على وقع
حوادث التسرب الغازي في خط نورد ستريم 1 الحيوي للقارة الأوروبية، وبانتظار خطاب
الرئيس فلاديمير بوتين الجمعة ليضم مناطق الاستفتاء الأوكراني الخيّرة بمحاصيلها
واستراتيجيتها، يبقى
الركود
التضخمي مصطلحا يستعمل في الفترة الأخيرة، والناس تائهون أمام ما تراه على الشاشات
وفي الإذاعات والمنصات، وكل ما هو أمامهم مبهم سوى من كلمات قليلة صادقة، عنوانها
اقتصاد العالم كله في خطر، والقرية الكونية المترابطة عضويا تكاد تلفظ أنفاسها؛ ليس
بفعل ما خلفه كوفيد 19 وإغلاقاته المتتالية، وأزماته المتنقلة بين أكبر اقتصاديات
المعمورة فقط، لا، بل جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتمثل أكبر التحديات؛ ليس فقط
على مستوى اللاجئين وأزمات الطاقة المتفجرة، خاصة بعد ما جرى من إغلاقات لخط "نورد
ستريم 1" وصيانته المتلاحقة أو المفتعلة، إنما العبرة بالتأثيرات السلبية على
اقتصادات العالم والمترافقة مع التهديدات النووية التي ترعب العالم، وكأننا على
أبواب الحرب العالمية الثالثة، أو ربما نعيش إرهاصاتها ونتحضر لما هو آت.
كيف لا ونحن نرى أنفسنا في زمن التضخم
العالمي وسياسات التشدد المالي التي تعصف بالدول، وأسعار الفائدة المتصاعدة يوما
بعد يوم، والدولار الذي يقسو على كل العملات وحروب القمح والحبوب والغذاء الآخذة
بالاتساع، حيث الجوع يهدد الكثير من الدول، وفي زمن أسعار الطاقة التي تجتاح كل
القطاعات في لحظة اضطراب وضبابية في الاقتصاد العالمي؟!
كيف لا والقرية الكونية
غدت ديونها ما يفوق 300 تريليون دولار، حيث كشف تقرير لمعهد التمويل الدولي عن ارتفاع إجمالي
الديون العالمية 0.2 في المئة لتبلغ 300.1 تريليون دولار في الربع الثاني من عام
2022، مقارنة بـ299.5 تريليون في الربع المماثل من العام السابق؟ وأضاف المعهد أن
نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي، بدأت بالارتفاع بعد أربعة أرباع من
التراجع المتتالي، واقتربت نسبة الدين العالمي من
350 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من 2022. وتوقع المعهد أن
تصل هذه النسبة إلى 352 في المئة بحلول نهاية هذه السنة، وكأني بالعالم يغرق شيئا
في زمن اللاعدالة واللاتوازن.
نرى أنفسنا في زمن التضخم العالمي وسياسات التشدد المالي التي تعصف بالدول، وأسعار الفائدة المتصاعدة يوما بعد يوم، والدولار الذي يقسو على كل العملات وحروب القمح والحبوب والغذاء الآخذة بالاتساع، حيث الجوع يهدد الكثير من الدول، وفي زمن أسعار الطاقة التي تجتاح كل القطاعات
هذا الكون الغارق بديونه، لا بد من إعادة هيكلته وصياغته، حيث الدول البائسة والجالسة على قارعة الدول
الكبرى تتسول وبفوائد عالية ظالمة ومرهقة لشعوبها، في حين أن الديون تتركز في
أمريكا والصين والاتحاد الأوروبي.
لقد سجلت ديون دول العالم
مستوى قياسيا من الارتفاع، لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية؛ ففي تقرير
السياسة المالية الذي أصدره صندوق النقد الدولي عن شهر نيسان/ أبريل الماضي 2022،
جاء أن حجم هذه الديون سيرتفع خلال هذا العام إلى 296 تريليون دولار أمريكي، أي ما
يعادل 94.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، بينما توقع معهد التمويل
الدولي أن تتجاوز هذه الديون 300 تريليون دولار أمريكي، وهذا ما جرى وسيكمل
حتى نهاية العام.
ويتربع السيد الأمريكي غارقا
بديون تفوق 30 تريليونا، أي عُشر ديون العالم!! فالولايات المتحدة الأمريكية قد
دخلت بالفعل في كارثة اقتصادية لا يمكن السيطرة عليها، والتضخم المفرط أصبح مرئيا
في الأفق، لأنه عندما يتجاوز التضخم 8 في المائة، سيبدأ هروب رأس المال من الأصول
الدولارية إلى الذهب وغيره من الأصول الأخرى الملموسة، ما سيؤدى إلى مزيد من
التضخم، مما أجبر ذلك الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة على الدولار من أجل
خفض التضخم، أو بمعنى أصح، فإن خفض التضخم حقا يتطلب رفع معدل سعر الفائدة إلى قيمة
تتجاوز التضخم الحالي الذي فاق 8 في المائة، كما جرى أوائل الثمانينيات من القرن
المنصرم.
وعليه، فنحن اليوم أمام
مشاهد تاريخية، فماذا يعني أن نرى الذهب في أقل مستوى منذ سنتين، واليورو دون حاجز
0.97 دولار، وهو الأقل منذ عشرين عاما، والين الأقل منذ أكثر من 24 عاما، والجنيه
الإسترليني دون مستويات 37 عاما. أما التضخم، فعاد إلى 40 عاما إلى الوراء.
فهل حان وقت قانون دولي
جديد تحدث عنه الكثير من القادة في قمة شنغهاي الأخيرة، ومن على منبر الأمم المتحدة؟
وهل اقتصاد العام واهتزازته المترافقة مع المآسي العسكرية سيشكل المدخل لولادة
تعديلات العالم الجديد سياسيا واقتصاديا؟ وليس بعيدا عن تلكم المآسي المتلاحقة في
اقتصاد العالم، فإن التقارير الدولية عمدت إلى تخفيض نسب النمو عالميا من 2.8 إلى 2.2، وصولا إلى كلام كرستينا لاغارد الأخير عن الأوضاع الحرجة للاقتصاد الأوروبي، خاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية قد تتخطى تكاليفها 3 تريليونات دولار حتى نهاية
العام 2022.
الواقع يشير إلى أن الركود التضخمي سيزور دول العالم لا سيما الدول الأوروبية، وصولا إلى أكبر اقتصاداتها؛ عنيت الاقتصاد الألماني المحرج، ولا أدل على ذلك من زيارات المستشار الألماني شولتز الأخيرة للخليج العربي
وعليه، الواقع يشير إلى
أن الركود التضخمي سيزور دول العالم، لاسيما الدول الأوروبية، وصولا إلى أكبر اقتصاداتها؛ عنيت الاقتصاد الألماني المحرج، ولا أدل على ذلك من زيارات المستشار الألماني
شولتز الأخيرة للخليج العربي. وعليه، سيخضع النمو في منطقة اليورو للتراجع الأكبر من بين مناطق العالم كافة، مع توقع أن يبلغ 0.3 في المئة في مقابل 1.6 في المئة بالتوقعات
السابقة في حزيران/ يونيو الماضي. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى ارتفاع أسعار
الطاقة، والتضخم الذي يتوقع أن يبلغ هذا العام 8.1 في المئة و6.2 في المئة العام
المقبل، وربما أعلى بحسب استجابة الأسواق.
بين حالة التضخم المفرط وأسعار الفائدة
المتزايدة وأسعار الطاقة غير الملجومة ديون دول العالم الهائلة، لاسيما الدول
النامية والناشئة وكلام الرئيس الروسي بوتين، بأن
إنتاج بلاده من الحبوب هذا العام يمكن أن يتجاوز 150 مليون طن، منها 100 مليون طن
من القمح، وهو رقم قياسي، ولكنه استدرك بأن تصدير الحبوب والأسمدة الروسية لا يزال
يواجه تعقيدات بفعل العقوبات الغربية المفروضة، وهو ما يهدد بحدوث أزمة غذاء
عالمية.
واتهم بوتين الدول
الغربية بإذكاء أزمة
الغذاء العالمية عبر الحصول على الحبوب الأوكرانية واستثناء
الدول الفقيرة، مذكرا بأن 203 سفن شحن محملة بالحبوب، غادرت الموانئ الأوكرانية منذ
بداية أيلول/ سبتمبر الحالي، أربع منها فقط اتجهت إلى الدول الفقيرة!! يبدو أن
اقتصاد العالم معلق بين مطرقة الركود التضخمي وسندان المجاعة.
[email protected]