قضايا وآراء

عن احتجاجات إيران الأخيرة

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

عندما يعلن مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي أن أحداث الشغب مخطط لها ومدعومة من الخارج، فهذا يعني أحد احتمالين: إما أن الأنظمة الاستبدادية السياسية والدينية، ومنها النظام الإيراني، لا يمتلك القدرة بحكم تكوينه البنيوي على رؤية المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع، أو أن هذا التصريح هدفه تضليل ما يمكن تضليله من أفراد المجتمع من أجل التعمية على الأزمة الاقتصادية العميقة في إيران من جهة، وعلى الهيمنة السلطوية في القضايا الاجتماعية من جهة أخرى، وتحويل نظره باتجاه إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين أصبحتا جزءا رئيسا في منظومة المؤامرة داخل الوعي الجمعي الإيراني.

ويبدو من عملية سرعة النظام في التعامل مع أحداث الشغب ـ التي اندلعت على إثر مقتل الفتاة الشابة مهسا أميني ـ أنه متأهب مسبقا للتعامل مع مثل هذه الاحتجاجات، والسبب في ذلك أن البلاد تشهد كل بضعة أعوام احتجاجات شعبية تتفاوت في شدتها، وكان من أكثرها قوة، احتجاجات عام 2019 ذات الطابع الاقتصادي، واحتجاجات عام 2009 ذات الطابع السياسي احتجاجا على تزوير الانتخابات الرئاسية التي أفضت وأبقت أحمدي نجاد رئيسا للبلاد لولاية ثانية.

غير أن الاحتجاجات الأخيرة، جمعت بين الغضب الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي، فمع أن جميع الاحتجاجات السابقة بدأت بمطالب اجتماعية اقتصادية ثم تحولت إلى مطالب سياسية، مثلما يحدث في جميع الاحتجاجات الشعبية في مختلف أنحاء العالم، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة كانت موجهة ضد النظام السياسي وتدخله في الحيز الخاص للأفراد، وخصوصا المرأة وطريقة لباسها وحريتها الاجتماعية.

إن وفاة مهسا أميني في المعتقل، لم يظهر حجم الغضب الشعبي في مجتمع إسلامي يرفض استخدام العنف ضد المرأة فحسب، بل أظهر رغبة بضرورة إعادة بناء النظام الاجتماعي السياسي، دون الوصول بعد إلى مرحلة إسقاط النظام، كما حدث في الثورة الإسلامية نهاية سبعينيات القرن الماضي، وذلك بسبب أن الشعب الإيراني في مجمله لا يعارض الأجندة الأيديولوجية في السياسة الخارجية الإيرانية، ولا يعارض مشروعية النظام في الداخل.

كل ما في الأمر، أن المجتمع الإيراني أصبح مستاء من أمرين:

الأول، حالة الضبط الاجتماعي التي تمارسها السلطات في ظل حكم المحافظين.

وعلى مدى العقدين الماضيين، غضت السلطات الطرف عن بعض الحريات الشخصية للمرأة التي تريد مواكبة العصر في لباسها، لكن الملفت للانتباه هو أن الأنظمة الشمولية تزداد قسوة حينما تكون في وضع اقتصادي هش، وقد جانبت فاطمة الصمادي الصواب حين قالت إن إصرار السلطات الإيرانية على نشر دوريات الإرشاد في الشوارع، يعتبر مؤشرا على قصور سياسي عن فهم التغيرات القيمية في المجتمع، والإقرار بحقيقة أن أجيالا في إيران بات لها أولويات وتفضيلات قيمية ومعيارية وسلوكية قائمة على نظام القيم الحديث، مثل الحرية الشخصية والاختيار الفردي.

 

إن وفاة مهسا أميني في المعتقل، لم يظهر حجم الغضب الشعبي في مجتمع إسلامي يرفض استخدام العنف ضد المرأة فحسب، بل أظهر رغبة بضرورة إعادة بناء النظام الاجتماعي السياسي، دون الوصول بعد إلى مرحلة إسقاط النظام، كما حدث في الثورة الإسلامية نهاية سبعينيات القرن الماضي،

 



غير أن المسألة لا تخلو من بعد سياسي، فالحجاب في إيران لا يمثل عقيدة دينية فحسب، بل عقيدة أيديولوجية سياسية رمزية للنظام، ومن هنا فإن أية عملية تمرد على الحجاب، تعتبر رفضا لرمزية النظام، ومقدمة لاحتجاجات أخرى حول رموز أخرى، فضلا عن أن توسع الاحتجاج النسائي قد يثير الحمية لدى الشباب، فيحولها من حركة احتجاجية محدودة إلى حركة شعبية واسعة، وكان هذا السبب هو الذي دفع السلطات لاستخدام العنف بسرعة.

الثاني، الأعباء الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، نتيجة التكاليف الباهظة التي تدفعها إيران في سورية ولبنان واليمن.

وتبدو الحالة الإيرانية شبيهة بالحالات العربية، فثمة تنمية على مستوى الاقتصاد لا تنعكس على ارتفاع مستوى الدخل وتدني أسعار السلع الرئيسية.

وبحسب تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عام 2022، تقع إيران بين الدول التي تحتل مرتبة عالية في مؤشر التنمية البشرية، الذي يستند على ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية هي: الحياة المديدة والصحية، المعرفة، المستوى المعيشي اللائق.

ويوضح التقرير أن مؤشر التنمية البشرية في إيران أفضل من الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وأوكرانيا والأردن ولبنان والجزائر ومصر وكوبا والعراق.

غير أن هذه المؤشرات لا تعكس الحالة الاقتصادية لدى الشعب، ولا تعبر عن واقع الفقر الحقيقي في البلاد.

لا تحمل الاحتجاجات الأخيرة أية أبعاد استراتيجية، ولا يمكن اعتبارها مؤشرا لبداية مرحلة جديدة من الغضب الشعبي، فقد ظلت احتجاجات مبعثرة، تعكس غضبا أحاديا، ما يجعلها غير قادرة لأن تتحول إلى كتلة اجتماعية سياسية، كما حدث فيما سمي الثورة الخضراء عام 2009، حين كانت الاحتجاجات آنذاك تمتلك قيادات سياسية معروفة على مستوى البلاد، وقد أفشلت بقوة السلاح.

تعيش إيران منذ نحو عقدين إشكالية بنيوية: فالنظام يحظى بدعم أيديولوجي شعبي واسع، لكنه ما يزال متأخرا عن مواكبة المطالب الشعبية بشقيها الاجتماعي والاقتصادي، وربما هذا هو السبب الذي يمنع حدوث ثورات كبيرة مثل ثورات الربيع العربي، التي يتشابك بها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي تشابكا قويا.

لكن استمرار وطأة الضغوط الاقتصادية مع الضغوط الاجتماعية، قد يدفع نحو مظاهرات واسعة، سرعان ما تتحول إلى ثورة سياسية، فالخيط الفاصل بينهما رفيع للغاية، في مجتمعات ودول لم تدخل بوابة الحداثة الفعلية، وما تزال العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية متداخلة.

*كاتب سوري


التعليقات (0)