هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: البوطي: "الدعوة والجهاد والإسلام
السياسي"
الكاتبان: هشام عليوان وفادي الغوش
دار النشر: مركز الحضارة لتنمية الفكر
الإسلامي بيروت 2012
عدد الصفحات: 270 صفحة
1 ـ محمد سعيد رمضان البوطي.. شيء من سيرته
يصنف الباحثان محمد سعيد رمضان البوطي ضمن
العلماء الدعاة بسوريا وضمن التيار الفقهي التقليدي. ويتوسع الأثر في عرض سيرة هذا
الشيخ من جهة النشأة والتعليم والمسار المهني ضمن فصلين يستغرقان ثلث الأثر
تقريبا. ومختزلهما الموجز أنه كردي الأصل وصل إلى دمشق رفقة عائلته سنة 1933 قادما
من قرية جيلكا التركية قرب الحدود العراقية وعمره أربع سنوات. وفيها أنهى دراسته
الثانوية الشرعية في جامع منجك سنة 1953 والتحق بإحدى كليات الأزهر الشريف. ثم
اشتغل بسلك التدريس بعد عودته من مصر. فعُيّن معيدا في كلية الشريعة. وبعد أن أنجز
أطروحة دكتوراه بعنوان "الضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية"، عُيّن
عميدا لكلية الشريعة في جامعة دمشق حتى تقاعده سنة 1993. وكان له إسهام فاعل في
الحياة الدينية عبر خطبه في المساجد وعبر برامجه في التلفزيون العربي السوري. وكان
ظهوره الأول فيه من خلال برنامج حواري جمعه بالكاتب اليساري الطيب تيزيني.
وفي مسار حياته الذي امتدّ لأربع وثمانين
سنة شغل عديد المناصب وانخرط في عضوية عديد الهيئات الشرعية وقدّم البرامج الدينية
في الإعلام المرئي وألف الكتب الكثيرة وفي 2005 نال لقب شخصية العالم الإسلامي، في
الدورة الـ 18 لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم. وكان شديد الاتصال بقضايا
الرّاهن واتخذ المواقف العديدة التي أثارت الجدل، أهمها مواقفه من حركات الإسلام
السياسي التي يتبسّط فيها الأثر كالحركات السلفية أو الجهادية.
2 ـ موقفه من الحركات السلفية
يعرض الباحثان معاني مختلفة لعبارة [سلفية]
على المستوى الاصطلاحي. فقد اكتسبت دلالات متباينة في العهود المختلفة. فيشار
عبرها إلى عهد الرسول، أفضلِ العصور وأولاها بالاتباع والاقتداء بالقياس إلى
حديثه: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام
تسبق شهادة أحدهم يمينَه ويمينُه شهادتَه". وتشمل القرون الثلاثة الأولى أي
الحلقات القريبة من الرسول، حتى أنّ ابن تيمية وشيوخ السلفية النصية كانوا يشيرون
إلى أنفسهم بأهل السنّة والجماعة لاعتقادهم أنهم الفرقة الناجية المتبعة للمنهج
الصحيح ولم يستعمل لفظ السلفية.
ويشير الباحثان إلى ظهور المصطلح من جديد في
عهد الدولة العثمانية للتعبير عن تيّار إصلاحي يدعو لنبذ التعصّب المذهبي الذي كان
شائعا عصرئذ. أما اليوم فيفيد الجماعة السلفية النصية أو التقليدية. ويعيّن أيضا
تيارا إسلاميا يدعو إلى العودة إلى نهج السلف الصالح والتمسك بأخذ الأحكام من الأحاديث
الصحيحة دون الرجوع إلى المذاهب والابتعاد عن المدخلات الغريبة عن روح الإسلام.
ولكن "اختراع هذا المصطلح بمضامينه الجديدة" وفق البوطي الذي يعارض بشدة
اعتماده "بدعة طارئة في الدين، لم يعرفها السلف الصّالح ولا الخلف الملتزم
بنهجه". فهو ينذر بتقسيم المسلمين إلى سلفيين وبدعيين وخلفيين فضلا عمّا
يعانون من الانقسامات اليوم، فضلا عن كونه يوحي بأن هؤلاء هم من دون غيرهم ممن
نطقوا الشهادين من يمثلون حقيقة الإسلام. ويجد تواصلا بين المذهب الوهابي المنسوب
للشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد والحركة الإصلاحية التي قادها جمال الدين
الإفغاني، عماده محاربة البدع والخرافات. ولكن أتباعه هؤلاء روجوا لهذا اللقب على
أنفسهم ليوحوا بأن أفكارهم تتجاوز شيخهم وترقى إلى تلك الحلقات المحيطة بالرسول.
ويجد في المذهب كثيرا من الأذى أخطره، تشتيت وحدة المسلمين في كل مكان جرّاء هذه
الفتنة المبتدعة ومنح أصحاب الفكر اليساري الدليل الذي ينشدونه على التناقض في
التدين ضمن قراءتهم الجدلية للتاريخ الإسلامي. ولا يخفي اتهامه لوجود جهات غربية
بالوقوف وراءهم.
ويحاول أن يضيّق في مفهوم البدعة بعد أن
وسّعته السلفية توسيعا أفسد الحياة. فيعود إلى تعريف الشاطبي لها بكونها
"طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة ويقصد بالسلوك عليها المبالغة في
التعبّد لله عز وجلّ". ويناقشهم في مقولات كثير على صلة بها كزيارة القبور
وتحريم اتباع المذاهب الأربعة..
3 ـ موقفه من الجهاد ومن الجهاديين
يتنزل موقفه من الجهاد ومن الجهاديين ضمن
التفكير في آثار هجمات 2001 على العالم الإسلامي خاصّة، وضمن مناكفاته مع تيار
الإخوان عامّة. فيصادر على اعتبار التيارات الجهادية المختلفة قد أخفقت في تبيّن
المقاصد الحقيقية للجهاد ولم تدرك المغزى الشرعي لهذه الشعيرة. ويحدّد أهداف كتابه
"الجهاد في الإسلام" بحصر أعمال الجماعات الإسلامية ضمن ضوابط الجهاد
وأحكامه بعد أن حدث انفلات خرج به عن قواعد الدين وأصوله وتنقية المفهوم ممّا
تحاول الدوائر الاستعمارية أن تلصقه به زورا وبهتانا.
يحدّد الجهاد عنده بقاعدتين. فأساسه الجهاد
بالدعوة إلى الله. أمّا ما ارتبط بالقتال، ففرع منه. ولكنه محدود بظروف خاصّة
وشروط معيّنة هي تكوُّنُ المجتمع الإسلامي وتميّزه في دار الإسلام ونشوء حرابة
تهدّد مكتسباته. ويعود إلى حالات من الإسلام المبكّر للبرهنة على أنّ الجهاد
القتالي شُرّع في المدينة دفاعا عن الأرض التي أورثها الله للمسلمين وعن الجماعة
المسلمة فوق تلك الأرض وعن النظام السلطوي الذي أعطى تلك الجماعة القوة والفاعلية.
وفضلا عن ذلك، يتوسع في شرح آية السيف والحرابة وتفصيل علاقة المسلمين بأهل الذّمة.
ويجد في الجماعات الجهادية التي تتوسل العنف
لإحداث التغيير بالقوة وتوظف الفتاوي لهذا الغرض وتكفر الحكام وأعوانهم تمهيدا
للعصيان واستعمال السلاح ضدهم، خطرا عظيما على الإسلام والمسلمين. ويعتبر أنّ على
من ينشر الرعب بين المسلمين باسم الجهاد أن يعلن موقفه من حديث الرسول (ص) الذي
يقول فيه: "من خرج من أمتي على أمتي يضرب برّها بفاجرها، لا يتحاشى مؤمنها
ولا يفي بذي عهدها فليس مني". فهؤلاء قد تركوا الدعوة إلى الله بالتبليغ
واستبدلوها بالصدام الدموي. وعليه ففهم لا يخرجون عن الحكّام وإنما عن مبادئ
الإسلام وجوهره ويتساءل "هل الوصول إلى الحكم هو الباب الوحيد لخدمة
الإسلام؟". فأبواب خدمته كثيرة.
ويجد الباحثان في موقفه هذا تراجعا عما ذهب
إليه في كتابه "فقه السيرة" لما ردّ على محترفي "الغزو
الفكري" الذين "حصروا كلّ همّهم في مشروعية الجهاد" فيقول في
تعريفه "أما معنى الجهاد، فهو بذل الجهد في سبيل إعلاء كلمة الله وإقامة
المجتمع الإسلامي، وبذل الجهد بالقتال نوع من أنواعه، وأما غايته فهو إقامة
المجتمع الإسلامي وتكوين الدولة الإسلامية الصحيحة". ويرصدان تحوّلا جوهريا
في فهمه له من الموقف الهجومي إلى الموقف الدفاعي. ويفهمان من هذا التّحول اجتهادا
من البوطي بالاستناد أقوال المذاهب واستنادا إلى معايير حدّدها في كتابه "الجهاد
في الإسلام".
4 ـ موقفه من حركات الإسلام السياسي
يبدو رافضا لحركات الإسلام السياسي ويبرر
ذلك لـ"أنها مدّت غاشية من اللبس بين الإسلام والنظام الإسلامي".
فيتهمها بأنها لا ترى في الإسلام إلا أداة للحكم وترسخ فكرة أن الإسلام محض قوانين
تقيم الحدود فتهمل البعد الروحي منه. وخصّ حزب التحرير بالنقد الشديد لأنه الأكثر
انغماسا في العمل السياسي. ولا يتورّع عن التعامل مع الأجنبي المستعمر ويؤكد أنه
قد "وقف على علاقات غير شريفة لدى بعض قادة الحزب". ومقتضيات العمل
الحركي والحزبي عنده تتناقض مع متطلبات الدعوة الأقرب إلى مقاصد التديّن. ولهذا
السبب رفض تمثيل القوى الإسلامية ضمن الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا لما عُرض
عليه أن ينشئ حزبا إسلاميا ويترأس كتلة إسلامية داخلها. وعامة يجد الباحثان أن
البوطي كان أميل إلى الإسلام الذي يتفاعل إيجابا مع السلطة السياسية مؤمنا بضرورة تقديم
النصح للحاكم بدل مواجهته. وعمليا يجدانه مقربا من الرئيس السابق حافظ الأسد. فقد
وقف في صفه وفي صف نظامه عندما اصطدم بالإخوان المسلمين. وهذا ما جعل علاقته بهم
متوترة. وفي 1993 أصدر كتابه "الجهاد في الإسلام كيف نفهمه وكيف نمارسه"
فأعاد الجدل مع تيارات الإسلام السياسي التي رفضت تصوراته، إلى الواجهة. ونُعت
بنشر أباطيل وشبهات حول الجهاد.
وضمن تصوره لعلاقة الإسلام بالديمقراطية
يشير إلى توجّس السياسيين من الحاكم الإسلامي واعتبارهم أن الإسلام يتعارض مع
القيم الديمقراطية، لكونه يقر بعض التصرفات التي تتواقف معه وينكر تلك التي تتعارض
مع المعتقد. وهذا من شأنه أن يفرغها من عمقها ويحوّلها إلى أداة للقبض على الحكم
لا أكثر. "وهذا الخطر واهم وقائم على وهم، ولا يستند إلى أي حقيقة دينية
موجودة في الإسلام". ويردّ هذه المخاوف إلى عدم معرفة أصحاب هذا الرأي بالإسلام
أولا وإلى أن بعض الحركات الإسلامية تخطط بالفعل إلى الاستئثار بالحكم ولتنحرف به
عن قيم الديمقراطية ثانيا. أما الإسلام الحقيقي فلن يضيق على الحرية إذا ما حكم
أبدا، ولن يوصد أبواب الديمقراطية والشورى.
يبدو البوطي رافضا لحركات الإسلام السياسي ويبرر ذلك لـ"أنها مدّت غاشية من اللبس بين الإسلام والنظام الإسلامي". فيتهمها بأنها لا ترى في الإسلام إلا أداة للحكم وترسخ فكرة أن الإسلام محض قوانين تقيم الحدود فتهمل البعد الروحي منه.
ويتحدث عما يتوافق مع مفهوم "حرية
الضمير" في الديمقراطيات الحديثة دون أن يستعمل المصطلح. ويعرض حكم من غيّر
دينه وترك الإسلام. فلا يرى في الأمر حرجا. فليغير من يشاء معتقده بينه وبين نفسه
دون أن يعلنه بين الناس. وليس لأحد أن يلاحقه أو يتجسس عليه. أما إن أعلن ذلك فقد
انقلب إلى عنصر محاربة للمجتمع الإسلامي. فيؤخذ عندها بجريرة هذه المحاربة لا
بجريرة تغيير الدّين.
5 ـ البوطي وإسلام
البلاط
يرصد الباحثان تحوّلا جوهريا في مواقفه من
السلطة، من الدعوة إلى نصح الحاكم سرا وعلانية والترفع عن مجالسته إلى رفضه الشدة
في نصحه ودعوته للتلطف في ذلك. ويجدان في أزمة حافظ الأسد في مع الإسلاميين في
الثمانينات نقطة التحوّل الكبرى في مواقفه.
وعامّة يظل الشيخ محمد سعيد رمضان مثارا
للجدل. فهو عند معارضي حركات الإسلام السياسي نموذج للإسلام المعتدل المتسامح الذي
يرى في الدين بعدا روحانيا أساسا. أما خصومه من هذه الحركات فيجدون في مواقفه
تقرّبا إلى السلطة. فقد كان المستشار الديني لحافظ الأسد الرئيس العلوي وسخر
معارفه لدعمه فكريا ولـ"تبرير إجرامه، تحت شعار رفضه الخروج عن ولي
الأمر". ويجدون في إمامته لجنازته
وهو السني الأشعري رسما زائفا لصورة الحاكم المتسامح المقرِّب بين الأديان تمهيدا
لتوريث الحكم لابنه وترويضا للطائفة السنية في سوريا.
ولعلّنا أن نضيف، من خارج مادة هذا الكتاب
أن خصومه لم يغفروا له إفتاءه بالجهاد إلى جانب نظام بشار الأسد ونددوا كثيرا
بإجازته السجود على صورته. وتفصيل الواقعة أنه سئل عن موقفه من فرض رجال الأمن
السجود لصورة بشار على من يقع بين أيديهم من الثّوار، أجاب "اعتبر صورة بشار
بساطا واسجد عليه". ورغم عسر الحسم بين الحقيقة والتضليل من هذا الخبر في زمن
دكتاتورية وسائل التواصل الاجتماعي يجد خصومه في تعويله على السلطة رهانا خاسرا
دفع حياته ثمنا له. وحجتهم أن وفاته بتفجير انتحاري في مسجد الإيمان بدمشق في 21
مارس 2013 تصفيةٌ من النظام له بعد أن استنفد أهدافه منه خاصة أن مختلف أطراف
الثورة السورية قد أدانت اغتياله أو نفت ضلوعها فيه على الأقل.