أفضل من الحالة التي عاشها الإسلام السياسي الشيعي.
لم
يكن الإسلام السياسي السني بنسخته
الإخوانية بحالة أفضل من الحالة التي عاشها
الإسلام السياسي الشيعي، فسريعا تحول المشروع السوداني من مشروع نهوض إلى مشروع
دكتاتورية مغلفة بثوب الدين؛ عمقت معاناة الشعب السوداني الذي يعيش على بقعة تعتبر
من أخصب المناطق العربية، وتفيض بالثروات الطبيعية التي يمكن أن تجعل منها دولة ناهضة،
كما تم تقسيم السودان إلى دولتين واستقلت دولة جنوب السودان.
نموذج
الإسلام السياسي السني السلفي في أفغانستان في نسختيه الأولى ما قبل الحرب 2003
والنسخة الثانية بعد الانسحاب الأمريكي، أثبت أنه نموذج يحمل بذور الفناء الداخلي
في ذاته، وأنه نموذج يتعمد إصابة كل سبل النكوص والتخلف، وأنه يعارض بديهيات إدارة
الدول، ويريد أن يعيد نماذج حكم لم تعد موجودة، حتى إنه جعل من منع التعليم للنساء محور مشروعه في بناء الدولة، رغم كل الجهود التركية القطرية التي بُذلت في إعادة تأهيل
وإنتاج النموذج الأفغاني بنسخته الحديثة.
النموذج
المغربي الذي وصل فيه الإسلام السياسي عبر الصندوق وحكم المغرب لثماني سنوات
متتالية؛ عجز عن حل مشاكل الناس اليومية إلى حد ما، أو تقديم حالة من الرفاه للشعب،
كما أخفق في الوقوع في مستنقع التطبيع مع الكيان الصهيوني، مما جعل الشعب المغربي
يقرر إنهاء هذه التجربة بالصندوق، وينهي منح فرص جديدة لهذا النموذج.
بالصيغة الحالية وبذات المنظومة الفكرية، نستطيع أن نقول: نعم، الإسلام السياسي الشيعي والسني قد انتهى بما آل إليه من نماذج عملية أفضت إلى الإخفاق، لكن يمكن لمشروع الإسلام السياسي السني أن يستدرك بإنتاج ذاته وتبني مشروع الدولة المدنية الحديثة، ويتخلى عن منظومته الفكرية القديمة؛ ليكون جزءا من مشروع الدولة المدنية الوطنية الحديثة.
لكن النموذج
المصري والتونسي لم يكن أفضل حالا من النموذج المغربي، إذ إنها نماذج عجزت عن المحافظة على السلطة والاستمرار فيها، رغم التباين ما بين حكم الإسلام السياسي في
تونس الذي استمر لعشر سنوات؛ وحكم الإسلام السياسي المصري القصير الذي لم يتجاوز
السنة الواحدة.
حتى إن
التجربة التركية التي يروج لها الإسلام السياسي في العالم العربي كتجربة نجاح للإسلام
السياسي، يقدم القائمون عليها أنفسهم على أنها تجربة دولة علمانية محافظة، حتى إن
أردوغان نفسه طلب من
الإسلاميين في مصر أن يعلنوا مشروعهم كمشروع دولة علمانية.
هل
هذا يعني أن مشروع الإسلام السياسي وصل إلى نهايات النكوص؟ بالصيغة الحالية وبذات
المنظومة الفكرية، نستطيع أن نقول: نعم، الإسلام السياسي الشيعي والسني قد انتهى بما آل
إليه من نماذج عملية أفضت إلى الإخفاق، لكن يمكن لمشروع الإسلام السياسي السني أن
يستدرك بإنتاج ذاته وتبني مشروع الدولة المدنية الحديثة، ويتخلى عن منظومته الفكرية
القديمة؛ ليكون جزءا من مشروع الدولة المدنية الوطنية الحديثة، ولكن ذلك حتى الآن
لا يلوح في الأفق، فحجم الجمود وصلابة الأفكار القديمة، يمنع ظهور أي متحورات فكرية
جديدة.