تقارير

اعتراف اليونيسكو بـ"التطريز الفلسطيني" حفظ لهوية فلسطين

اليونيسكو تدرج فن التطريز الفلسطيني ضمن قائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية
اليونيسكو تدرج فن التطريز الفلسطيني ضمن قائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية

لم يكن يوم الخامس عشر من كانون أول/ ديسمبر الجاري يوما عاديا في تاريخ الشعب الفلسطيني فقد تم في هذا اليوم اعتماد اللجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي في "اليونسكو"، الطلب الفلسطيني لإدراج "فن التطريز في فلسطين: الممارسات، والمهارات، والمعارف، والطقوس" في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وذلك خلال اجتماعها السادس عشر الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس.

وعلى مدار أكثر من عامين عكفت وزارة الثقافة الفلسطينية والخبراء على تحضير ملف متكامل عن "فن التطريز الفلسطيني" لتقديمه لمنظمة اليونسكو لاعتماده وتسجيليه على لائحة التراث غير المادي فيها للحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وذلك من أجل حماية الإرث، والتراث المادي، وغير المادي للإنسانية، وللشعوب، وصيانة الثقافة التقليدية والفلكلور الفلسطيني الخالص في ظل المحاولات الإسرائيلية الاستيلاء عليه وإظهاره للعالم أنه إسرائيلي.

واعتبر الفلسطينيون اعتماد اليونسكو فن التطريز الفلسطيني في لائحة التراث العلمي تأكيد على حق الشعب الفلسطيني في أرضه، حيث تتميز كل منطقة بهذا الفن وتعرف من الثوب الفلاحي المطرز.

وأكد الدكتور عاطف أبو سيف، وزير الثقافة الفلسطيني في حديثه لـ "عربي21" على أهمية هذه الخطوة من قبل منظمة اليونسكو نظرا للمحاولات الإسرائيلية المتواصلة لسرقة التراث الفلسطيني وتعرضه للتزوير، والسرقة، والتدمير، وذلك لحمايته وحفظ الممارسات والطقوس الاجتماعية الفلسطينية التي توارثها الشعب الفلسطيني من آبائه، وأجداده.

 

                      عاطف أبو سيف.. وزير الثقافة الفلسطيني

وقال: "سجلت فلسطين في الخامس عشر من كانون أول / ديسمبر من العام 2021م موقفًا تاريخيًّا في صفحات كفاحنا ونضالنا في مواجهة سياسة سرقة تراثنا وتاريخنا وهويتنا، العصية على المحو والتزوير والسطو، حيث دأب هذا الاحتلال على استباحة كل ما هو مقدّس على أرضنا وتحت ترابها".

وأضاف: "إن هذه الخطوة من منظمة بحجم اليونسكو والمتمثلة في تسجيل التطريز الفلسطيني على لائحة التراث غير المادي لها هو تأكيد على تأصل الشعب الفلسطيني في أرضه فلسطين، واستمراره بالحياة عليها دون انقطاع منذ عشرات آلاف السنين، وهو رمز من رموز الهوية الوطنية الفلسطينية، وارتباطها مع الأرض والتاريخ والطبيعة، تماما كما تعكسه نقوش التطريز الفلسطيني التي تحمل عبق التاريخ والحضارة، وهو ما تحاول دولة الاحتلال سرقته وتزويره".

وكشف أن وزارة الثقافة الفلسطينية بدأت بتقديم ملفات أخرى للتسجيل على القائمة ضمن رؤيتها وبرامجها في الحفاظ على التراث وصون الذاكرة والرواية الفلسطينية.

وقال أبو سيف: "إن تسجيل التطريز على القائمة التمثيلية للتراث العالمي هو انتصار للرواية الفلسطينية القائمة على حق شعبنا في أرضه، وجزء من مهمة أكبر يجب الاستمرار فيها لصون وحماية التراث الفلسطيني والدفاع عنه وتمريره للأجيال للحفاظ على هويته".

وأضاف: "عملنا منذ أكثر من عامين على تسجيل فن التطريز الفلسطيني ضمن القائمة التمثيلية من خلال تجهيز الملفات والمرفقات المطلوبة التي تدلل على أن التطريز تراث فلسطيني خالص يمارسه شعبنا منذ آلاف السنين، وفتح توقيع دولة فلسطين عام 2011م على اتفاقية 2003 التي تعنى بصون وحماية التراث الثقافي غير المادي الفرصة أمام فلسطين لتسجيل عناصر تراثها ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي وهو ما تم بالفعل في الاجتماع الأخير لليونسكو في العاصمة الفرنسية باريس".

 



وأوضح أن وزارة الثقافة عملت بهدوء ومهنية عالية ومن خلال التعاون مع سَدنة التراث الفلسطيني في الداخل وفي الشتات الذين حافظوا بكل أمانة ووعي وطني على حمايته وصونه وتوريثه جيلًا بعد جيل كي تظل فلسطين صامدة في وجه سواد الاحتلال فعلًا وقولًا.

وقال: "إن تراثنا الفلسطيني العظيم الذي نعيشه ويعيش معنا في كل لحظة وفي كل حلم، متواجد في حياتنا اليوميّة، وهو ركن صلب وحجر زاوية متين، اعتاد التحدي والصمود بوجه كل عواصف الغزوات التي عبرت واندحرت واندثرت تحت كل حجر وكل ذرة تراب، وظلّت فلسطين شاهدة وشامخة وباقية تغزل كل يوم خيوط أعراس البلاد المتينة". 

 



وأضاف: "إن حفظ التراث يتطلب تضحيات، وهو الشيء الذي يمتلكنا أكثر مما نمتلكه، إن التراث بمفهومه هو تراكم خبرة الإنسان في حواره مع الطبيعة، فهو يعني التجربة المتبادلة بين الإنسان ومحيطه، كما يعنى بتاريخ الإنسان في تجارب ماضيه وحاضره ومستقبله، فالتراث هو الخزّان الحي لذاكرة شعبنا على هذه الأرض، لذلك، فإنّ الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية لتراثنا؛ أمر لا بدّ منه لضرورة مواجهة احتلال يسخر كل إمكاناته لمحوه وسرقته".

وشدد على أن في التراث الفلسطيني عناصر كثيرة من الضرورة الحفاظ عليها لترسيخ الهوية الوطنية ونقلها للأجيال، قائلا: "إن ما صنعه لنا الأجداد والآباء وخلّفوا لنا تراثًا فيه من الجمال والروعة والعراقة والجذور الراسخة في هذه الأرض لهو خير دليل على أننا شعب هذه الأرض وجذرها الأساس".

وناشد المسؤول الفلسطيني المنظمات الدولية بالوقوف أمام مسؤولياتها في احترام القرارات الدولية وعدم التعاطي مع بطش الاحتلال ومحاولاته سرقة التراث الفلسطيني، مؤكدًا أن قرار منظمة اليونسكو باعتبار التطريز الفلسطيني ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي يضع مسؤولية قانونية، داعيًا بعدم المساس أو السرقة أو المساعدة في سرقة واختلاس هذا التراث لمكانته العالمية التي بات يتمتع بها بموجب هذا القرار.

واعتبر جمال سالم، رئيس الهيئة الفلسطينية للثقافة والفنون، أن اعتماد فن التطريز الفلسطيني على لائحة التراث العالمي لليونسكو هو رد عملي على سياسة الاحتلال في سرقة التراث والهوية الفلسطينية.

وقال سالم لـ "عربي21": "يمثل الثوب الفلسطيني بصمة تراثية تتباهى بها المرأة الفلسطينية، ووسيلة ثقافية وتراثية لمواجهة سياسات الاحتلال، ويختلف باختلاف المناطق والبيئات المحلية، وتحرص الفلسطينيات على المحافظة عليه رغم موجات التطور والتحديث، من خلال فن التطريز الفلسطيني الذي أصبح عالميا مع هذا الاعتماد".

 



وأضاف: "يتميز الثوب الفلسطيني بالتطريز الذي يمثل عنصرا أساسيا فيه، ويعكس مستوى المهارة والذوق، ويتميز غالبا بالكثافة والإبداع والموهبة، وهو موضة لا تبلى مع مرور الزمان".

وأوضح سالم أن معظم المدن الفلسطينية تشترك في أشكال "الغرزة" أو "القطبة" التي يتكون منها هذا الثوب، إلا أنها تختلف في اختيار أماكن تطريز الثوب وشكل الرسومات عليه. 

وأشار إلى أن لكل سن ثوبا يناسبه، فتختلف أثواب الفتيات الصغيرات عن المتزوجات وعن السيدات المتقدمات في السن.

 

 


وأكد أن الهيئة الفلسطينية للثقافة والفنون والتراث دعت الفلسطينيين في كافة المؤسسات الأهلية والوطنية والجامعات والاتحادات والنقابات والشبكات والقنوات الفضائية والمكاتب الإعلامية في فلسطين وخارج فلسطين للمشاركة في ارتداء الملابس الزي الشعبي الفلسطيني وذلك يوم الخميس 16/12/2021م وذلك ردا على إمعان الاحتلال في سرقة الهوية والتراث وإجبار متسابقات ملكة جمال الكون التي أقيمت في الدولة العبرية في ذلك اليوم بارتداء الأثواب الفلسطينية على أنها إسرائيلية.

وقال سالم: "في أحدث صيحات السطو الإسرائيلي على التراث الفلسطيني، منح المنظمون لمسابقة ملكة جمال الكون إذناً للمشاركات فيها بارتداء الأثواب الفلسطينية، وكخطوة استفزازية جديدة، تداولت صفحات ومواقع إخبارية إسرائيلية صوراً لعدد من المتسابقات وهُنّ يرتدين الأثواب الفلسطينية، ويقمن بإعداد أطباقٍ فلسطينية متنوعة كورق العنب والمعمول الفلسطيني".

وأضاف: "اعتماد فن التطريز الفلسطيني على لائحة التراث العالمي لليونسكو من شانه عدم تكرر ما حدث كون ذلك يعتبر اعتداء على التراث الفلسطيني الذي بات معتمدا عالميا".

واعتبر الكتاب والصحفي هشام ساق الله اعتماد فن التطريز الفلسطيني على لائحة التراث العالمي "انجاز كبير"، بعد أن حاولت دولة الاحتلال سرقته واعتباره ضمن تراثهم المزعوم.

 


وطالب ساق الله في حديثه لـ "عربي21" بتطبيق عملي لهذا القرار الأممي على الأرض وحمايته وذلك من خلال تعليم الفتيات الفلسطينيات من جديد فن  التطريز بكل أشكاله وألوانه للحفاظ على تراث الأجداد.

وقال: "هناك خطوات كثيرة ينبغي أن يتم القيام بها سواء من وزارة الثقافة الفلسطينية أو وزارة التربية والتعليم وقرارات يتم اتخاذها من قبل مجلس الوزراء من اجل تدعيم هذا الإنجاز والمضي قدما في توريثه للأجيال حتى نُخرّج أجيال تعرف التطريز وتمارسه بالأيدي لا أن يتم تحويل هذه المهنة والحرفة التراثية للمكنكة والآلات وعمل أثواب لا تتوافق مع التراث الفلسطيني الحقيقي".

وأضاف: "في الماضي كانت الفتاه الفلسطينية تتعلم التطريز منذ بداياتها الأولى وتستمر فيه حتى تجهز ثوب عرسها من التطريز وفق الشكل واللون التي تتبعه قريتها، وكان الثوب التراثي ضمن جهاز العروس تلبسه في كل المناسبات وكانت تعتز بأنها صنعته بيدها، وكان دائما جميل وقيم يختلف عما يتم صنعة بالسوق، فهو تعب وجهد العروس التي كانت تعتز فيه".

وتابع: "مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) كانت في بداية الهجرة كانت لديها حصة للتدريب المنزلي والأشغال وكانوا يعلموا الطالبات التطريز والحرف اليدوية مثل الصوف وغيره، واذكر أننا كنا نشتري أشكال ملونة تنفذ أخواتنا الطالبات التطريز عليها لكي يتعلموا الدقة وفن مسك إبرة التطريز وكان هذا الأمر ضمن المناهج المدرسية".

 



وأشار ساق الله إلى أن التنظيمات وأطرها النسوية كان لديهم مشاغل للتطريز والأشكال اليدوية، وكانت تقوم وزارة التربية والتعليم بعمل معارض سنوية بعمل الطالبات من المطرزات وغيرها من الأشكال الفنية.

وطالب الكاتب والصحفي الفلسطيني إعادة الاعتبار لتطريز من خلال تشجيع لبس الزي الوطني الفلسطيني التراثي وإعادة الاعتبار لأشكال التطريز وألوان القرى الفلسطينية من جديد، حيث كان الثوب الفلسطيني يميز السيدة الفلسطينية من أي قرية هي. 

وشدد على أن هذا هو الرد العملي على ممارسات الاحتلال ضد التراث والثقافة الفلسطينية، وبهذا الأمر يتم ترسيخ التراث لدى الأجيال القادمة، ونرد على الاحتلال أمام العالم، ونؤكد لهم أن هذا التراث الذي نعتز ونتمسك به، ولا يمكن القبول بتهويده ونتسلح كذلك بقرار اليونسكو.

وقال: "كنا نعرف المرأة من أي قرية أو مدينة فلسطينية، حين نراها تلبس ثوبها التراثي الجميل، وكانت البنات والفتيات يتجملن بهذا الزي الجميل الذي أتمنى أن نعيد الاعتبار ليوم التراث الفلسطيني بحيث تلبس كل فتاة الزي الشعبي في هذا اليوم أو هذا الأسبوع".

وأضاف: "لكل مدينة فلسطينية ثوبها الخاص فتستطيع أن تعرف من نوع الغرزة وشكلها من أي مدينة قدمت منها هذه المرأة، فمدينة غزة مثلا تعرف برسمة الوسادة أو المقص؛ أما مدينة رام الله فتعرف باستعمالها رسمة النخلة؛ ومنطقه الخليل بما يسمى خيمة الباشا؛ أما بئر السبع ومنطقتها فقد عرفت باستعمالها رسمة الحجب، ومدينة يافا برسمة السرو مع قاعدة".

 

 


التعليقات (0)