قضايا وآراء

حانوكا الإماراتي وهتكفاه الإسرائيلي

نزار السهلي
1300x600
1300x600
ما من أحد لديه حس سليم يشك في قسوة الراهن العربي الذي نعيش، ولا نبالغ في القول إنه أقسى مما يظن أولئك المبشرون بعصر التصهين والتعايش مع المحتل، فالهزيمة تلف مناحي الواقع العربي وأيديولوجيته الرسمية الممانعة والمُطبعة على حد سواء، والتي آلت لمصيرٍ فاجعٍ بعدما عاشت شوارع عربية ثورات أحيت الآمال بتغيير منشود.

فبعد عقود من ممارسة التعمية الأيديولوجية ونسج الكلام، يأتي دور التبني الأعمى للأساطير الصهيونية التلمودية، فتشرع الأبواب العربية لها وتوصد في وجه الفلسطيني بمراجعة تاريخية تُفند "مزاعمه" في حقه بتاريخه وأرضه وتراثه. يتقاسم شريك الصهيوني العربي المهمة ليسبق عتاة العنصرية والتطرف؛ لكسب مديح زائف لا حاجة له سوى الاستحواذ على فضاء عقلي وروحي للإنسان العربي عبر نقل محور حركة التطبيع من السر نحو العلن الفاجر وفي ميادين عديدة.

قد يتساءل البعض عن حاجة أنظمة عربية مطبعة أو في طور التطبيع لفعل التصهين، وهي أنظمة مرتاحة نسبياً من بروباغندا الحدود مع فلسطين أو "القلق" من الاحتلال وسلوكه.. سيتضح لنا أن التصهين في الماضي كان فعلا سياسيا يهدف لتعطيل وإبطال جملة المفاعيل الداخلية التي تقف حائلاً بين الآلة السياسية وبين تحقيق خططها وأهدافها المباشرة، بيد أنه في حالة التطبيع الإماراتي الصاروخي مع المؤسسة الصهيونية؛ تساقط الكلام المُعَبرن من ألسنة عربية مع مد الأيدي لإضاءة أنوار الشمعدان اليهودي؛ الذي تحت أسطورته المزيفة تلاشت عن الوجود مدن وقرى عربية فلسطينية، وقُتل وهُجر مئات الآلاف من أصحابها الذين بات محظورا عليهم العودة لإحياء نكبتهم والمطالبة بحقهم التاريخي قبل أكثر من سبعة عقود، ليحل التهليل لفبركة التاريخ وتزويره، بالعودة إلى ما قبل ألفي عام، للاحتفاء بأسطورة مزيفة وإشعالها بأعواد ثقاب عربية تعزف أناملها نشيد الأمل الصهيوني "هتكفاه".

واللهاث الإماراتي نحو التصهين حاضر بقوة في سرعته واتساعه المشمول بدعم وتقوية المستعمر الصهيوني؛ أبعد من الاحتفاء بطقس "حانوكا" العائد لـ150 عاما قبل الميلاد. ولن نجادل في حساب السنين على أهمية هذا الحساب الذي يدخل في صميم الخداع الصهيوني وتضليل الرأي العام العربي والدولي.. لن نجادل في ذلك ليس لأننا غير معنيين، بل لأننا نعتبر الأمر كله تزويرا في تزوير، وما يهم التأكيد على عروبة الأرض ومقدساتها التي أقيمت قبل الزعم الصهيوني بتأسيسها، فهنا أي ذكرى سياسية أو دينية أو ثقافية مرتبطة بالمشروع الصهيوني هي ذكرى احتلال يُنكر الوقائع، وتشكل انتهاكاً لحقوق أصحاب الأرض.

الأمر اللافت في ذلك كله أن الاحتفالات الصهيونية في العواصم العربية تأتي مع اشتداد العدوان والحصار، وتنفيذ سياسة طرد السكان واستيطان الأرض وتهويدها بمباركة رسمية عربية؛ أصبحت تشكل عامل ضغط على رقاب أصحاب الأرض، الأمر الذي أصبح مختلفاً نظراً إلى طابع التحالف القائم بين المؤسسة الصهيونية ونظرائها في دول التطبيع العربي.

النموذج الإماراتي المنصهر بالتصهين، وبإظهاره قدرة عالية ومفاجئة للمؤسسة الصهيونية نفسها كونه قد وقف في مواجهة شاملة ضد كل أشكال الحق التاريخي للشعب الفلسطيني من جهة وضد تطلعات الشارع العربي؛ بات رأس حربة المشاريع التي اكتسبت مضامينها اللا أخلاقية واللا إنسانية في ما يتعلق بالصراع مع المحتل ومع الاستبداد.

وبذلك المنحنى يبدو مفهوماً الإصرار الذي يبديه حكام أبو ظبي على الالتزام الصريح بالوقوف خلف المشروع الاستعماري للمؤسسة الصهيونية، وعلى اقتحام حقل الاقتصاد والسياسة والإعلام والفن والرياضة والثقافة، لتعطيل أي فاعلية ودور يمكن أن يغير أو يضغط على المستعمر.

على العكس من ذلك، شكل اقتحام الإمارات السريع لحقل التصهين بالتعاون والتحالف العسكري والأمني والمادي؛ أهمية خاصة وخطيرة تنبع من كونها حقيقة فاصلة، بمعنى أن المشروع الاستعماري الصهيوني يرتكز بشكل أساسي على إتلاف الذاكرة الجمعية للمجتمعات العربية وتخريب جهازها المناعي، لتصبح القضية برمتها بحكم الميتة، وأن مستقبل إسرائيل ومشروعها الاستعماري غير قابل للتساؤل بعد رفع راية التصهين على أضواء عيد حانوكا والخشوع عند سماع هتكفاه.

وتلك هزيمة عربية أشد سوءاً من أية هزيمة عسكرية تشع منها قبسات من نار الخيبة والتخاذل؛ في واقع عربي دمر كل شروط نهضته الصحيحة، وأغلق كل منافذ الحياة بوضع الإنسان العربي في دوامة العسف والقتل والتدمير والامتهان والاضطهاد العنصري والمذهبي والقومي والسياسي، لإزالة العقبات أمام الانفتاح الصريح والمريح على التطبيع بين المستبدين والمحتلين؛ من الرباط إلى المنامة فأبو ظبي التي تزينت بأعلام التزوير الصهيوني وهي تستقبل رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت؛ كتتويج لهذا الانصهار المعروف هدفه وبرنامجه.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)