قضايا وآراء

العالم يرفع سعر الفائدة.. ولبنان استشارات بلا فائدة

محمد موسى
1300x600
1300x600
فعلتها كل البنوك المركزية العالمية ورفعت أسعار الفائدة وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي، إنه زمن التشدد المالي والاقتصادي، زمن المؤشرات السلبية التي تضرب العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهو يتأرجح بفعل الأزمات المفتوحة والمترابطة وكأنها سلسلة متلاقية لن تجد إحداها حلا قبل الأخرى.

فأي الأزمات أكبر وأخطر: الحروب المتنقلة والمتوقعة من أوكرانيا إلى روسيا، أم شرق البحر المتوسط الذي ينتظر شرارة؛ ما عدنا نعرف متى وقتها وأين مصدرها في إقليم الغاز النائم في أعماقه، حيث لا عمليات ترسيم حدود ظاهرة ولا آفاق تنازل لتمهيد اتفاقيات نهائية تشكل فرصة لبداية حل؛ إن على جبهة المفاوضات اللبنانية مع العدو الإسرائيلي أو بين تركيا واليونان، وما بينهما ليبيا ومصر، والسكوت القبرصي والعجز السوري؟ ما عدا ذلك العين على الاتفاق الإسرائيلي- المصري- الأوروبي الذي يشكل نواة لصياغة مستقبل غاز المتوسط، بعد حروب الترسيم وتقاسم المغانم القادمة لا محالة.

وعلى ضوء التضخم المتصدر الأزمات بعد روسيا وأوكرانيا وبقايا كوفيد 19، أعلن البنك المركزي الأمريكي عن أكبر زيادة في سعر الفائدة منذ حوالي 30 عاما، في إطار جهوده المكثفة لكبح جماح ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية. وقال البنك، المعروف باسم الاحتياطي الفيدرالي، إنه سيرفع سعر الفائدة القياسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية ليصل إلى 1.75 في المائة. ويأتي هذا الارتفاع، وهو الثالث منذ شهر آذار/ مارس، بعد ارتفاع مستوى التضخم بشكل غير متوقع الشهر الماضي.

وقال البنك إنه يتوقع حدوث مزيد من الزيادات، علما أن التعليقات الصادرة بعد الاجتماع أظهرت أن المسؤولين يتوقعون أن تصل أسعار الفائدة إلى 3.4 في المئة بحلول نهاية العام 2022، وهي خطوة سيتأثر بها الناس في صورة ارتفاع تكاليف الاقتراض الخاصة بالرهون العقارية وقروض المدارس وبطاقات الائتمان، ولن يسلم من ارتداداتها أحد في العالم. ولا أدل على ذلك من كلام جيروم باول: "إن التضخم مرتفع للغاية ونحن نتفهم المصاعب التي يسببها". وأكد أنهم يتحركون بسرعة لخفض التضخم.

وعليه تبدو الغاية الآن عالميا تحتاج إلى الكثير من الجرأة، في مقدمتها رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية منذ عقود من الزمن، ما سيجعل عملية الاقتراض من البنوك أكثر تكلفة على الأفراد والشركات والحكومات، بينما تشجعهم على إيداع الأموال للاستفادة من الفائدة المرتفعة. وكنتيجة مرجوة سيؤدي هذا الإجراء بحسب التوقعات إلى تهدئة الطلب على السلع والخدمات والتأثير على القوة الشرائية، مما يساعد على تخفيف تضخم الأسعار.

ولكن ماذا عن بقاء الحروب وضعف الإنتاج وسلاسل التوريد المرهقة أصلا؟! ثم السؤال الأكبر: هل هذه القرارات ستدفع العالم لخطر إحداث تباطؤ اقتصادي حاد كما توقع صندوق النقد الدولي، لا سيما مع ظهور تحديات جديدة، مثل حروب أخرى على غرار ما يجري في أوكرانيا وعمليات الإغلاق الأخيرة في الصين بسبب تفشي فيروس كوفيد-19؟ بل أكثر من ذلك، يبدو أن موجات الركود التضخمي ستضرب الأسواق وتجعلنا أمام أزمات حلول شبه مستحيلة بلا توافق الكبار من الدول وإنهاء الحروب القائمة، اقتصادية وأمنية، لأننا كما يؤكد معظم الاقتصاديين والعارفين أمام مسار ضيق يتعين السير فيه. وعليه ستكون مهمة صعبة للغاية لبلوغ نقطة العودة للاقتصادات إلى طبيعتها، فهل يكون رفع سعر الفائدة عالميا مدخلا للتعافي والقدوم للعالم بجدوى وفائدة؟

وعلى سيرة الفائدة يخطو لبنان خطوات حساسة في لعبة القط والفأر مع عملية الترسيم التي يقودها الأمريكي أموس هوكشتين مع الإسرائيلي، حيث الأمور تشير إلى أن لبنان يسعى جاهدا لتدارك حرب على الأبواب إن لم يأت حساب الحقل كما حساب البيدر اللبناني، برغم التنازلات التي حُملت للوسيط الأمريكي. وعليه فإن على لبنان أن يمضي بالمفاوضات سريعاً، لأننا بكل بساطة لا نعرف ماذا يجري تحت البحر جيولوجياً، وإذا ما كانت هذه الحقول متداخلة مع بعضها، وهذا ما يهدد بخسارة لبنان لهذه الثروة.

لذا، على الحكومة اللبنانية حماية البلوكات 8 و9، مما جاء في خط هوكشتين ناهيك عن خط هوف المرفوض جملة وتفصيلاً ضمن اتفاق الإطار الأساسي. وفي هذا السياق لا بد من موقف لبناني موحّد، وعلى الأمريكي أن يتفهّم أن هذه الورقة هي ورقة لبنان الأخيرة، وهي الكنز الذي تحدث عنه أمين عام حزب الله الذي بدوره قال إنه خلف ما ترتضيه الدولة اللبنانية. ولكن ماذا لو كانت التنازلات أكبر مما يتوقعه حزب الله، فهل نكون أمام حرب إقليمية؟!

وفي هذا السياق وما يجب أن نقف عنده هو كلام قائد الجيش جوزيف عون، في الكلية الحربية، حيث قال بوضوح إن قيادة الجيش فعلت ما عليها، وحددت ورسمت الخطوط مع الوفد المفاوض، وتنتظر ما تتوافق عليه السلطة السياسية، وعلى الجميع أن يكونوا خلف الدولة. وفي ذلك إشارة بالغة الأهمية لما هو قادم!

من الوضح أن القيادة اللبنانية تريد الخط 23 مضافا إليه مساحة 300 كلم لضمان حقل قانا كاملا، وبمكان ما تصبح المعادلة قانا مقابل كاريش. ولكن من يضمن موافقة الإسرائيلي، صاحب سياسة القضم المتواصل منذ مؤتمر مدريد إلى اليوم؟ وللمفارقة الإسرائيلي بدأ عمليات التصدير وتجهيز كل العوامل اللوجستية، فهل من يتعظ لبنانيا منذ 2007 وصولا إلى 2023؟! علما أنه بعد أكثر من شهر على إجراء الانتخابات النيابية لم ينجز لبنان حكومة، وهو ينتظر الخميس المقبل (23 حزيران/ يونيو 2022) الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة، علما أن تأخير وقت الدعوة بات يسميه البعض بدعة جديدة، حيث أصبح التأليف قبل التكليف؟!

وعليه يسأل الكثيرون: ما جدوى مفاوضات مع عدو لا يجيد إلا الكذب والمناورة، واستشارات نيابية بلا فائدة، حيث تؤكد الشروط المتبادلة بين اللاعبين الأساسيين في هذا المضمار أن تأليف الحكومة في وقت سريع يحتاج إلى معجزة. لكن زمن المعجزات ولى، وبات الاستحقاق الرئاسي على الأبواب.

[email protected]
التعليقات (0)