قضايا وآراء

الأسباب الحقيقية لترشح الإخوان لرئاسة مصر 2012

عصام تليمة
1300x600
1300x600

تناولنا في مقالنا السابق فكرة من يحكمون على الإخوان بالفشل في الرئاسة، وأنهم لا يصلحون لإدارة دكان، كما قال أحد الساسة الكبار السابقين في الخليج، وقلت: حتى يكون الحكم صحيحا على شخص بنجاحه أو فشله، فلا بد من مناقشة الأسباب التي أدت به إلى خوض التجربة، ليس من باب تبرئته بقدر ما هي من باب النظر للحدث في إطار سياقه.

والحقيقة التي رأيناها بعد ما أشبعنا الإخوان نقدا ودراسة، أنه بالمثل: لم تكن بقية التيارات المنسوبة للثورة أكثر حظا أو توفيقا من الإخوان لو تولت المنصب ذاته، فقد فشلت هي الأخرى في إدارة معارضة حقيقية واعية لأول رئيس مدني منتخب، بينما رأينا معظمها بعد الانقلاب العسكري، صامتة صمت القبور، ولو صمتت عشر صمتها مع الحكم المدني لربما تجاوز عقبات كثيرة، أو لحافظنا على الأقل على وجود صندوق انتخابي حتى الآن. ولم يكن من باب أولى الحكم العسكري أفضل، بل إن أقل مدني خبرة بالحكم أرحم بكثير من أي عسكري.

لنعد إذن إلى السؤال المهم في تقييم مرحلة حكم الإخوان، وهو: لماذا ترشحت الإخوان للرئاسة سنة: 2012م، بعد أن كانت قد قطعت عهودا على نفسها بأنها لن تترشح، بل كتب المتحدث الإعلامي باسم الإخوان الدكتور محمود غزلان مقالا يحمل رؤية الإخوان في ذلك، كان عنوانه جازما كالتالي: لماذا لم ولن يكون لنا مرشح، ولن ندعم مرشحا منا؟ 

منذ عامين أصدرت جماعة الإخوان المسلمين، رسالة بوصفها دراسة، عن أسرار الترشح للرئاسة سنة 2012م، على موقع عربي 21 بتاريخ 9 يونيو (حزيران) سنة 2020 بعنوان: لأول مرة.. الإخوان تكشف تفاصيل قرارها بخوض رئاسيات مصر، وذلك في تقرير عن دراسة أعدتها ـ كما كتب موقع عربي21 ـ موقع رسالة الإخوان الذي يصدر من لندن.

ذكرت الرسالة أسبابا كلها معلومة للجميع، أو يعلنها التنظيم منذ أعلن ترشحه للرئاسة وقتها، لكن حقيقة اتخاذ الموقف لم يعلن بعد، ولم يذكر، فما ذكروه: التهديد بحل مجلس الشعب، وأنهم طافوا على كثير من الوطنيين للترشح ولم يقبلوا، وأنهم اشترطوا لمن يدعموه ألا يكون عدوا للفكرة الإسلامية. أما ما لم يذكر وهو الأهم: لماذا تغير موقف الإخوان هذا التغير الجذري في الموقف من الترشح؟

بالطبع أنا أتفهم أن القائمين على أمر الجماعة اليوم ليس لديهم تفاصيل عن أحداث تاريخية في هذه الفترة، وذلك لسبب حقيقي أنهم لم يكن لهم أي صفة في القرار، ولا أي مشاركة حقيقية، فطرفا النزاع الآن في الجماعة: الأستاذ إبراهيم منير، والدكتور محمود حسين، ومن حولهما، لو عدت لسنوات الثورة وترشح الإخوان وقتها، ونزلت لمصر لطرح موضوع مهم أو غير مهم يتعلق بالجماعة، فمن المستحيل أن يقال لك في الجماعة: مر على محمود حسين فموضوعك عنده، ولا على إبراهيم منير. 

وليس في الكلام هنا انتقاصا لأحد منهما، بل الحقيقة التي عشناها جميعا، فلم يكن أحد منهم، ولا من المقربين منهم الآن له أي صفة أو حيثية في الجماعة من حيث القرار أو التخطيط لها، ولذا أتفهم أن ليس لديهم إجابات عن بعض الأحداث، ولكن الذي لا نتفهمه ولا نتقبله، أنه إن تحدث من شهد على الأحداث، يخرج من لم يكن في الصورة إلا متفرجا، فيتحدث بصفة المشارك، والعالم ببواطن الأمور، وهو لم يكن شيئا مذكورا في التنظيم ولا إدارته آنذاك، إلا من باب الشكل.

 

منذ عامين أصدرت جماعة الإخوان المسلمين، رسالة بوصفها دراسة، عن أسرار الترشح للرئاسة سنة 2012م، على موقع عربي 21 بتاريخ 9 يونيو (حزيران) سنة 2020 بعنوان: لأول مرة.. الإخوان تكشف تفاصيل قرارها بخوض رئاسيات مصر، وذلك في تقرير عن دراسة أعدتها ـ كما كتب موقع عربي21 ـ موقع رسالة الإخوان الذي يصدر من لندن.

 



إن تغير موقف الإخوان الرافض للترشح، كان من أكبر أسبابه: أن الموقف الدولي لا يتحمل ذلك ولا يقبله، فهناك رسالة حملها أحد الحلفاء وقتها، تفيد بأن الغرب ليست لديه مشكلة في ترشح إسلاميين، ومنهم الإخوان، فالعقدة الكبرى قد حُلَّت بالنسبة للإخوان للترشح.

بقي موقف مجلس الشورى الإخواني، ليكتمل الموقف الداخلي كمبرر للموقف المتشدد من رفض الترشح، وقد تم ذلك بشكل قال لي الأستاذ مهدي عاكف رحمه الله عنه: لقد تم بشكل معيب، ونعلم عن هذه الفترة وغيرها، كيف يتم تغيير الموقف بالتربيط، وهي ثقافة كانت تحكم هذه الفترة في التنظيم، سواء التربيط من حيث الترشح للشورى نفسه، ثم التربيط داخل مجلس شورى الإخوان ومكتب الإرشاد في القرارات، وهو ما تم ضد عاكف نفسه في قراره بتصعيد الدكتور عصام العريان لمكتب الإرشاد، بعد وفاة الأستاذ محمد هلال، وهو أمر قانوني، لكن التربيط الذي كان يمارس آنذاك منعه من ذلك، في قصة شهيرة نذكرها جميعا.

 

كما دفع المجلس العسكري وقتها رجاله في حزب النور، بالذهاب للمهندس خيرت الشاطر والإخوان، أنه لا بد من إنقاذ المشروع الإسلامي، وذلك بترشح الإخوان، وقد كان ذلك لهدفين عند حزب النور المعروف وقتها كما أخبرني العريان رحمه الله: أنهم صنيعة المجلس العسكري، وبخاصة قيادات الحزب.

وبالفعل ذهب بعض رؤوس الحزب لرؤوس الإخوان المهمة، بأنه ينبغي الترشح، وأخبروهم أن أعلنوا على لساننا أننا نطالبكم بالترشح، ولاقى الأمر قبولا لدى بعض خصوم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في الجماعة أيضا لحرمانه من فرصة الرئاسة، فالتقت هنا عدة أهداف معا في الأمر، هدف المجلس العسكري الإطاحة بالشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، وذلك بنزول الشاطر مرشحا، ثم يستبعد الاثنين معا.

ويحقق حزب النور هدفه الأهم وهو الانتقام من حازم أبو إسماعيل، لأنه سحب كل قاعدتهم الشعبية السلفية لصفه، وكانوا معه في حملته، وتأييده، وذلك دون رغبة منهم، أو تنسيق بينهم، وقد كان قرار أبو إسماعيل للترشح فور تنحي مبارك، إذ أخبر بذلك أحد شيوخ الإخوان، وقال له: سوف أترشح للرئاسة، فقال له: لكن قرار الإخوان عدم الترشح، فقال: لن أترشح باسم الإخوان.

والذي يؤكد دفع المجلس العسكري لحزب النور لذلك، أنهم شجعوا الإخوان للترشح، وعندما حان وقت الإعلان عن مرشحهم الذي سيؤيدونه، لم يؤيدوا الإخوان في الجولة الأولى، بل قال برهامي تصريحا لا يخرج عن أحد لديه أدنى درجات العقل، ولا يفهمه أحد في السياسة أو الدين، هو صيغة مخابراتية بامتياز، فقال: إن أفضل برنامج: برنامج الإخوان، وأفضل مرشح توافقي: محمد سليم العوا، ولكننا سنعطي صوتنا لأبي الفتوح!!!!

وفي جولة الإعادة بين الرئيس الشهيد محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، كان المعلن أنهم مع الإخوان، لكن الحقيقة أنهم كانوا مع المجلس العسكري وشفيق، وقد اتصلت بالعريان قبل الإعادة بعد لقائي في قطر مع مجموعة من أهل الفكر، بأشرف ثابت وكيل مجلس الشعب وأحد رموز حزب النور، وإذ به يقول: الأفضل لنا وللدعوة أن يحكم شفيق، فاتصلت بالعريان لأخبره أن حزب النور باعوهم، فلينتبهوا، في تفاصيل قصة طويلة وحوار طويل، بحضور الصديق الدكتور محمد المختار الشنقيطي وآخرين.

أما السبب الأخير والمهم لترشح الإخوان، فهو ما صدر في لحظة صدق وصراحة، وذلك في لقاء جمعنا في منزل شيخنا القرضاوي في القاهرة، وضم: د. صفوت حجازي، ود. محمد البلتاجي، ود. صلاح سلطان، وقد كتبت تفاصيله وقتها، وأشير لأهم نقطة فيه تتعلق بالموضوع، كنا التقينا للتنسيق بين المرشحين، خاصة من ينتمون للثورة والإسلاميين، وقد جاء شيخنا القرضاوي وقد التقى قبل لقائنا بيوم بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الدوحة بناء على رغبة أردوغان، وأخبره ألا يترشح الإخوان هذه المرة، وليتركوها، فإن نجح أبو الفتوح فنجاحه يحسب لهم، وإن فشل ففشله على نفسه فقط. تلك كانت وجهة نظرة أردوغان، تتفق أو تختلف معها.

جاءنا متأخرا صفوت حجازي، ليخبرنا برفض هذا المقترح، وعلى إصرار الإخوان على الترشح، وأن الجنزوري هدد بحل مجلس الشعب، وأن قرار حله في درج مكتبه، وأن الإخوان تخبرنا بالتالي: إذا حل مجلس الشعب، ويليه الشورى، وليس للإخوان وزير واحد، ولا محافظ واحد، فماذا بقي لهم من الثورة؟ هكذا كان الرد، بكل صراحة، وهو حق مشروع لهم لا ننكره.

فإذا ضممنا الأسباب السابقة كلها، يكون قرار الإخوان للترشح، بناء على تطمينات من عدم معارضة الغرب للترشح، وكذلك الإغراءات التي سربت للجماعة بالترشح، لهدف لدى المجلس العسكري بإزاحة آخرين، وكذلك حقهم المشروع في الترشح، أو في نصيبهم من الثورة، وهو حق مشروع لهم ولغيرهم.

[email protected]


التعليقات (2)
الكاتب المقدام
الخميس، 17-03-2022 06:14 م
*** ترشيح الإخوان لرئيس منهم بعد الثورة كان هو الأمر الطبيعي والمنتظر والمتوقع منهم، وإن كانوا قد تخلفوا عن ذلك الترشيح أو تراجعوا عنه، فقد كان ذلك سيكون خطأ تاريخي في حق الشعب ومجتمعهم وأمتهم وفي حق أنفسهم وجماعتهم، فالتقهقر عن الترشح للرئاسة كان سيفقدهم الكثير من مصداقيتهم والثقة فيهم من جانب مؤيديهم، باعتبار أن ما تميزوا به عن غيرهم عبر تاريخهم هو تصديهم للمهام السياسية بمعنى السعي للتمثيل في المجالس التشريعية والهئيات التنفيذية، وذلك بخلاف الهيئات والجمعيات الإسلامية الأخرى كجمعية الشبان المسلمين أو جماعة انصار السنة أو الجمعية الشرعية، فتلك قد ارتأت أن تتخذ لها منهاجاُ مغايراُ باقتصار عملها على بعض جوانب العمل الإسلامي في مجالات التعليم أو الدعوة أو إنشاء المساجد والأعمال الخيرية، والإخوان كانوا سيدفعون هم والتيار الإسلامي الذي يمثلوه ثمن أفدح مما آلت إليه الأمور في الواقع، فالإخوان ومؤيدوهم كانوا في القلب من الثورة على النظام المستبد العميل الفاسد المتحلق حول مبارك وابنه قبل يناير 2011 وبعده، كما أنهم كانوا (وما زالوا) يحوزون على الشعبية الأكبر، كما أثبتت ذلك نتائج الانتخابات ليست الرئاسية فقط، ولكن أيضاُ في انتخابات مرشحيهم في المجلسين التشريعيين، كما كان ترشح اللواء شفيق رئيس وزراء المجلس العسكري، وعمرو موسى وزير خارجية مبارك، كممثلين عن الحرس القديم للحزب الوطني، أمر متوقع، باعتبار رغبتهم في استعادة مكانتهم وسطوتهم التي كانوا عليها قبل الثورة، ولحماية أنفسهم من فتح ملفات الفساد التي تورطوا فيها خلال فترة حكم مبارك، كذلك كان من المتوقع أن ينتهز أمثال حمدين الفرصة مع المتحلقين حوله من فلول الناصريين القدامى والمتاجرين بالشعارات الاشتراكية من محترفي السياسة، كما أن الليبراليين بحثوا عن من يلتفون حوله ويدفعونه حتى ولو كان من أمثال البرادعي المتغرب لسنوات طويلة عن بلده، أما الأمر الغريب والخطأ الفادح في ذلك الظرف التاريخي الدقيق، فكان استقالة أبوالفتوح أو قل انشقاقه واندفاعه للترشح بقرار منفرد منه، ولا يقل عن ذلك غرابة ترشح حازم صلاح ابو اسماعيل، أو محمد سليم العوا، وهي الترشيحات التي أدت لتفتت أصوات التيار الإسلامي وتشتتهم، ولكن الرأي العام أثبت مرة أخرى بأنه أكثر وعياُ من هؤلاء باصطفافهم خلف الرئيس الشهيد مرسي، وهو المرشح الذي كانت فرصه في النجاح والصمود أفضل ولو كره الكارهون، وتلك وجهة نظر من خارج الجماعة وتنظيماتها، والأيام ما زالت حبلى بالأحداث، وإن غداُ لناظره قريب، والله أعلم.
اسامة عرابي
الخميس، 17-03-2022 05:53 م
يعني لا رؤية و لا تخطيط و لا فقه واقع و لا تشاور مع الاصدقاء الصادقين و انما رد فعل و استجابة لإشارات هنا و هناك كما حدث مع صدام من قبل بتطمينه انه لا توجد اتفاقية دفاع مع الكويت و ان له حق في بترولها ثم حدث ما حدث .. مع الاسف ما تقوله يا اخ عصام يثبت بما لا يدع مجال للشك ان من قادوا هذه المرحلة كانوا مجموعة من الحمقى و المغفلين و اصحاب الهوى .. اما المعارضة بكل اطيافها فلا ارى لهم وزن من قبل او بعد باستثناء مجموعة ائتلاف شباب الثورة فأشهد انهم كانوا يرون الامور بوضوح من ايام التحرير و نصحوا اكثر من مرة و في مناسبات عدة خاصة شباب الاخوان الذين صدقوا النصيحة فاتهمهم الشاطر و عصابته بالتمرد و الخروج على الجماعة .. و حسبنا الله و نعم الوكيل